تسود قاموس الفكر العربي مجموعة من المصطلحات التي هي بحاجة إلى المراجعة وإعادة النظر، من بينها تلك التي تستخدم لتوصيف دول مجلس التعاون الخليجي وتمييزها عن بقية الدول العربية الأخرى مثل: «دول الوفرة النفطية، الدول العربية الغنية، المجتمعات الاستهلاكية». وغالباً ما توظف تلك التوصيفات لإلقاء اللوم على الدول الخليجية «لتقاعصها» عن مساعدة الدول العربية الأخرى أو الاستثمار في أسواق هذه الأخيرة.
وغالباً ما تضطر هذه الدول خضوعاً لإعلام موجه من الدول العربية التي تدعي الفقر، فتبادر إلى استثمارات ليست بالضرورة هي الأفضل بالنسبة لها. لكن لغة الأرقام من دون الحاجة إلى الدخول في مهاترات التقييم تشهد بأن لدى الدول الخليجية استثمارات ضخمة تستحق التوقف عندها. ولو أخذنا دولة مثل تونس كنموذج للقياس، فسنجد صورة الاستثمارات الخليجية تبز حتى تلك التي تعود ملكيتها لدول الاتحاد الأوروبي، إذ تتدفق الاستثمارات الخليجية على تونس في قطاعات ذات جدوى اقتصادية ملموسة وقصيرة المدى مثل الخدمات والسياحة والمصارف. ويولى المستثمرون الخليجيون اهتماماً لا سابق له لتونس وهى الشريك التقليدي للاتحاد الاوروبي، فتضاعفت استثماراتهم في السنوات الأخيرة في هذه القطاعات بتونس.
وجاء في تقرير نشرته الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمارات حديثاً أن حجم رؤوس الأموال الخليجية التي تدفقت على تونس تجاوز 200 مليون دينار تونسي (الدولار الأميركي يساوي 1,3 دينار تونسي) في العام 2005 مقابل 97 مليون دينار في العام 2001، بزيادة نسبتها 53 في المائة.
وتشير الوكالة أن المشاركة الخليجية فاقت الخلفي الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الخدمات وبشكل كبير في العام الماضي مشاركة الاتحاد الأوروبي وبلغت 144 مليون دينار مقابل 87,5 مليون دينار للاستثمارات الأوروبية.
الأمر الذي دفع المديرة العامة للوكالة التونسية للنهوض بالاستثمارات منجية الخميري إلى القول إن «دول الخليج تملك الكثير من رؤوس الأموال التي تريد استثمارها وقد بدأت المجموعات الكبرى تهتم بتونس للاستثمار في قطاعات واعدة مثل الاتصالات والخدمات المالية والسياحة». ويستقطب قطاع الخدمات في تونس باستثمارات بقيمة 144 مليون دينار معظم الاستثمارات الخليجية التي تبلغ حصتها نحو 70 في المئة. وأشارت الخميري بشكل خاص إلى مشاركة المستثمرين الخليجيين المهمة هذه السنة في عملية تخصيص شركة الاتصالات الوطنية «تونس للاتصالات».
وكانت شركة «تيكوم ديغ» التابعة لشركة دبي القابضة قد فازت باكبر عملية تخصيص في تونس بعرض بلغ 3,05 مليارات دينار هو أكبر بكثير من عرض منافسها في الجولة الأخيرة شركة «فيفاندي يونيفرسال» الفرنسية.
كما أعلنت شركة «ام بي آي انترناشيونال هولدينغ» الكويتية حوادث صندوق للاستثمارات السياحية برأس مال بلغت قيمته 65 مليون دينار لتجديد وحدات فندقية بهدف إعادة تشغيلها. وفي العام 2005، بلغ عدد الشركات ذات الرساميل السعودية العاملة في قطاع السياحة 18 شركة.
وفي القطاع المالي سجل ارتفاع في عدد مصارف الاستثمار الخليجية، وقد افتتح عدد منها فروعاً جديدة مثل: البنك التونسي السعودي للتمويل والبنك التونسي القطري.
وتبدأ شركة «طيران الإمارات» في أكتوبر المقبل تسيير خمس رحلات أسبوعية منتظمة تربط دبي بتونس مروراً بالعاصمة الليبية. ويهدف هذا الربط إلى تلبية تزايد المبادلات الاقتصادية والتجارية بين تونس والإمارات بعد توقيع اتفاق تعاون في مطلع هذا العام.
هذا فيض من غيض، وليست تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تنعم بالاستثمارات الخليجية، فهناك دول أخرى مثل من اليمن ولبنان وسورية. فمتى يأتي الوقت الذي نخضع نحن الخليجيين لابتزاز إعلامي يرغمنا على الدخول فيما لا نرغب فيه استثماريا كان أم سياسياً. ونقف بالتالي القبول بمسلّمات بحاجة إلى وقفة جادة ومنافسة جريئة؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ