العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ

بعد أن هدأت الحرب... دروس وعبر!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الحرب الصهيونية على لبنان لم تنتهِ بعد، فبعد صدور قرار مجلس الأمن (1701) والمنحاز إلى «إسرائيل» لاتزال «إسرائيل» تفرض حصارها الجوي والبحري على لبنان، كما أنها قامت بعملية إنزال فاشلة انتهت بمقتل بعض جنودها ولم تحقق ما ادعت أنها جاءت لتحقيقه، ولأن القيادة الإسرائيلية أصيبت بصدمة عنيفة من نتائج الحرب التي لم تكن تتوقعها فإنها مازالت تأمل في تحقيق نصر من أي نوع يرفع اسمها لدى الشارع الإسرائيلي، ومن أجل ذلك فإن حربها على لبنان لم تنتهِ بعد حتى وإن ادعت أنها ملتزمة بقرار مجلس الأمن 1701.

أجزم أن البشر بطبعهم يحبون السلم ويكرهون الحرب وويلاتها، ولكن هؤلاء البشر بطبعهم - كذلك - يكرهون من يعتدي عليهم ويحاولون الدفاع عن أنفسهم بكل ما يقدرون عليه، ولأن الأمم العاقلة تستفيد من تجاربها، ولأن تجربة الحرب قاسية فإن من مصلحة أمتنا العربية أن تستفيد من تجربة الحرب الصهيونية على لبنان وتحول هذه الاستفادة إلى دروس عملية في حياتها وواقعها.

أول هذه الدروس أن الصلح مع الصهاينة أمر ميؤوس منه، وأن كل تنازل يقدم إليهم لا يحقق شيئاً في هذا الاتجاه، والسبب - ببساطة شديدة - أنهم يحملون لكل عربي ومسلم كراهية لا تعرف حدوداً يغذيها دين فاسد يأمرهم بالإساءة إلى كل مسلم وبكل أنواع الإساءات ويجعل لهم أجراً على تلك الأفعال في آخرتهم. ولذلك، فإن الأمل في الصلح معهم لا مكان له في حياتنا، هكذا أعتقد وهكذا أثبتت التجارب.

إنهم يريدون تحييد بعض الدول للانقضاض على الأخرى في الوقت الذي يناسبهم، لقد صالحتهم بعض الدول بزعم المساعدة في المسألة الفلسطينية، فماذا حصل من ذلك التاريخ وحتى الآن؟

إن مصلحة العرب تكمن في تقوية جيوشهم وبث الوعي بين شعوبهم والاستفادة من كل مواردهم حتى يتمكنوا من إزالة هذا العدو الذي يتربص بهم جميعاً.

وثاني هذه الدروس، أن «إسرائيل» ليست قوة لا تقهر كما تدعي، فقد أثبتت هذه الحرب أن قهرها أمر ميسور لكنه يحتاج إلى إرادة قوية... لقد حاربت «إسرائيل» العرب عدة مرات وانتصرت عليهم، كما غزت لبنان عدة مرات وانتصرت كذلك، ولكن تلك الانتصارات تحققت لها لأن إرادة القتال لم تكن موجودة عند القيادات العربية آنذاك، وكانت الهزيمة الداخلية هي الطاغية على القيادات والأفراد، هذا فضلاً عن الظلم الذي كان يشعر به المواطن العربي - والجنود جزء من هؤلاء المواطنين - ولهذا كله فإن المواطن كان مهزوماً قبل أن تلحق به الهزيمة الفعلية في ميدان القتال.

هذه الحرب غيّرت تلك المعادلة، فالجيش الذي لا يُقهر والذي يعتبره البعض واحداً من أقوى جيوش العالم لم يستطع الانتصار في هذه المعركة بحسب الأهداف التي أرادها قبل دخوله في المعركة... هذا الجيش الذي يملك أقوى الأسلحة وأكثرها فتكاً وقف حائراً أمام مقاومة لا تملك إلا الصواريخ وحدها، مع أنه عمل كل شيء وبوحشية غير مسبوقة إلا أنه لم يستطع تحرير أسراه ولا نزع سلاح المقاومة، وفوق هذا فقد قتل له من الجنود ودمر له من المعدات وأصيب مواطنه برعب لم يحصل لهم في كل حروبهم السابقة.

هذا الواقع يجب أن يتعلم منه العرب - قادة وشعوباً - إن المقاومة وحدها هي طريق الانتصار، وأن الإرادة وحدها هي التي تحقق الانتصار، وأن كل شيء عدا ذلك هراء لا قيمة له، وأن الحديث عن الكثرة والقلة تخذيل يصبّ في مصلحة الصهاينة وحدهم... هذا مع أن العرب - لو اجتمعوا - لكانوا هم الأكثر والأقوى... ولكن متى يجتمعون؟!

وثالث هذه الدروس، أن الولايات المتحدة هي الأخرى عدو لا يقل شراسة وخطراً عن الصهاينة إن لم يزد عليهم. وأثبتت هذه الحرب صحة هذا القول، القيادة الأميركية أعطت الحق كله للصهاينة لتدمير لبنان، ووقفت إلى جانبهم - أثناء الحرب - بالسلاح وبالمواقف السياسية التي أفشلت إيقاف الحرب وجعلتها تمتد إلى ثلاثة وثلاثين يوماً... لقد أرادت أميركا ومن خلال هذه المعركة التي كانت تتوقع لها نتائج مغايرة عما حدث أن تحقق أهدافها الاستعمارية في المنطقة العربية، فلما رأت فشل «إسرائيل» واضحاً عملت إلى تحقيق بعض الانتصارات للصهاينة عن طريق الدبلوماسية التي كانت ترفضها في بداية المعركة.

أميركا - بقيادتها الحالية - عدوة لكل ما هو عربي أو مسلم، ويجب على الشعوب والقيادات أن تنتبه لكل ذلك وأن تنفض يدها من هذا الحليف الغادر، ويكفي أن ننظر إلى أفعالهم في العراق وأفغانستان لندرك حجم الشر الذي يحملونه لنا.

الرئيس الأميركي - الذي بات معروفاً بأكاذيبه - قال في خطابه الأسبوعي الذي بثه البيت الأبيض السبت الماضي: «إنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون العراق ولبنان اللذان يبنيان مجتمعين حرين في قلب منطقة الشرق الأوسط، هما أيضاً مسرح لمعظم أنشطة الإرهابيين».

أقول: لست أدري كيف يستطيع العراقيون أو اللبنانيون بناء مجتمع حر والإرهاب الأميركي والصهيوني يقف لهم بالمرصاد؟

مرة أخرى، علينا أن نعرف عدونا وأن نعرف كيف نتعامل معه... وعلينا أن نضع مصالحنا الحقيقية فوق أية مصالح أخرى، عندها سنضع أقدامنا على الطريق الصحيح.

ورابع هذه الدروس، أن الوحدة العربية الحقة هي أول طريق الانتصار، ومن دونها ستبقى الدول العربية كلها ضعيفة، وسيكون عدوها أقدر على التهامها وهي بهذا التمزق والضعف.

قبل الحرب كانت هناك فرقة أضعفت الصف العربي، وبعد الحرب زادت هذه الفرقة، أو لعلها اتضحت.

كان الموقف السوري سيئاً بعد الحرب، قابله موقف لبناني مساوٍ له... ولو عرف السوريون واللبنانيون أنهم - جميعاً - في المرمى الصهيوني لما كان لهم أن يتخذوا مثل هذه المواقف.

وبطبيعة الحال، قد تتحزب دول عربية لهذا التيار أو ذاك، ولكن الأمل أن يكون عقلاء هذه الأمة أقدر على التعاطي مع هذه الأزمة وتوحيد الصف العربي، وإفهام الجميع أنهم أمام عدو مشترك يتربص بهم جميعاً الدوائر مهما ادعى غير ذلك.

ديننا ومصلحتنا يدعوان إلى الوحدة والعمل المشترك، فهل نفعل؟!

وخامس هذه الدروس، معرفة أن عدونا يتمتع بقدر كبير من العدالة والحرية لا تتمتع بهما شعوبنا ولا أنظمتنا، وأن هذه العدالة والحرية هما الطاقة الحية اللتان تمدانه بالحياة...

طالما سمعنا أن «إسرائيل» - وحدها - تتمتع بديمقراطية حقيقية في الوسط الذي تعيش فيه، وأن هذه الديمقراطية هي التي تجعل معظم دول العالم تقف معها.

هذه الحرب أثبتت أن هناك عدالة - لليهود وحدهم - وأن هذه العدالة يخضع لها الجميع.

نسمع الآن أن رئيس الأركان الصهيوني سيخضع لتحقيق بسبب بيعه أسهمه قبل الحرب، هذه الأسهم - كما قيل - لا تساوي ثلاثين ألف دولار، لكن بيعه إياها في هذا التوقيت بالذات كان شبهة تستحق التحقيق... تخيل - أخي العزيز- أن رئيس الأركان يُحاكم بشبهة ولمبلغ لا يتجاوز ثلاثين ألف دولار! وتخيل كذلك ماذا يحدث للمال العام عند العرب، وكيف أن الملايين تُهدر من دون سبب ولا أحد يخضع للتحقيق... عندها تخيل الفارق الهائل بين العدالتين وكيف تؤثر على الشعوب!

تلك واحدة... أما الثانية فقد تم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق مع الساسة العسكريين لسوء أدائهم في الحرب... ومع أن غالبية الصهاينة كانوا مؤيدين لهذه الحرب فإنهم لم يتخيلوا تلك النتيجة التي أذهلتهم... كانوا يقولون: إن «إسرائيل» لا تتحمل أية هزيمة وإن جيشها لا يُقهر... ولذلك، فقد علت الأصوات تطالب بتحقيق شامل مع كل القادة... وهذه خطوة تُحسب لهم بكل المقاييس... لقد أرادوا معرفة الحقيقة كما أرادوا تجنب الأخطاء في المستقبل.

أما في عالمنا العربي فطالما صفقنا للقادة المنهزمين، وطالبنا ببقائهم على كراسيهم... لم نسمع عن مطالبة واحدة للتحقيق مع مسئول كبير نتيجة إخفاق في أي شيء... وهذا عيب شعوبنا، وهو كذلك عيب مسئولينا.

الصهاينة طالبوا باستقالة كل المسئولين عن هذه الحرب وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان... قد يستقيل البعض وقد يبقى الجميع، لكن هذه المطالبة بحد ذاتها انتصار للعدالة التي لا تفرق بين صغير وكبير.

وفي هذا السياق، وبعيداً عن أجواء الحرب، فقد قرر وزير العدل تقديم استقالته مع أنه مقرب من رئيس الوزراء بسبب قبلة لإحدى موظفاته، وسيخضع لتحقيق نتيجة هذا العمل السيء.

قلت في نفسي: لو أن واحداً مثله قبّل كل موظفاته - أو زاد قليلاً - هل كان بإمكان أحد أن يقول له أية كلمة تجرح مشاعره؟!

العدالة من أقوى وسائل الانتصار، فهل بإمكاننا الاستفادة من تجارب عدونا لنكون خيراً منه؟

معركتنا مع الصهاينة لم تنتهِ بعد، هم يقولون ذلك، ونحن نعرف هذه الحقيقة، وفي هذه المعركة لابد من اتخاذ كل الأسباب التي تقود إلى النصر، وأمام أمتنا - حكاماً وشعوباً - درساً لايزال ماثلاً للعيان... فهل نستطيع الاستفادة منه لنحقق نصراً يقودنا إلى الحياة؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً