العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ

السلم الدائم باقٍ... لكن إلى حرب قادمة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ودخوله القصر الجمهوري بشارع فلسطين في طهران، تلاحقت تصريحاته النارية بشأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية بشكل لافت، كان أبرز تصريحاته في احتفالية «العالم من دون صهيونية» الذي نظمته الهيئات الطلابية الإيرانية خلال الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الماضي. ومنذ أول تصريح له في هذا الاتجاه تباينت المواقف الدولية والإقليمية تجاهه بين من رآى فيه ديماغوجية كلاسيكية ليس لها وعاء سياسي أو عسكري، وآخر نظر إليها على أنها ضرب جريء على أحد أهم تابوات الصهيونية التاريخية وثويولوجيا المسي وفقا لأساطير قديمة نفض عنها الغبار عندما بدأ الإعداد لمؤتمر بال نهايات القرن التاسع عشر. ولقد دفع الخطاب الراديكالي للرئيس أحمدي نجاد باتجاه التصعيد الواضح بين طهران ومنكفيها الإقليميين والدوليين، بل إنه أيضاً قد تسبب في تعكير صفو العلاقات الإيرانية الأوروبية لولا برهان العقود الاقتصادية الضخمة التي تورطت فيها الشركات الكبرى من أوروبا القديمة، ومن جهة أخرى أيضاً فقد دفع ذلك الخطاب لأن تتحرك رمال الحركات الإسلامية والقومية في الوطن العربي متأملة في قيام حرب إيرانية صهيونية تنهي الصراع في الشرق الأوسط وتحسمه إلى غير رجعة، وقد تنامت تلك الرغبة إلى حد التعيير والتجييش للإيرانيين بأن يبادروا نحو عسكرة الظروف والأجواء وعدم الاكتفاء بالتصريحات النارية وهي بلاشك أمنيات مأمولة لكنها غير معقولة لمن يقرأ الحوادث وموازين القوى حتى الإرادات كما يشاء أن يسميها أمين عام حركة الجهاد الإسلامي رمضان شلاح. وفي ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:

العلاقات العربية الإيرانية: على رغم التمدد الذي طرأ على العلاقات الإيرانية العربية منذ مجيء الرئيس هاشمي رفسنجاني ولاحقا السيدمحمد خاتمي فإنها لم ترق إلى مستوى التحالف الذي يمتلك القابلية السياسية والعسكرية لظروف الحرب والسلم والأحلاف، بل إن تلك العلاقات مازالت ترتهن لعدد من الملفات المؤجلة أو الطارئة وغير المحسومة التي بعضها يشهد حرب تنافس وإقصاء ومزاحمة، أهمها الجزر المتنازع عليها في الخليج ومسألة النفوذ في العراق وفي لبنان وطبيعة الحلف السوري الإيراني الذي تنظر إليه الكثير من الدول العربية على أنه يعطل الكثير من المشروعات العربية «المعتدلة» التي يمكنها أن تحيد الأميركيين في مسعاهم نحو تغيير بعض الأنظمة أو تجزؤ الكيانات العربية الكبرى وتخفف من الضغوط المتصاعدة عليها، بل إن التصريحات التي أدلى بها ملك الأردن ولاحقاً وزير الخارجية السعودي والإماراتي في قمة السودان بشأن العراق تبين بشكل واضح مدى حساسية تلك العلاقة، وبالتالي فإن ذلك التوتر المتبادل تحديداً مع بعض دول الطوق كالأردن ومصر يجعل من توقيت الحرب أمراً صعباً بالنسبة إلى الإيرانيين، مع الإدراك أن الكثير من الدول العربية قد التزمت باتفاقات وبتفاهمات مع الكيان الصهيوني منذ زمن، ومن لم يدخل في التزامات قام «سواء من تحت الطاولة أم من فوقها» بمستوى معين من التثميل والتقارب، بل إن الجو الغالب في هذه الدول مجتمعة يسير نحو مشروع السلام كخيار استراتيجي، لذلك فإن القرار الإيراني للحرب لن يكون مرحباً به «عربياً» عند من له علاقات مباشرة مع «إسرائيل»، ودلّت على ذلك حوادث العدوان الصهيوني الأخيرة على لبنان، وكيف أن بعض الدول العربية قد حمّلت حزب الله ومن خلفه إيران وسورية مسئولية تحريك الجبهة الشمالية من البوابة اللبنانية، وبعضهم قال أكثر من ذلك جهاراً باستحالة الحرب مع الكيان الصهيوني.

جيوبوليتيك إيران: بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور الجمهوريات المستقلة الناشئة برزت ظروف أمنية وسياسية جديدة ألقت بظلالها على الأمن القومي الإيراني بل حتى على جغرافية إيران وحدودها، ولأن هذه الدول أخذت تطمح إلى الانسلاخ تماماً من موروثها الاتحادي والبنيوي السابق، ولأنها أيضاً بدأت في الالتفات إلى تشييد بنيتها التحتية وتشكيل نظام سياسي جديد لعلاقاتها واقتصادها فقد اندفعت بقوة نحو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية التي انتصرت في الحرب الباردة، فاحتضنت الكثير من القواعد الحربية على أراضيها، وعقدت الصفقات العسكرية وبدأت في مناورات مشتركة، بل إن واشنطن قامت بإدخال تلك الجمهوريات في منظومتها الأمنية والتعاونية من أجل استيعاب منطقة القوقاز والمنطقة المحاذية، فنشأت علاقات متوترة أو حذرة بين بعضها وإيران وظهر التباين معها بشأن عدة قضايا أهمها مسألة تقاسم ثروات بحر قزوين والأزمة القانونية القائمة الآن. في الجنوب أيضاً فإن جارات إيران السبع يشهدن اضطراباً سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بل إن هناك محاولات أميركية محمومة لتنشيط الوجود في منطقة الخليج واليمن، وازداد هذا النشاط بشكل مخيف بعد احتلال أفغانستان والعراق الذي يوجد على أراضيه أكثر من 140 ألف جندي أميركي وهو ما شكل تهديداً خطيراً للأمن القومي الإيراني على رغم تغلغل طهران في أفغانستان عبر قيادات تحالف الشمال (سابقاً) وفي العراق عبر الأحزاب العراقية الحليفة، مع تثبيت نظرية التورط الأميركي في هذين البلدين، وإذا ما استحضرت كل هذه المعطيات مع معرفة طبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً مع الكيان الصهيوني فإن قيام إيران بشن هجوم عسكري على تل أبيب من دون فعل صهيوني أولي يعني أن كل حدود إيران الممتدة لآلاف الكيلومترات ستكون مستباحة أمام القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية المنتشرة بالقرب منها، ولن تتردد تلك الدول في الدخول لمساعدة الجيش الصهيوني في حربه ضد إيران التي لا تمتلك أصلاً أي حدود مباشرة مع ذلك الكيان وهو ما يحرمها من العمليات البرية، واقتصار ردة الفعل العسكرية الإيرانية على الصواريخ والطيران الحربي الذي لن يؤدي إلى انتصار سريع ومؤكد من دون اجتياح بري، بل إن جميع أنظمة القانون الدولي العام التي تدار بها أخلاقيات الحرب لن تكون لها أية أهمية ولا شرعية في ظل وجود فرصة سانحة للقضاء على الحكم الإسلامي في طهران.

الاقتصاد الإيراني: صحيح أن الاقتصاد الإيراني بدأ في التعافي والبناء العمودي لأساسياته وخصوصاً في الصناعات النفطية التي تعرضت لأضرار فادحة في مصافي عبادان ومحافظة خوزستان، وصحيح أن الإنتاج البتروكيماوي قد ارتفع وحدثت مرونة هيكلية مهمة في الاقتصاد، وصحيح أيضاً أن إيران تقع ضمن الحزام النفطي والمنجمي لمعادن النحاس والكروميت والرصاص والزنك باحتياطي يبلغ 23 مليار طن، وتعاظمت السدود الخرسانية والترابية، إلا أن كل ذلك لا يعني أن الاقتصاد الإيراني هو اقتصاد «حرب» بل هو لايزال يسير نحو إيجاد مسارات اقتصادية جديدة لما بعد الحرب التدميرية التي شنها صدام حسين، تحقق له سلامة اقتصادية بنيوية وسلامة للقطاع المالي والمصرفي، والسعي لإعطاء لائحة نظام تجاري خارجي يقنع جماعة العمل المفاوضة في الدخول في منظمة التجارة العالمية، كما أن الطفرة البشرية التي عانت منها إيران حتى نهاية عقد الثمانينات وبالتالي وصول تعداد السكان إلى سبعين مليوناً إيرانياً وبفتوة كبيرة قد ولّد متطلبات معيشية هائلة استنزفت من الموازنة الوطنية الكثير.

لكن الصحيح أيضاً أن كل الخيارات قد تبقى مفتوحة إذا ما تشابكت الملفات وتعارضت المصالح وتغيرت الموازين، كما أن الحديث عن الحرب سيكون أكثر وجاهة وقابلية وحجة أيضاً على الذين يملكون ما لا يملكه غيرهم من ثروات ضخمة وحدود مشتركة فيها المضايق والبحار، وبينها مصير مشترك وتماثل ديني ولغوي واجتماعي هائل، وثروة بشرية تزيد على 300 مليون إنسان

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً