«الحرب» كما أصر المنظر العسكري البروسي كارل فون كلوزيتس قبل 170 سنة هي «مجرد استمرار للسياسة ولكن بأسلوب مختلف». ما شهدناه من حرب بين «إسرائيل» - حزب الله ليس تأكيداً على ذلك فقط وإنما هو إنكار صارخ لحقوق الإنسان الأساسية بغض النظر عمن على حق ومن على خطأ.
على رغم أن حق الدفاع عن النفس والحق بالحرية من الاحتلال يوفران بعض التبرير للحرب والمقاومة الوطنية فإن الحرب تعدت هذين الحقين بعد عبورهما الكثير من الخطوط الحمراء. كل طرف، ومعه حلفاؤه التابعون له، يعاقب الطرف الآخر ويحقق «انتصارات» وأفضليات استراتيجية بغض النظر عن الخسائر البشرية والاجتماعية، كما قال المهاتما غاندي مرة هي «العين بالعين، وعندها يصبح العالم كله أعمى».
تاريخياً قاد العرب والإسرائيليون شعوبهم ومواطنيهم نحو انعدام الثقة والخوف من بعضهم بعضاً. من خلال الادعاءات والادعاءات المضادة ومن خلال التأخيرات التي لا نهاية لها عملوا على تأجيل الاعتبارات الجادة للفروقات بينهم. حتى عندما جرى توقيع الاتفاقات على أعلى المستويات، وكما حصل في كامب ديفيد العام 1978 أو بمعاهدات أوسلو العام 1993 بقي رجل الشارع غير مقتنع. ليس من الغريب أن التطرف والتعصب والعدوان تبعت في العادة ونتج عنها في كل مرة ضحايا وإصابات وعدم تمكين واعتقال ونزوح وفقدان الأمل.
على الصعيد الإسرائيلي ولد التأكيد الواسع على الأمن والاعتماد على القوى المتناهية حاجة لتوسع حدودي لضمان «البقاء في بيئة معادية». على الجانب العربي أعمت الحاجة الزائدة لعكس التاريخ من خلال هزيمة «إسرائيل» إعادة السيطرة في فلسطين، أعمت العرب لأجيال كثيرة وجاءت بحركات اجتماعية متطرفة.
في هذه البنية المشحونة يعطي المتحاربون شخصيات آحادية عظيمة ويحولون إلى أسوأ الأعداء حتى يتسنى تحييدهم. المحاربون وغير المحاربين يجري وضعهم في مصاف واحد وتعريضهم للعقاب الجماعي بغض النظر عن الفروقات بينهم. حتى عندما تتخذ الاحتياطات ينتج عن الصراع خسائر جانبية تفسر على أنها أخطاء مأسوية ويتم إبعادها جانبا.
بعكس الحروب العربية الإسرائيلية السابقة فإن حرب «إسرائيل» مع حزب الله جاءت نتيجة لخطأ كبير ارتكبه القادة الوطنيون عبر أكثر من ربع قرن، ما مكن حزب الله من النمو بدعم من سورية وإيران وتغاضٍ من قبل حكومات لبنانية ضعيفة متعاقبة، إضافة إلى تغاضٍ عن احتلال إسرائيلي لجنوب لبنان دام 22 سنة. ضمن مضمون الحرب على الإرهاب، فهي كانت حرباً بالوكالة قامت بها «إسرائيل» نيابة عن الولايات المتحدة لسد الطريق أمام المخططات الإيرانية السورية على لبنان وبقية الشرق الأوسط.
إلا أنه مثلها مثل الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، فإن الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله هي فشل الدبلوماسية وكذلك نمو أو بقية باقية لقضية فلسطين. ما لم تحل هذه القضية المركزية فإن آثارها ستستمر لتقض مضاجع العلاقات الإقليمية والدولية، وخصوصاً استخدام المتطرفين وغيرهم لتحقيق أهدافهم ومصالحهم الاستثنائية.
الظاهر هو أنه على رغم أن أمن الإنسان مهم جدا من أجل البقاء، فإن الأمن وحده لن يضمن السلام. الأمن يجب توازنه مع أمن الغير ولا يمكن ضمانه من خلال الاستقرار والعدالة والسلام. هذه الأمور تتبلور عندما يحترم المتحاربون إنسانية الطرف الآخر وعندما يروجون لثقافة الاعتدال والتسامح والثقة.
الطريق قدماً في العلاقات العربية الإسرائيلية ليست ارتكاب شرور أقل أو الاستمرار في خوض الحروب. إنه من أجل تحقيق سلام عادل باقٍ دائم.
خمس خطوات ترتكز بشكل أساسي على مبادئ طرحتها مجموعة العمل من أجل فلسطين تعرض نفسها هنا:
الخطوة الأولى أن يقوم القادة الإسرائيليون والعرب بإعداد جماهيرهم ومجتمعاتهم للسلام. وهذا يشتمل على التعليم من أجل السلام وجعل كل أشكال العنف الموجه ضد المدنيين بغض النظر عن المتسبب به أو ضحاياه غير مقبول ومدان بشكل كامل ومن دون تراجع أو تساهل.
خطوة ثانية هي تحقيق تسوية تاريخية ترتكز على حل الدولتين من خلال إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية تعددية غير مسلحة تعيش بسلام وأمن إلى جانب «إسرائيل» في المناطق المحتلة منذ العام 1967 بحسب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
الخطوة الثالثة، فتح القدس لجميع الأديان وجعلها عاصمة لـ «إسرائيل» وفلسطين وتحقيق التطلعات السياسية للإسرائيليين والفلسطينيين.
الخطوة الرابعة، أن تقوم «إسرائيل» والدول العربية بقبول بعضها بعضاً وخلق علاقات دبلوماسية واقتصادية ومالية وتعليمية وثقافية إضافة إلى شراكات.
خطوة خامسة، أن تقوم الدول النفطية والدول الصناعية الغربية وغيرها بإعداد حزمة على غرار «خطة مارشال» من المعونة والاستثمار في فلسطين ولبنان والعراق و«إسرائيل».
قرار مجلس الأمن الجديد رقم 1701 أساسي وحرج في إنهاء حرب «إسرائيل» وحزب الله. الأهم والأكثر حرجاً هو أن تقوم الأمم المتحدة بتبني قرار جديد يتعامل مع السؤال الأساسي لقضية فلسطين مرة أخيرة نهائية. من الضرورة الحرجة أن تنخرط الولايات المتحدة في الاستقطاب من أجل سلام عادل ودائم.
الخطوات الخمس السابقة تضم خطوطاً أساسية غاية في الأهمية.
صليبا سرسر
أستاذ العلوم السياسية في جامعة مونماوث الأميركية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ