استولى مشهد العدوان الاسرائيلي على لبنان خلال الشهر الماضي على كل الاهتمام العربي والدولي نظراً لما خلفه من آثار ونتائج، وما جسده الموقف اللبناني من صمود وقوة في مواجهة العدوان، وكان الاساسي في المشهد اللبناني استمرار العمليات العسكرية بأسلحة الجيش الاسرائيلي الثلاثة البرية والبحرية والجوية ضد لبنان قصفاً وتدميراً وقتلاً، لتصير المحصلة استشهاد أكثر من الف لبناني، وجرح أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمئة غيرهم، وتشريد نحو مليون شخص من بيوتهم وقراهم ومدنهم في ضوء القصف المستمر والواسع لكل البنى التحتية من شبكات طرق واتصالات وكهرباء وماء وتجمعات سكنية، وفرض حصار جوي وبحري وبري، وطبقاً لبعض التقديرات، فإن الطائرات الاسرائيلية شنت أكثر من ثمانية آلاف غارة، واطلقت أكثر من مئة الف صاروخ وقذيفة، ودفعت بأكثر من ثلاثين الف جندي عبر الخط الازرق في هجوم بري، عجزت جميعها في كسر إرادة الشعب اللبناني في رفض العدوان ومقاومة املاءاته، وعززت في وقت واحد اللحمة الوطنية اللبنانية بتماسك اللبنانيين في مستوى الدولة والمجتمع، وقوت عزيمة المقاومة في وجه قوات العدوان وفي الرد عليه سواء من خلال المواجهات البرية او في الهجمات الصاروخية على مدن الداخل الاسرائيلي.
ولأن المشهد اللبناني بدا على هذا النحو من الاهمية، فقد كان من الطبيعي، ان يستحوذ على اهتمام العالم، وان تتركز عليه الانظار والاضواء، وهو امر بدا وكأنه مقصود ومتعمد من جانب الاسرائيليين للتغطية على عدوان آخر الذي كانوا يتابعونه ضد الفلسطينيين، لايقل دموية وارهاباً عما يقومون به في لبنان.
وطوال فترة العدوان على لبنان، كانت فلسطين بامتداداتها في الضفة والمناطق المحتلة العام 1948 وغزة مسرحاً لعمليات قتل ودمار وارهاب، حيث الاجتياحات والقتل الى جانب الاعتقالات والملاحقات في الضفة، واعتقالات واعتداءات على فلسطينيي مناطق 1948 بمن فيهم بعض اعضاء الكنيست من العرب، لكن اهم فصول العدوان على الفلسطينيين، كان في قطاع غزة، وقد أشارت وثيقة فلسطينية الى وصول عدد الشهداء في شهر يوليو/ تموز الماضي الى 177 شهيداً مقارنة بـ 55 شهيداً فلسطينياً في الشهر الذي سبقه، واشار التقرير الى انه وبفعل العدوان الاسرائيلي على القطاع، جرى حصار الفلسطينيين وخصوصاً في محافظة رفح، وتهجيرهم بالقوة ومنع آخرين من الحركة داخل منازلهم وقطع التيار الكهربائي والمياه والغذاء عن الأهالي، وأكد تقرير (بتسيلم) وهي منظمة إسرائيلية معنية بحقوق الانسان، أن عدد الشهداء الفلسطينيين في يوليو هو أعلى رقم منذ أبريل/ نيسان 2002. إذ قتل في القطاع 163 وفي الضفة الغربية 15 فلسطينيا. وأشار المركز إلى أن نحو ربع الشهداء كانوا من القاصرين. والفصل الرئيس في العدوان كان قتل الفلسطينيين، وغالبية عمليات القتل أخذت شكل مجازر جماعية، فيما الفصل الثاني كان تدمير البنى التحتية المحدودة والهشة لدى الفلسطينيين، ومنها محطة توليد الطاقة الكهربائية، والجسور والطرق الرئيسية والمؤسسات الخدماتية والمجمعات السكنية، ما خلق أوضاعاً كارثية، جعلت حياة سكان القطاع شديدة الصعوبة في ظل نقص الكهرباء والوقود ومياه الشرب، وتوقف الاعمال، وسط حال حصار مفروضة على القطاع، بعد ان جرى تقطيع مناطقه وعزلها ومنع سفر الفلسطينيين خارج القطاع نتيجة اقفال كل المعابر.
وتجاوزت فصول العدوان القتل والعقوبات الجماعية التي تعتبر بمثابة «جرائم حرب» للمساس بالقيادات الفلسطينية. فتم اعتقال اربعين نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني بمن فيهم رئيس المجلس، واعتقل سبعة من وزراء الحكومة الفلسطينية، لينضموا الى نحو عشرة آلاف معتقل في السجون الاسرائيلية في محاولة اخضاع الفلسطينيين، وتصفية فكرة المقاومة وادواتها عندهم بصورة نهائية، وأشار بيان أصدره أربعة مثقفين غربيين مرموقين ووقعوه مع غيرهم الى «الفصل الأخير» من الجريمة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، مبيناً، ان هدف ما يجري حالياً «لا يقل عن تصفية الشعب الفلسطيني»، وأنه ينبغي كشف هذه الممارسات و«مقاومتها بشكل متواصل ودون أدنى هوادة».
خلاصة الامر ان صورة اخرى للعدوان الاسرائيلي على لبنان، كانت تتكرر في فلسطين فيها الفصول ذاتها ولها الاهداف نفسها، وتحتمل النتائج ذاتها. لكن وسط قدر اقل من الاهتمام الاعلامي والدولي.
كاتب سوري
العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ