العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ

في انتظار الرد... على الرد الإيراني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سلّمت إيران ردها إلى الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا بشأن «الحوافز» أو ما يطلق عليه «الإجراءات التشجيعية» التي قدمت لطهران مقابل وقفها لمشروع التخصيب النووي.

الرد طويل ومعقّد في أجوبته كما ذكرت المصادر التي اطلعت عليه. فهو يقع في 20 صفحة ويتضمن اقتراحات وأسئلة توضيحية ويطلب المزيد من الوقت للاستفسار عن بعض النقاط الغامضة التي تحتاج بدورها إلى إعادة التفاوض بشأن الملف.

المسألة إذاً تحتاج إلى أيام كما ذكرت المصادر للاطلاع على الرد ودراسة فقراته ومعالجة كل نقطة على حدة قبل تقديم الجواب النهائي. ولم تذكر المصادر المدة المطلوبة للرد على الرد ولكنها لم تستبعد التفاوض خارج دائرة مجلس الأمن في حال وجدت أن هناك موافقة إيرانية على وقف التخصيب.

نقطة التخصيب تشكل حجر الزاوية في موضوع الخلاف. وطهران كما يبدو أبدت استعدادها للتنازل عن التخصيب التصنيعي واحتفظت بحقها في استكمال البحوث العلمية (الدراسية) في مجال تطوير التخصيب نظرياً.

هذا التفريق بين التخصيب البحثي والتخصيب الصناعي ربما يشكل فرصة لروسيا بإعادة التذكير بمشروعها السابق الذي اقترح نقل التخصيب من إيران إلى أراضيها. كذلك أعطى التقسيم بين الخطوتين إشارة إيجابية للصين تسمح لها بالتدخل لمصلحة إيران ومنع دول مجلس الأمن من اتخاذ خطوة تصعيدية ضدها. فالعاصمة بكين لاتزال متمسكة برأيها السابق الذي يرفض فكرة اتخاذ سلسلة عقوبات مالية واقتصادية ودبلوماسية بذريعة الضغط على طهران وإجبارها على التجاوب مع الشروط الدولية.

الرد الإيراني إذاً يحتاج إلى وقت لدراسته ويرجح ألا تتجاوز المدة تاريخ 31 أغسطس/ آب الجاري كما تريد إدارة واشنطن. ويرجح أن تتجاوز مدة الرد على الرد ذاك التاريخ بحسب ما تريده عواصم أوروبا وروسيا والصين. فالمسألة ليست واضحة وتحتاج إلى أيام حتى تتبلور المواقف بين مؤيد ومتحفظ ورافض للرد.

ومن الآن وحتى ترتسم الخطوط على الأرض يمكن رصد الكثير من التوترات التي تظهر أحياناً في أكثر من مكان قريب أو بعيد. فرنسا مثلاً تراجعت عن وعودها السابقة بإرسال قوات كافية لقيادة عمل القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة (يونيفل) في الجنوب اللبناني. فهذه الدولة راهن عليها مجلس الأمن حين وافق على إصدار القرار 1701. وعندما باشرت الدول المعنية في وضع خطة لتنفيذها قررت باريس عدم التورط في مشكلة لا تعرف حدودها ومحاذيرها. وأدى هذا التراجع إلى ارتباك الدول ودفع الكثير منها إلى تسجيل اعتراضات وتحفظات على مهمات قوات الأمم المتحدة. حتى إيطاليا التي قررت أخذ موقع فرنسا ولعب دورها كقوة قائدة للقوات في الجنوب اللبناني بدأت تتردد وتراجع موقفها خوفاً من وجود «مصيدة» في مشروع توسيع مهمات «يونيفل».

هذا الارتباك حذر من سلبياته مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن وتخوف من نشوء منطقة «فراغ أمني» في الجنوب اللبناني لمدة تتراوح بين الشهرين والأشهر الثلاثة. وخلال هذه الفترة الحساسة جداً لم يستبعد لارسن حصول أعمال مخلة بالأمن قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الجنوب وعودة الحرب المعلقة إلى الانفجار من جديد.

عودة الحرب

تحذير لارسن من احتمال تجدد القتال ليس للاستهلاك المحلي وإنما جاء في سياق قراءة للنتائج التي أسفر عنها عدوان 12 يوليو/ تموز الماضي على لبنان. حتى الآن تبدو «إسرائيل» غير مرتاحة للنتائج الميدانية بعد حرب استمرت 33 يوماً دمرت خلالها البنى التحتية والسكانية وقوضت الدولة وأنهكت العمران، ولكنها سياسياً لم تحقق تلك المكاسب التي توقعت حصولها أو راهنت عليها بعد وقف إطلاق النار وصدور القرار 1701.

وبسبب فشل «إسرائيل» الميداني - السياسي تحاول حكومة إيهود أولمرت المناورة وكسب الوقت منذ توقف العمليات الحربية في 14 أغسطس الجاري. فتل أبيب منذ صدور القرار الدولي تتحايل على فقرات 1701 وتحاول تفسيرها وفق إطار يخدم مصالحها ويورط لبنان في اهتزازات أهلية تزيد الطين بلة. فهي تارة تعمل على الاستفادة من تلك الفقرات التي تعطيها حق التدخل العسكري بذريعة الدفاع عن النفس ومنع حزب الله من إعادة تسليح قواته. وهي طوراً تختلق المشكلات في الشريط الحدودي (القشرة) أو تتعمد التحرش ضد القرى الأمامية لزيادة القلق وتوتير الأجواء لمنع النازحين من الاستقرار في مناطقهم.

إلى هذه التحرشات اليومية لاتزال حكومة أولمرت تتمسك بشروطها أساساً لتطبيق القرار الدولي، فهي تصر على انسحاب قوات حزب الله من جنوب الليطاني وتطالب أحياناً بسحب سلاحه أو منعه من تجديد ترسانته. كذلك لا تتردد في التذكير بضرورة تسليم «الجنديين المخطوفين» وتربط المسألة باستمرار فرض حصارها البحري على الموانئ وتفتيش السفن قبل رسوها في المرافئ اللبنانية. وفوق هذا تواصل تل أبيب مراقبة الأجواء اللبنانية وتعطل محاولات فتح مطار بيروت الدولي وتقوم يومياً بطلعات طيران بذريعة منع نقل المعدات والصواريخ عبر الحدود البرية مع سورية.

هذا الإصرار اليومي على توتير الأجواء في لبنان يشير إلى وجود نوع من عدم الارتياح الإسرائيلي للنتائج السياسية للعدوان، ولذلك تلجأ إلى خلق منطقة فارغة في الجنوب تمنع استقرار النازحين وتعطل خطط إعادة الإعمار من خلال تخويف الناس والعمل على تفريغ المنطقة من السكان.

سياسة تفريغ الجنوب من سكانه وخصوصاً في مناطق القشرة (القرى الأمامية) تكتيك خبيث يستهدف تشكيل منطقة عازلة (أو فارغة) تضبط أمن حدودها من خلال إبقاء قطاعات من قواتها على التلال المرتفعة بذريعة المراقبة وأحياناً الملاحقة وإقامة حواجز تفتيش ضمن الأراضي اللبنانية.

الكلام الذي ورد في تصريح لارسن بشأن احتمال عودة القتال ليس مجرد فرضية وإنما يستند إلى قراءة واقعية لما أسفرت عنه الحرب على المستوى السياسي. فكل النقاط التي اندلع بسببها العدوان لاتزال عالقة في مكانها من دون حل. فتل أبيب تصرّ حتى الآن على تأجيل البحث بالمطالب اللبنانية إلى فترة لاحقة. فموضوع الأسرى ترفض فتحه قبل عودة المخطوفين، ومزارع شبعا ترفض التطرق إلى مصيرها قبل تشكيل القوات الدولية وانتشارها على الحدود اللبنانية (المنطقة العازلة)، وخريطة الألغام لم تُسلَّم حتى الآن بذريعة أن حدودها ليست آمنة مع لبنان، واحتلالها للمرتفعات وتموضع قواتها في تسعة مواقع تتمسك بها وترفض الانسحاب منها قبل استكمال نشر القوات الدولية - اللبنانية في مختلف المناطق الحدودية.

كل هذه المطالب ترفض حكومة أولمرت الدخول في بحثها قبل أن تستكمل الحكومة اللبنانية الضعيفة، التي تحولت إلى هيئة لتصريف الأعمال، تنفيذ ما هو المطلوب منها في القرار 1701. وبما أن لبنان (الدولة) غير قادر على تطبيق تلك الفقرات المطلوبة منه في المشروع الدولي، وبما أن «إسرائيل» غير مستعدة من جانبها لتطبيق تلك الفقرات المطلوبة منها... فمعنى ذلك أن الكلام الذي ورد في تصريح لارسن بشأن «الفراغ الأمني» واحتمال تجدد القتال ليس مستبعداً حصوله في حال وجدت واشنطن أن هناك ضرورة له.

الولايات المتحدة الآن تراقب الوضع اللبناني بدقة، وهي أيضاً تدرس الرد الإيراني على موضوع الحوافز والملف النووي ويرجح أن يتبلور موقف إدارتها خلال الأيام المقبلة. فإذا جاء الرد الأميركي إيجابياً فمعنى ذلك أن لبنان يمكن له أن يتحرر من تلك القيود والشروط الإسرائيلية، وإذا جاء الرد سلبياً فمعنى ذلك أن على هذا البلد المسكين أن ينتظر ماذا سيحصل في المنطقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً