العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ

حوار ساخن على أصداء القصف الإسرائيلي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقد في عاصمة اوروبية مؤتمر الأمن الاقليمي للشرق الأوسط في ظل الحرب العدوانية الإسرائيلية ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني. هذا المؤتمر الدولي يضم اكاديميين وخبراء وباحثين ومسئولين سابقين من العرب والإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين والإيرانيين، مدعوين بصفتهم الشخصية ويمنع عليها التصريح بمكان المؤتمر واسماء المدعويين واقتطاف اقوالهم، والاقتصار على ذكر افكار الصراع العربي الإسرائيلي كان محور اعمال المؤتمر إلى جانب قضايا أخرى مثل أمن الخليج وعملية الإصلاح والديمقراطية وغيرها.

ذلك ليس غريبا فقد انعقد المؤتمر على اصداء القنابل والصواريخ الإسرائيلية وهي تدك لبنان من شماله إلى جنوبه وتدك غزه من بيت لاهيا إلى رفح، والدبابات الإسرائيلية وهي تحرث أراضي الجنوب اللبناني وغزة والضفة الغربية.

حاول المنظمون كالعادة تجزئة قضية الصراع العربي الإسرائيلي إلى الحرب في لبنان، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وأمن الشرق الأوسط ولكن فرض الصراع العربي الإسرائيلي ذاته.

مدرستان في السياسة الأميركية

بعدما يتقاعد جنرالات الجيش الأميركي، فإن عدداً منهم يذهب إلى مراكز الدراسات، وهذه لها تأثير كبير في صنع القرار الأميركي. لقد نجحت «إسرائيل» واللوبي الصهيوني في السيطرة على أهم مراكز البحوث والدراسات المهتمة بالشرق الأوسط، وترى الخبراء الإسرائيليين ينتقلون ما بين مراكز الدراسات الأميركية والإسرائيلية في تكامل واضح للادوار.

في هذا المؤتمر تحدث جنرالان سابقان احدهما يهودي صهيوني والاخر اميركي بروتستانتي، الأول تحدث عن السياسة الأميركية في الشرق الاوسط والثاني تحدث عن السياسة الأميركية في مكافحة الإرهاب. ومن خلال عرضهما يتبين لنا عمق التأثير الإسرائيلي وامتداده اللوبي - الصهيوني اليهودي في الولايات المتحدة على صنع السياسة الأميركية ليس الخارجية فقط بل الداخلية. كما ان الكثير من القيادات المسئولة عن تنفيذ هذه السياسة هي اما عناصر صهيونية موالية لـ «إسرائيل» او عناصر اليمين الجديد المتعصب لـ «إسرائيل».

في هذا الصدد كلا الجنرالين انتقدا جوانب من السياسة الأميركية في العراق وفي افغانستان، وفي مكافحة الإرهاب ولكن عندما يصل الامر إلى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط فانه يجري تبرير الانحياز الإميركي المطلق إلى جانب «إسرائيل» بكل وقاحة ويجري نعت حزب الله ومنظمة التحرير و«حماس» بانهم منظمات ارهابية .

وبالنسبة إلى إيران هناك استعداد للاعتراف بدور اقليمي لإيران والتعاطي بايجابية مع طموحاتها النووية لاغراض سلمية ولكن ليس في مواجهة «إسرائيل» ومناصرة سورية أو حزب الله.

جانب آخر كشف عنه عرض الجنرالين، وتدخلات الخبراء الإسرائيليين والصهانية الأميركان وهو ان الديمقراطية والإصلاح لم تعودا على جدول أعمال إدارة بوش، وينطلق هؤلاء من منطق ظاهرة عدم فرض الديمقراطية على هذه الشعوب وباطنه أن هذه الشعوب غير مؤهلة للديمقراطية.

أما الجانب الثالث الذي كشفت عنه اطروحاتهم فهو نظرتهم إلى المنطقة العربية بانها منطقة اعراق وديانات ومذاهب وان العرب لا يشكلون امة، بل ان كل شعب في اقطارها لا يشكل شعبا بل مجموعات عرقية ومذهبية ودينية تتجاور إلى جانب بعضها بعضاً. ولذلك فإن نمط الحكم المناسب هو الحكم الفيدرالي كما هي الحال في العراق، والديمقراطية ان وجدت توافقية فيما بين الطوائف والقبائل والاعراق، كما في لبنان.

واذا كان الحديث اللبناني قد فرض نفسه وغطى حتى على ما يجري في فلسطين المحتلة وهي أصل المشكلة، فقد كانت رؤية هذا الفريق، هو انه يتوجب نزع سلاح حزب الله، إذ إن لبنان ضعيف غير قادر للدفاع عن نفسه، اما من يستطيع ان يقوم بهذه المهمة فهو حلف الناتو لانه الوحيد القادر على نشر قوات رادعه وبسرعة، وجرى تذكيرنا بالمهمة الناجحة للناتو في جمهورية البوسنة والهرسك واقليم كوسفو، إذ جرى التركيز على ان قوات الناتو هي التي انقذت المسلمين من بطش العرب المسيحيين، إذاً لا تقلقوا ايها العرب لدور الناتو المقبل.

الصراع اللبناني الإسرائيلي

تركز الاهتمام على مجموعة العمل بشأن الحرب الإسرائيلية على لبنان. لقد حالت ظروف الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان والحصار الإسرائيلي المطبق على لبنان دون وصول عدد من الباحثين والاختصاصين اللبنانيين، بل انه جرى انتقاء عدد من اللبنانيين المتأمركين أو المتصهينين من الخارج، للدفاع عن الموقف الإسرائيلي الأميركي في مشهد كريه للغاية.

من داخل هذه المجموعة او المجموعات الاخرى المهتمة بأمن الخليج، أو إيران أو العراق أو الديمقراطية، فقد كان اللحن الذي تعزفه اوركسترا الخبراء الإسرائيليين والأميركيين بغالبيتهم والصهاينة والمتأمركين والمتصهنيين من العرب والعجم واحداً، وهو محور الشر الذي يجمع ايران المتعصبة دينيا بقيادة الملالي وسوريا راعية الارهاب المستبده، وحزب الله و«حماس» المنظمتين الإرهابيتين. كل واحد من هؤلاء يعزف اللحن بتوزيع مختلف، ويتناوله من زاوية مختلفه ولكن ليصل إلى الهدف ذاته، وهو ابعاد المسئولية فيما يجرى عن «إسرائيل» اولا أو الولايات المتحدة ثانياً. الولايات المتحدة قد تخطئ في التكتيك لكن «إسرائيل» دائما على حق، انها مهددة من قبل محور الشر هذا من الداخل (حماس) ومن الجيران (سورية وحزب الله) ومن البعيد القريب (إيران الاصولية) واحيانا يتم التطرق للتطرف الاصولي السني بقيادة القاعدة التي ويا للعجب متحالفة مع إيران الشيعية.

ليس غريباً تصوير حزب الله كاداة بيد إيران لتدمير «إسرائيل»، والسيطرة على جيرانها العرب، بدءا بالعراق. طبعاً يجري التمويه على كون «إسرائيل» هي التي تحتل الأراضي الفلسطينية منذ 60 عاماً وتحتل اراضي سورية منذ 40 عاما، واحتلت لبنان طوال 24 عاماً، وشردت ملايين الفلسطينيين والسوريين من ديارهم، وشنت ست حروب كبيرة ضد العرب، واقامت دولتها على انقاض دولة فلسطين وشعب فلسطين. عندما طرح احدهم هذه الحقائق على الندوة، رد احد الاميركان الصهاينة «لقد استغرق الصراع العربي الاسباني في الاندلس 150 عاماً حتى جرى طرد العرب من الاندلس».

من خلال هذا الحوار وغيره ندرك عمق الحقد اليهودي الصهيوني ضد العرب كأمة وحضارة واستطراد الحضارة المسيحية المشرقية. وندرك ايضا ان ولاء اليهود الصهاينة هو لـ «إسرائيل» ولو على حساب البلدان التي يعيشون فيها. الولاء لـ «إسرائيل» وليس للولايات المتحدة او فرنسا او بريطانيا أو المغرب.

في مقاربة حل للصراع الإسرائيلي اللبناني والحرب الجارية، يجرى عزل السبب الرئيسي وهو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وبالطبع الاستبعاد الكلي لكونه صراعا عربيا إسرائيليا وخصوصاً أن الكثير من الخبراء العرب ايضاً لا يعتبرونه كذلك.

اما الحلول التي يطرحها انصار «إسرائيل» - أميركا فهي معروفة، تحطيم حزب الله وجعل الجنوب اللبناني منطقة خالية من السلاح ومرابطة قوات اطلسية فيها، وتدعيم اليمين اللبناني وصولا إلى صلح لبناني - إسرائيلي وتوطين الفلسطينيين بدعم من الولايات المتحدة.

جرى تذكير انصار «إسرائيل» تكرارا ان الذي اقام دولة «إسرائيل» على انقاض الكيان الفلسطيني هو عصابات شتيرن والارغون والهاجانا التي ارتكبت مجازر بحق الفلسطينيين وهي التي كانت تقيم بنظر الإسرائيليين حرب تحرير ضد البريطانيين والعرب. وبعدها شكلت جيش الدفاع الإسرائيلي وشكلت قياداتها قيادات الدولة وتنظيماتها الاحزاب الإسرائيلية. هذه هي حكاية جورج واشنطن محرر اميركا من الاستعمار البريطاني ومانديلا من النظام العنصري بجنوب افريقيا. فلماذا يختلف الامر مع حزب الله الذي يناضل لتحرير لبنان وتأمين السيادة اللبنانية التي تنتهكها «إسرائيل» دوما؟

اتضح الان ان المشروع الاميركي لوقف الحرب، وذلك بمرابطة قوات متعددة الجنسيات (إذ يشكل الناتو عمودها الفقري) وبموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة والذي يسوغ استخدام القوة، متفق عليه مسبقا ضمن سيناريو الحرب.

حينما كان المؤتمر منعقدا كان يراود الإسرائيليين والامريكان حلم الانتصار على حزب الله والذي أجرى الترويج لهذه الاطروحة، لكن حقائق الحرب وصمود حزب الله مقابل هزيمة «إسرائيل» جعل الولايات المتحدة و«إسرائيل» تقبلان ما هو دون ذلك، اي قوات معززه للامم المتحدة كما اقترحت فرنسا وبحسب الفصل السادس، اية سيادة لبنان اولا على هذه القوات. بل ان بعض الخبراء الإسرائيليين والاميركان شطح به الخيال فطرحوا سيناريو ما بعد هزيمة حزب الله والذي يقوم على ما يأتي:

1- دعم قوى المعارضة في ايران للاطاحة بالنظام استنادا إلى مجاهدي خلق مع امكان تزامن انتفاضة داخلية بتدخل خارجي اميركي.

2- دعم قوى المعارضة في سورية للاطاحة بالنظام انطلاقاً من لبنان وتزامن ذلك مع تدخل إسرائيلي.

ونسجل هنا ان جميع الباحثين الإيرانيين بمن فيهم المعارضين رفضوا رفضاً باتاً اي تدخل خارجي اميركي، بل ان بعضهم سخر من تخصيص الكونغرس الاميركي أموالاً لدعم المعارضة. كذلك الامر بالنسبة إلى بعض المعارضيين السوريين، إذ إنه باستثناء الغادري لم يمد احد منهم يده إلى اميركا.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في المرحلة الثانية جرى نقاش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وبسبب ظروف الحرب والحصار الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية فقد تغيب الكثير من الخبراء والباحثين الفلسطينيين سواء من عرب 48 او عرب 67.

هنا ايضا جرى عزف معزوفة «حماس» والمنظمات الفلسطينية المتطرفة التي تريد تدمير «إسرائيل» وتريد تدمير الدولة الفلسطينية وديمقراطيتها ويا للعجب لتفرض نظاما استبداديا على غرار إيران. اما كون حكومة حماس، حكومة منتخبة ديمقراطيا وبغالبية كبيرة فيجرى تفكيكها باعتبار ان «حماس» فازت بغالبية مقاعد المجلس النيابي الفلسطيني وليس بغالبية اصوات الناخبين، وان من صوتوا لـ «حماس» كانوا يصوتون في الواقع ضد فساد حكم فتح وبيروقراطيتها. هكذا اذن وكانت حرب «إسرائيل» المفتوحة ضد السلطة الوطنية ا

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً