العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ

شبكات تهريب تمتد من المثلث اللاتيني إلى فلوريدا

فيلم «ميامي فايس»... وعالم المافيات

نبيل عبدالكريم comments [at] alwasatnews.com

.

فيلم «ميامي فايس» الذي يعرض حالياً في سينما السيف يعتبر من الأشرطة السينمائية العادية التي تنتج سنوياً لتلبية حاجات السوق. فالمخرج حاول تقديم لوحة عامة عن عمل شبكات التهريب وخصوصاً تلك التي تتخذ من ميامي عاصمة لها.

شكلت ميامي منذ خمسينات القرن الماضي إلى التسعينات قاعدة لمافيا المخدرات التي نظمت بنية متكاملة من المعدات والأجهزة ووسائل النقل والاتصال. ونجحت تلك المافيات في تأمين غطاء سياسي من رجال الأعمال والدولة، كذلك اخترقت أجهزة الشرطة والمباحث وتعاونت معها في تسهيل أمورها من خلال المنافذ والجمارك.

«ميامي فايس» يشير إلى هذه النقاط بحياء ولا يدخل إلى عمق المشكلة التي يبدو أنه أراد تجنبها حتى لا ينتقل الفيلم من حقل التسلية إلى موضوع جدي يتهم جهات رسمية وفاعلة في شرعنة التهريب وتأمين قنوات قانونية له ليستقر في المدينة ثم ولاية فلوريدا ويستثمر لاحقاً في مشروعات خدماتية أغرت الكثير من الأغنياء لتوظيف أموالهم في الولاية التي قفزت وتطورت بسرعة جنونية.

تجنب مخرج الفيلم كل هذه النقاط الحساسة وركز على جوانب قصة درامية عادية تتحدث عن علاقة حب وإعجاب تحصل بين رجل شرطة كلف بمهمة اختراق شبكات المافيا وامرأة تعمل في قطاع التهريب.

القصة عادية إلى درجة الملل خصوصاً حين استطرد المخرج في تطويل لقطات كان يمكن الاستغناء عنها نظراً إلى كونها لا تؤخر ولا تقدم في الموضوع.

مادة الموضوع بسيطة وغير غنية بالمعلومات على رغم أن حكاية ميامي تتضمن الكثير من القصص المسكوت عنها وبات من الضروري كشفها لمعرفة خفايا المافيات وعصابات التهريب وعمليات تنظيف الأموال (المخدرات) وصلة الشبكات برجال الكونغرس والولاية.

المخرج كما يبدو تهرب من الموضوع لينقل المشاهد إلى مناظر فعلاً خلابة تقع في مثلث التهريب على الحدود البرازيلية الكولومبية البوليفية. فهذا المثلث الذي يقال الكثير عنه يعتبر في أيامنا أهم معبر للتهريب الدولي وفيه تقيم أبرز وجوه عصابات المخدرات التي تتنقل بين المزارع وتنقل المواد عبر الحدود المفتوحة بين دول أميركا اللاتينية.

المثلث المذكور يضم فنادق وشركات ومصارف وأندية ومطارات سرية وأنفاقاً وطرق اتصالات ومواصلات تربط شبكات من المافيات والعصابات تمتد على عشرات المدن والمناطق وصولاً إلى كوبا (هافانا). فالتهريب كما يبدو لا جنسية له ولا لون ولا يميز بين الأحزاب والأنظمة والأجهزة. فهو وسيلة ارتزاق غير شرعية وضد القانون والعدالة ولكنها تدر ملايين الدولارات وتوفر أنماطاً من الرفاهية والحياة المريحة. ولهذا السبب شكل هذا النوع المخالف للأعراف والتقاليد والديانات نقطة ضعف للكثير من الناس الذين يبحثون عن نمط سريع للثراء من دون اكتراث للمخاطر الأمنية.

هذا الجانب، جانب المخاطر الأمنية، شكل زاوية مهمة في دراما «ميامي فايس». فالمخرج ركز على هذا الجانب من خلال كشف تداعيات قصة الحب الخفية بين الشرطي السري الذي اخترق المافيا بذريعة أنه يملك وسائل متقدمة لنقل البضائع من المثلث اللاتيني إلى الولايات المتحدة وبين تلك الحسناء التي دخلت عالم عصابات التهريب لتكسب المال السريع وحياة الرفاهية والثراء الفاحش.

وتحت هذه المظلة، مظلة الحب الخفي، تتم الصفقة وتبدأ عملية النقل تحت سقف الشكوك والرقابة من الجهتين: الشرطة والعصابة.

القصة ليست مهمة ولكنها على رغم خفتها تعطي فكرة سريعة عن طرق الإمداد ومعابر النقل وأساليب عقد الصفقات وتسليم البضاعة وتصريفها وتوزيع الأموال وصولاً إلى توظيفها أو استثمارها أو إنفاقها.

وهذا ما حصل بين الشرطي السري والسيدة الحسناء التي أوصلته إلى زعيم المافيا من دون أن تدري مهمته أو مهنته الأصلية. وحين يكتشف أمر الاختراق بعد فوات الأوان تحصل المواجهة وتقع الاشتباكات وتنتهي أخيراً بانتصار الشرطة وافتضاح أمر شبكة مهمة من عشرات العصابات التي تمتهن هذا العمل المخالف للقانون والنظام.

القصة إذاً لا جديد فيها سوى مغامرات بوليسية إضافية تم تصويرها في مناطق تمتد من ميامي إلى ذاك المثلث اللاتيني الذي ازداد الحديث عنه في السنوات العشر الماضية.

«ميامي فايس» فيلم عادي جداً ولكنه يعطي المشاهد لقطات سريعة عن ذاك التداخل بين زعماء المافيات وشبكات التهريب وعصابات الإجرام والقتل وبين عالم السياسة والشرطة وطرق الإمدادات والمواصلات التي تشكل غطاءً لاخطبوط من علاقات معقدة يختلط فيها الخير بالشر إلى درجة التماهي بحيث لا يستطيع الإنسان التمييز في النهاية بين الصواب والخطأ

العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً