العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ

ساخنة أم باردة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أنهت إيران مناوراتها العسكرية باطلاق صاروخ أرض - أرض ينتمي إلى منظومة دفاعية جديدة. وفي مناسبة انتهاء المناورات أعلنت طهران أنها استكملت ردها على الحوافز (الإجراءات التشجيعية) التي تقدمت بها أوروبا. والرد كما يبدو ليس إيجابياً بالكامل ولا سلبياً بالكامل. فهو يتضمن مجموعة موافقات وملاحظات فضلاً عن استبعاد مسألة التخصيب من النقاش. فهذه النقطة وهي الأهم تبدو أنها وبحسب ما قيل بشأن الرد غير قابلة للتفاوض.

إذا صحت هذه التكهنات فمعنى ذلك أن الموضوع لايزال عرضة للأخذ والرد. ومن الآن وحتى يكشف النقاب عن تفصيلات الرد الإيراني وكيف ستتعامل معه أوروبا ودول مجلس الأمن يرجح أن يبقى التوتر سيد الموقف في المنطقة العربية - الإسلامية.

فلسطين تبدو في حال يرثى لها على مختلف الأصعدة الأمنية والاجتماعية والسياسية. فحكومة إيهود أولمرت تستبيح جواً وبراً وبحراً كل ما تراه الطائرات أو تشتبه فيه. وهذا ما أدى بعد أكثر من شهرين على العدوان اليومي إلى تأزيم الحال الاجتماعية وزيادة التوتر الداخلي بسبب وصول خزينة الحكومة إلى شفير الإفلاس. يضاف إلى الحرب المستمرة مشكلات كثيرة وعلى رأسها مواصلة جيش الاحتلال عمليات الخطف لمعظم المسئولين في المجلسين النيابي والوزاري من دون اكتراث للأصول والمعاهدات والاتفاقات الدولية في هذا الشأن.

في لبنان تبدو الأمور ليست على أفضل حال بعد أن اكتشفت البلاد هول حجم ذاك الدمار الشامل الذي أحدثه العدوان الأميركي - الصهيوني. فالكارثة على مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية تبدو أنها مقبلة على سلبيات غير منظورة بسبب صعوبة البدء في تشغيل ورش البناء في ظل تهديدات يومية بمواصلة الاعتداءات، مضافاً إليها سلسلة ضغوط لا تنقطع تطالب الحكومة، التي أعلنت النكبة منذ الأسبوع الأول للعدوان، بتطبيق القرار الدولي 1701.

هذه الضغوط وضعت الحكومة اللبنانية أمام خيارات صعبة بين سلبيات انتظار المساعدات التي يبدو أنها ستتأخر نحو شهر من الزمن وبين اللجوء إلى سياسة التسكين ودفع تعويضات نقدية حتى لا ينفجر الشارع ويضطرب الأمن.

وأمام هذه الحال تبدو الحكومة في صدد مراجعة سياستها الانتظارية وبدأت بوضع خطة تعويض مالية لعائلات الشهداء وكل المتضررين من العدوان. فالتعويض النقدي أسرع وأسهل وهو لا يحتاج إلى وقت كما هي حال إعادة البناء والإعمار.

ضغوط دولية

إلا أن هذا الجانب الإنساني والحيوي ليس الوحيد الذي تعاني منه الحكومة اللبنانية. فهناك الكثير من الجوانب التي تتعرض لها بيروت وكلها تتصل بنقاط تعجيزية يصعب معالجتها من دون تفاهمات تتطلب تنازلات صعبة ومؤلمة. وهذا النوع من التفاهمات يعتبر في بلد طائفي متعدد المذاهب والمواهب من الأمور المستحيلة. فالأطياف السياسية/ الأهلية يبدو أنها لم تكتشف حتى الآن ماذا حصل في البلد الصغير، وهي لاتزال على حالها لا تقرأ وغير مستعدة للمراجعة وإعادة تنظيم رؤيتها في سياق يغلب التجانس على التنافر.

هذا النوع من التفكير السلبي المتبادل يشجع على عدم الاستقرار ويدفع العلاقات الأهلية إلى مزيد من التوتر. ولذلك يرجح ألا تتوصل الأطراف إلى تفاهمات جدية في اعتبار أن العدوان ترك الأمور معلقة إلى جولات جديدة أو مباحثات عامة يكون فيها لبنان جزءاً من الصورة الإقليمية التي يتوقع ارتسام ألوانها في الأسابيع المقبلة.

الأمور العالقة في لبنان يرجح أن تبقى معلقة بين الحرب والسلم إلى فترة لا يعرف مداها الزمني. فالمدى الزمني يمكن تقديره نظرياً ولكنه عملياً (ميدانياً) من الصعب ضبطه ضمن مهلة عددية للأيام أو الأسابيع. حتى لو جنحت المنطقة إلى السلم فإن الأمور لن تنفك بسرعة وستحتاج إلى وقت لدراستها وتقليبها والنظر إلى زواياها قبل التوافق على إعادة توزيعها بشكل متوازن وعادل. أما إذا جنحت المنطقة إلى الحرب فإن الأمور ستدخل في منعطف جديد لا يمكن التكهن بنتائجه وتداعياته.

إعلان الحرب يعتبر من القرارات السهلة. المشكلة تبدأ بعد اندلاع القتال وما سيسفر عنه من تعديلات في التوازنات أو كسر للقوى أو ظهور مجموعات غير محسوبة على خط التوقعات. الحرب عادة لها آلياتها الخاصة وهي تبدأ نظرياً في إطار حسابات أكاديمية ولكنها حين تقع يبدأ الواقع بفرض أرقامه التي تعدل الكثير من القوانين والاتجاهات.

الحروب عموماً متشابهة في خطوطها العامة ولكن لكل حرب خصوصية تقوم على معادلات غير منظورة تكسر أحياناً الرؤية المنطقية للأمور وتضيف من عندها جملة ألوان غير معروفة في العلوم العسكرية والدراسات الاستراتيجية. هذا الأمر حصل بنسبة معينة خلال العدوان الأميركي - الصهيوني الذي ابتدأ على لبنان في 12 يوليو/ تموز الماضي. وحتى الآن لم ينجح العدوان في تسجيل نقاط اعتقدت تل أبيب أنها سهلة ولا تحتاج إلى كثير من العناء لتمريرها أو انتزاعها.

لبنان إذاً معلق إلى حين ارتسام معالم الصورة الإقليمية. وبغض النظر عن اتجاهات الرياح الساخنة أو الباردة فإن البلد الصغير لم يعد كما كان، ولم يعد بالإمكان إعادة ترميم تلك الشروخ السياسية التي ظهرت بقوة في أكثر من مكان. فالكلفة كما تشير الأرقام عالية وهي تحتاج إلى وقت لتقديرها ثم ادراجها في حسابات عامة.

إلا أن عامل الوقت ليس بالضرورة يعمل لمصلحة لبنان وخصوصاً أن الضغوط الدولية تشتد عليه في لحظة زمنية لايزال يعاني فيها من أوجاع «المخاض». وحين تشتد الضغوط الدولية والتجاذبات الإقليمية وما يقال عن تقاطعات محورية على بلد لم يستوعب بعد الضربة العسكرية والعمرانية والسكانية فمعنى ذلك أن لبنان بحاجة إلى وقت للشفاء أو الخروج من هول الصدمة وهي كما يبدو ستكون على دفعات وجرعات.

إيران أنهت أمس مناوراتها العسكرية وتستعد اليوم إلى تقديم ردها على «الحوافز». و«إسرائيل» تستعد نفسياً لتلقي ضربات موجعة في حال اضطربت المنطقة من دون أن تسقط استعدادها للتفاوض بعد عناد دام نحو 15 عاماً. والولايات المتحدة تخطط وسط مشادات في إدارتها بين تيار يريد المسالمة والتفاوض وآخر يريد التقويض واستكمال مشروع الدمار الشامل.

كل هذه الأجواء ليست بعيدة عن ساحة لبنان المفتوحة والمكشوفة لرياح لا تعرف حتى الآن درجة سخونتها وبرودتها. إنها حرب في النهاية بغض النظر عن كونها ساخنة أم باردة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً