العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ

سورية أهم من أن تترك

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

في الأسبوع الماضي وبعد خطاب الرئيس بشار الأسد سال كثير من الحبر العربي والأجنبي تعليقا على ذلك الخطاب، كثير منه ناقد، وقليل منه مؤيد. المهم ألا يؤخذ هذا الخطاب بأكثر من توقيته وظروفه على رغم كل المفردات الصعبة التي وظفت فيه لان سورية بالنسبة إلى العرب بلد محوري ومهم.

الخطاب له أسبابه، فسورية هي الوحيدة من البلاد المحيطة بـ «إسرائيل» لم توفق وضعها مع السلام حتى الآن، على رغم طول معاناة، وخسارة أرض كبيرة وعزيزة مازالت محتلة، وهي الجولان. وقد وجدت سورية أن بلادا مثل مصر ومن ثم الأردن قد وصلت إلى حلول مرضية مع «إسرائيل» في الظروف والمعطيات التي مرت بكلا الدولتين العربيتين. من جهة أخرى حرب لبنان الأخيرة أيضا وضعت لبنان على سكة قد تقود في نهاية الأمر إلى أن تأخذ هذه الدولة العربية كل حقوقها المشروعة.

لهذا وجدت سورية نفسها قد تركت خارج مدار المفاوضات والاتفاقات، وهي بالضرورة خارج احتمال مقاومة مسلحة، كما تضاءل الاهتمام الدولي بقضيتها. وليس المقام هنا تحديد من اخطأ ومن أصاب في المواقف السياسية على المستوى الآني، إلا أن الفكرة الأساسية هي عدم ترك سورية تذهب بعيدا عن المسار العربي، وربما كان من العقل الراجح تصريح الأمير سعود الفيصل في نهاية الأسبوع الماضي حين قال: «آمل أن يرى السوريون ميزة المحافظة على وحدة الموقف العربي». وهو قول حاذق وحصيف لم ينجر وراء العواطف، على رغم ما جاء في خطاب الرئيس بشار الأسد من غمز ولمز، وما جاء فيه من تصعيد كلامي. تصريح الأمير سعود قد يكون هو هاجس دول الخليج وربما هاجس الكثير من العواصم العربية التي أصابها وابل من الغضب السوري.

سورية تحتاج إلى عون لا إلى الكثير من النقد، فهي مثلا لا تستطيع أن تفعل ما فعله حزب الله في لبنان، والتوصيف الأكثر قربا إلى الواقع، بصرف النظر عن التفاصيل، أن حزب الله لم ينتصر بالمعنى العسكري والسياسي في المعركة التي استمرت أكثر من شهر، لكنه وهذا من حقه، أبدى ممانعة مشهودة لمنع تحقيق انتصار إسرائيلي. و«إسرائيل» لم تهزم ولكنها لم تحقق انتصار عودت عليه شعبها في الستين سنة الأخيرة، فقد كانت تدخل حروبا خاطفة مع العرب وعلى أرضهم وتكتسح، إلا الحرب الأخيرة فقد واجهت ممانعة لم تعرفها من قبل. وقد سمحت تركيبة لبنان السياسية المكونة من نسيج متعدد وديمقراطي، بأن يحارب جزء منها حربا هي اقرب لحرب العصابات على طريقة اضرب واهرب. ولدت تلك الأعمال غضب دول كثيرة غربية، ولكن الجزء اللبناني الثاني ولد في الوقت نفسه الكثير من التعاطف إلى درجة تدخل تلك الدول الكثيرة لإنقاذ لبنان من التدمير الشامل. هذه المعادلة هي التي حققت للبنان، كل لبنان، ممانعة لم تعرفها «إسرائيل» في حروبها السابقة. وهي معادلة غير متوافرة لسورية. فلو دخلت سورية في حرب مفتوحة مع «إسرائيل» لدمرت حواضر الشام من دون أن يرف جفن في الموقع المخالف من المعادلة الدولية، ولو حتى لمعالجة آثار الحرب نفسها، عدا الركض لوقف إطلاق النار، أو تفهم مطالب مشروعة لسورية، كما تفهمت القوى الدولية مطالب لبنان من أجل (النصف) غير المحارب!

في الوقت الذي ترى فيه سورية أن هناك توسطا بين العرب الذين تربطهم علاقات مع «إسرائيل» والفلسطينيين (في حال الجندي الإسرائيلي المختطف في غزة، على سبيل المثال) لا تجد من يذكر «إسرائيل» بأنها تحتل جزءاً غير يسير من الأرض السورية القريبة أيضا من العاصمة دمشق!

من هذا المنظور يجب النظر إلى خطاب الأسد، فلا العرب الذين سالموا استطاعوا تحريك العلاقة بينهم وبين «إسرائيل» لصالح فهم أفضل للجيران وأكثر عمقا لحاجة سورية إلى سلام، ولا سورية التي ترى أن علاقات متنامية بين عرب بعيدين وقريبين مع «إسرائيل» تتوالى، من دون الأخذ بنظرية الممانعة السورية، وهي في الأساس ممانعة سياسية، أخذت تفقد زخمها بترك الأشقاء للمسار واحدا بعد آخر.

فالإحباط المتعدد الذي ترك في حلق سورية مرارة من الواقع، مع غياب التعادلية الدولية في لحظة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة، فان سورية تجد لها مكانا واحدا للتنفيس، وهو استخدام التعددية اللبنانية، إن سمحت الظروف، لمحاولة الإخلال بالمعادلة التي تفرض عليها، وهو أمر يسبب اضطرابا ليس للوضع اللبناني، وإنما أيضا لأطراف أخرى، لا ترغب في أن ترى الساحة اللبنانية مثل العراقية النازفة.

ومن جانب آخر، ترى أن تحالف المتضررين (سورية وإيران) هو أفضل المتاح حاليا على الأقل. لهذا تحدث الرئيس الأسد بكلمات وتعبيرات قاسية عن (أشباه الرجال، والسلام الرخيص... إلى آخر التعابير التي أثارت الكثيرين).

من جانب آخر، فإن حرمان «إسرائيل» من تحقيق نصر (معتاد) في حروبها بسهولة ويسر على العرب، جعلها تعي المتغيرات القادمة، وأن الزمن ليس بالضرورة لصالحها على طول الخط، وهنا تأثير استراتيجية حزب الله في الحرب التي انتهت بنقاش واسع وكبير في «إسرائيل» عن (حدود القوة العسكرية) ومن يقرأ الصحف الإسرائيلية يعرف أن هذا النقاش جدي وقد يؤدي إلى تغيرات في العقيدة القتالية الإسرائيلية باتجاه إعادة النظر في (حدود القوة العسكرية) إلى درجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريتس، وبصفته زعيماً لثاني الأحزاب الحاكمة، قد طرح علنا ضرورة نقاش السلام مع سورية.

قد لا يطول نقاش «إسرائيل» في من انهزم ومن انتصر، كما قد تستنفد الاستراتيجية التي استخدمها حزب الله؛ لأنها قابلة للاستخدام مرة واحدة، إذا لم يجد العرب أن القائم من المعطيات هو فرصة يجب أن يستفاد منها، وهنا عودة إلى تعليق سعود الفيصل، وفي صلبه (المحافظة على وحدة الموقف العربي) فان الفرصة التي سنحت يمكن أن تضيع، وليس أفضل من طرق الحديد وهو ساخن، وهو أمر يحتاج من كل الأطراف العربية إلى عقل وليس إلى عضلات لسانية.

السلام العربي المطروح يجب أن يُفَعَّل الآن، بمعنى سبر غور المجتمع الدولي بإدماج مطالب سورية المحقة في السكة السريعة للتسوية السلمية. هذا الأمر لا يحتاج فقط إلى همة عربية متعددة القدرات، ولكن أيضا إلى تفهم سوري، يستخدم تكتيكات مختلفة عما هي عليه الآن. إذ إن اعتبار كل العالم معادياً لسورية، وأن لا أمل في سلام قريب، بل ترك الأمر إلى الأجيال القادمة، كل هذا قد يفسر انه يقع في إطار الممانعة الشمشونية التي لا يحب احد أن يرى سورية فيها، يكفي ما نشاهد في العراق!

الغضب السوري والعتب العربي ليس وقته والتلاسن يضيع الفرص، الوقت هو وقت محاولة الاستفادة القصوى من الموقف الدولي والإقليمي الذي خلق بسبب الحرب، ووضع الإفاقة الإسرائيلية في موضع الاختبار، لنتقدم بمخرج يضمد جروح سورية ويضعها على سكة التنمية التي تحتاج إليها.

أما الأمر المعاكس الذي يمكن أن يحدث، فهو الدخول في (مزايدات) كلامية، تقول من جهة بتخوين شرفاء وتقود من جهة أخرى إلى مزايدة بشأن (تحرير الجولان) وجميع المزايدات التي قد تكون شعبية في تاريخنا المعاصر، قد أدت إلى كوارث وقصور في الرؤية.

من هذا المنظور التحليلي فان سورية أهم بكثير من أن تترك غاضبة، أو تترك تتصرف من زاوية الممانعة، فالوقت هو تضميد الجروح لا رش الملح عليها

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً