العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ

لندع صوت الاعتدال يتكلم

الحسن بن طلال comments [at] alwasatnews.com

كم من العدوان في منطقتنا جرى تبريره من منطلق منطق أن المصالح الغربية مهددة؟

صرخات القتال تدعي أن هذه جميعها تواجه خطر الاندثار وأن كل ضربة هي دفاع عن الحرية والاستقرار. ولكن المبدأ وراء هذا التفكير أصبح واضحاً وضوح الشمس. العرب والمسلمون من أي شعب أو لون كانوا لا يمكن الوثوق بهم. يجب عدم التعامل معهم بنزاهة، «والقيم الليبرالية» التي تحمي استقامة «إسرائيل» أو الولايات المتحدة ليست للدفاع عنا أو حمايتنا.

يبدو أنه حتى المعتدلين في المجتمعات العربية يفتقرون إلى النسيج الذي يعطيهم المساواة وفق القانون الدولي. جميعنا واحد، برابرة نقف على البوابة، يتوجب ترويعهم وفرض الاستسلام الصامت عليهم.

ولكننا يجب أن نكون شاكرين لأن الاعتدال العربي يستمر في الصراع بتأن. الاعتدال سيستمر في المصارعة من أجل قلوب الملايين الذين تشكل هذه الحرب على الإرهاب إهانة لواقعهم الوجودي.

المفكر الإسرائيلي البارز بواز غانور خاطب قضية الإرهاب وطالب بألا يكون هناك «منع من دون تعريف». يجب تعريف الإرهاب بحياد، اعتماداً على القوانين الدولية والمبادئ المعترف بها بخصوص التصرف المسموح به في الحروب التقليدية بين الدول.

جذور ذلك الغضب العربي وخيبة الأمل التي تسمح بأن تسلم الشرعية على أيدي المتطرفين لا يمكن تجاهلها. الإرهاب تكتيك ولد من رحم فساد وضلال خطوط التمثيل.

إذا لم نسمح للكثيرين أن يتكلموا، فإن القلة العنفية ستصرخ حتى يمكن سماعها. قد يكون من الصعوبة بمكان أن يعترف غالبية الإسرائيليين، بأن الشيعة في لبنان لم يصبحوا مسيسين وعسكريين إلا نتيجة لسلسلة من الأعمال العدوانية الإسرائيلية المتكررة.

يتوجب على الاسرائيليين وغيرهم من الدول في الشرق الأوسط أن يكونوا صادقين بشأن نتائج عقود من الإساءة للشعوب وللقوانين الدولية، ما لم تكن تؤمن أننا معشر العرب نحتضن جنباً فريداً هو الإرهاب، عمل على إشعال ردود فعلنا في العقود الأخيرة. إذا كان هذا هو الوضع، فألقِ المزيد من الحطب على النار المشتعلة في منطقتنا ودع المنطقة بأسرها تشتعل إلى أن تقتل أو تنفي آخر عربي في جوارك.

مؤسسو «إسرائيل»، وبالتأكيد الولايات المتحدة، حاربوا ما اعتبروه احتلالاً. «إسرائيل» احتفلت حديثاً بتفجير فندق الملك داوود العام 1946 على أنه عمل يشكل معلماً في انتهاء الانتداب البريطاني. ولكن طبعاً لا يمكن تعريف هذا العمل بالإرهاب. تصريح صدر عن مجلس العموم البريطاني يومها وصف الهجوم، الذي قتل فيه 92 شخصاً بأنه «إحدى الجرائم الأكثر بشاعة وخسة وجبناً في التاريخ المعاصر».

قدر اللبنانيين أن يعيدوا هذه الجملة لوصف الهجمات على بلدهم. ولكن في عالمنا هذا، الاستقامة والصلاح هي ملك المنتصر. إذا كان هذا هو سبيل النظام العالمي الجديد وإذا لم يعد للقانون الدولي مكان، إذاً يتوجب بالتأكيد على جميع المتطرفين أن يحاربوا ويتقاتلوا حتى الموت. ولكن السؤال هو: ما الذي يمكن أن نكسبه بشكل مفيد من هذا السيناريو؟

شروط الألم والمعاناة والإفلاس المعنوي، جميعها غنائم محاربي العالم الجديد.

النتائج الصدمية للعقاب الجماعي للسكان المدنيين ستشعر بها الأجيال المقبلة. الجيش الإسرائيلي جعل من الإرهاب واقعاً يومياً للسكان المدنيين في فلسطين ولبنان، الذين عاشوا ويستمرون في العيش عبر احتلال غير قانوني. بالنسبة إلى الطرف الآخر لهذه الحرب على الإرهاب فإن العنف في غالبية الأحيان هو شيء نقرأ عنه. تهديد الإرهاب أصبح ولعا عند الإعلام والسياسيين، ويوفر مبرراً هشاً للسياسات التي تجعل من الإرهاب واقعاً يومياً في حياة ملايين البشر في الشرق الأوسط.

لا يستطيع أحد أن ينكر الألم والمعاناة التي تعرض لها الشعب الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية، ولكن سياسات ردود الثأر غير المتكافئة والإساءة للقوانين الإنسانية لا يمكن إلا أن تولد المزيد من العنف.

الأردن دولة خاضت حربين عالميتين إلى جانب الحلفاء. لقد عانينا من موجات الصدمة الناتجة عن العدوان على جميع الجوانب، وصمدنا عبر التهديدات والإرهاب حتى هجمات الزرقاوي الرهيبة في عمان. لذلك لا تتفضلوا علينا بأن تخلعوا علينا صفة الحلفاء في الحرب على الإرهاب، ثم تتجاهلون كلماتنا عندما نتساءل عن سياساتكم.

السياسات التي تتبعونها في هذه المنطقة هي وليدة رؤية خاطئة. منظورنا الإقليمي يجري تجاهله، وفي هذه الأثناء يكتسب المتطرفون، بعد تمكينهم، سيطرة أوسع وأعظم.

يجب ألا ننخدع بالتفكير بأن الشرق الأوسط الجديد يمكن وضعه من خلال استراتيجيات سياسية وفرضه من الأعلى نحو الأسفل. الترويج لفكرة الديمقراطية التشاركية تم اختصاره بسبب الخوف من تمكين العرب المعتدلين والإسلاميين المعتدلين. الأنظمة داخل المنطقة والقوى خارجها تحاول خنق احتجاجات الشعوب الفزعة، وهي احتجاجات يجب عرضها من خلال اللافتات والبيارق وصناديق الاقتراع. ولكن صوت المعتدلين بدأ الآن يعلو كذلك.

نمو الحريات وتطورها لا يمكن السيطرة عليها من الأعلى، ولا تفجيرها لتصبح أشكالاً خارجية غريبة تمثل بشكل ضعيف احتياجات الذين يرنون إلى الحرية. مع التزايد المتناهي لاستقطاب احتياجات الذين يرنون إلى الحرية، ومع التزايد المتنامي لاستقطاب الحقد علينا أن نسعد لأن السخط والغضب لم يخنقا احتجاجات المعتدلين.

شقيق الملك الراحل الحسين ملك الأردن ورئيس منبر الفكر العربي والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "الحسن بن طلال"

العدد 1447 - الثلثاء 22 أغسطس 2006م الموافق 27 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً