فيما يخص إعادة تنظيم دور الدولة، فاننا نلاحظ للأسف هناك خلط بين هذا المفهوم ومفهوم تقليص دور الدولة. فعلى رغم تجاوز مرحلة الدعوات الى تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية الى مرحلة اعادة الحياة لهذا الدور بصورة أكثر تنظيمية وكفاءة في دول الغرب الصناعي نفسه، فاننا نلاحظ ان ادبيات وبرامج مؤسسات هذه الدول الموجهة الى الدول النامية لاتزال تصر على دعوات تقليص دور الدولة بمفهومه المطلق بل وتطالب بالتسريع بتنفيذها. ونحن لا نفهم حقا اذا كانت آليات السوق في ظل اقتصادات متطورة وتتجه نحو النضج والاستقرار لم تفلح بان تؤدي دورها المطلوب من دون تدخل ما من قبل الدولة، فكيف ستؤدي هذه الاليات دورها في مجتمعات نامية وتشوبها الكثير من التشوهات والاختلالات.
ان التغيرات التي تطالب المؤسسات الدولية البلدان النامية بتطبيقها من الصعب معارضتها من الناحية النظرية، الا اننا نعيد القول بان العمل على تنفيذها بظل التشوهات الكثيرة في اقتصادات هذه البلدان سيؤدي الى آثار سلبية وليس ايجابية. ان الدرس الأول الذي تعلمناه من تجارب الدول الآسيوية ان تجاربها التنموية قد نجحت استنادا الى سياسات مزجت بين تدخل الدولة واقتصادات السوق، بل ان الدولة لعبت دوراً مركزياً في إدارة وتنظيم - و لا نقول تشغيل أو تنفيذ - برامج التنمية.
واذا ما اخذنا في الاعتبار عاملاً تاريخياً مهماً هو واقع وتطور القطاع الخاص في الكثير من البلدان النامية ومنها دول المنطقة، فان الحديث المطلوب عن اطلاق قوى السوق في المجتمع يصبح أكثر صعوبة ومثالية.
نضيف على ذلك ان تجارب الكثير من دول المعسكر الاشتراكي السابق بعد اطلاق قوى السوق قد جاءت محبطة لشعوبها، وهي تقدم دليلا آخر على ان تبنى نهج الاقتصادات الحرة بصورة عشوائية وحرفية من دون الاخذ في الاعتبار وجود دور محوري للدولة ينظم هذا النهج ويبرمجه وفقا للحالة الخاصة لكل بلد سيؤدي الى نتائج وخيمة. بينما تقدم الصين نموذجاً ناجحاً للجهود المبذولة للتحول الى اقتصادات السوق مع استمرار وجود دور محوري للدولة في ادارة الاقتصاد.
أما بشأن القضية الثانية وهي مشاركة القطاع الخاص في إنشاء وتمويل مشروع البنية الاساسية والتنموية الاخرى، فاننا نعتقد ان الحديث هنا لابد ان ينصرف الى ايجاد صيغة توفيقية ما بين ماضي اساسيات انشاء وتمويل وتسيير هذه المشروعات وحاضر ومستقبل هذه الأساسيات. فمن المتعارف عليه ان خدمات جميع المرافق الحيوية بدول المنطقة كان يتم تقديمها بأسعار رمزية للمواطنين إذ تتحمل الاجهزة الحكومية نفسها أعباء النفقات الحقيقيه لهذه المرافق.
ان خلق الاستعداد الضروري لدى القطاع الخاص للمشاركة في انشاء وادارة وتسيير مرافق ومشروعات البنية الاساسية لمجتمع يجب أن يكون بالشراكة مع الفئات الأوسع من المواطنين القائم على مفهوم الشراكة الاجتماعية، وهو ما نعتقده شرطاً ضرورياً لنجاح دور القطاع الخاص في انشاء وتمويل هذه المشروعات، بل ان تلك الشراكة هي الوجه الآخر والمتمم لهذا الدور
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ