مواعيد كثيرة تنتظر المنطقة العربية - الإسلامية بعد تعليق العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان. فالمشهد الحربي لم يصل إلى نهاياته وهناك احتمالات سلبية قد تدفع الوضع نحو المزيد من التأزم. إلا أن الخطوات الدبلوماسية التي يمكن ملاحظتها دولياً وعربياً تسير على خط موازٍ في محاولة منها لانقاذ المنطقة من انزلاق جديد نحو مواجهة كبرى يصعب التكهن بنتائجها أو حتى التحكم بتداعياتها.
حتى الآن الصورة منقسمة على مشهدين متعارضين: الأول يشير نحو التأزم والمواجهة الكبرى. والثاني يؤشر إلى وجود احتمالات تفتح الباب نحو التفاوض والعمل على إنتاج تسوية كبرى لكل مشكلات المنطقة.
وبانتظار اكتمال صورة المشهدين لابد من مراقبة تلك المواعيد الكثيرة. هناك أولاً الرد الإيراني على الحوافز (الإجراءات التشجيعية) غداً الثلثاء. وهناك ثانياً الموعد الدولي النهائي لتسلم الرد الإيراني على مشروع تخصيب اليورانيوم في 31 أغسطس/ آب الجاري. وهناك ثالثاً جولة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان التي تبدأ قريباً وتشمل بيروت ودمشق وطهران وعواصم عربية وإقليمية أخرى، ويرجح أن تنتهي برفع تقرير عن النتائج العامة إلى مجلس الأمن في 11 سبتمبر/ أيلول المقبل. وهناك رابعاً تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ويرجح أن يرفع برامرتز تقريره الثالث في 15 سبتمبر المقبل.
هذه المواعيد المختلفة هي في نهاية الأمر مترابطة في انعكاساتها ومفاعيلها وتداعياتها حتى لو ظهرت على خشبة المسرح السياسي في هيئات متباعدة. فكل موعد يفتح الباب على مشهد معين فإما أن تكون الوجهة مسالمة أو أن تتجه نحو مزيد من التصعيد والتأزيم. وحتى الآن لا يمكن المراهنة على خط واحد. فكل الخطوط مفتوحة على احتمالات متوازية بين الحرب أو السلم.
أميركا ومشروعها
في الولايات المتحدة هناك أكثر من خط. فالإدارة الأميركية غير متفقة على رأي واحد. الرئيس جورج بوش يعتبر أن المعركة على لبنان هي جزء من حرب بين «الحرية» و«الإرهاب». وهذا يعني برأيه أن المعارك لم تتوقف. وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تحاول أن تبقي للتفاوض فرصة من خلال الضغط على الثنائي الشرير ديك تشيني ودونالد رامسفيلد. ورايس كما تظهر لوحة العلاقات السياسية في «البيت الأبيض» باتت في موقع الضعيف وبدأ دورها يتراجع لمصلحة نمو جناح الصقور الذي يشجع بوش على استكمال مشروع التقويض ضد سورية وإيران.
في «إسرائيل» تبدو حكومة إيهود أولمرت منقسمة على خطين. الأول يدعو إلى طرح مبادرة سلمية تقوم على فكرة التفاوض مع بيروت ودمشق والحكومة الفلسطينية بقصد إنتاج تسوية معقولة قابلة للحياة والاستمرار. والثاني يدعو إلى تجهيز المدافع والطائرات لخوض الجولة الثانية من الحرب المعلقة جزئياً ضد حزب الله ولبنان بذريعة عدم تجاوب الحكومة اللبنانية في تنفيذ القرار 1701.
في لبنان تبدو الدولة في وضع ضعيف (مقوضة ومشلولة) ولا تعرف من اين تبدأ وما هو اتجاه الرياح؟ فالحكومة قررت إرسال الجيش إلى الجنوب وبدأت بنشر الألوية على طول خطوط القرى الامامية من دون وجود ضمانة دولية بعدم تكرار العدوان. كذلك الحكومة مترددة في البدء في ورشة إعادة الإعمار أو دفع التعويضات على اعتبار أنها لا تملك الإمكانات والخطة الجاهزة وليست على قناعة تامة بأن الحرب انتهت وبالتالي فإن احتمالات عودتها غير واردة. وبسبب غموض المشهد السياسي الإقليمي والدولي تبدو الحكومة مرتبكة ولا تعرف ماذا تريد وما يجب عليها أن تفعل. وفي حال استمر هذا الموقف الانتظاري فإن المشكلات الداخلية مرشحه للنمو في سياق استقطاب أهلي/ سياسي لا يساعد على ضمان ثبات الوحدة الوطنية.
في سورية تبدو الأمور غير واضحة بين سياسة معلنة تؤكد وقوفها إلى جانب لبنان المقاومة وبين معارضة واضحة لسياسة عربية غير منسجمة مع توجهات دمشق. فالموقف العربي العام يدعم لبنان الدولة ويرى أن الكلفة الباهظة التي دفعها هذا البلد الصغير فاقت قدرته على الاحتمال وبالتالي لابد من معالجة أخرى للأزمة تستبعد إمكانات عودة المواجهة إلى ساحته.
الآن تبدو الأمور في الجانب العربي مشوشة وقلقة. وبسبب هذا التوتر انكشف بنيان جامعة الدول العربية على وجهات نظر غير متطابقة تتجاذبها اتجاهات تتراوح بين مخاوف من احتمال انزلاق المنطقة نحو تصادم عسكري لا يعرف أين سيستقر وبين حرص على عدم الخضوع الكامل للشروط الأميركية وخصوصاً تلك المتعلقة بالجانبين الفلسطيني واللبناني.
إيران والممانعة
إلا أن مفاتيح الحرب والسلام تبدو الآن في يد قيادة طهران. فإيران هي الطرف الاقوى في معادلة الصراع الدائر الآن في ساحات المنطقة. وبالتالي فإن مستقبل الكثير من دول المنطقة يتوقف على القرار الذي ستتخذه القيادة الإيرانية غداً الثلثاء أو في نهاية الشهر الجاري. وفي ضوء توجهات قيادة طهران يمكن تلمس الكثير من الخطوط ويتوقع اتضاح ألوانها ومعالمها في تقرير كوفي عنان في 11 سبتمبر المقبل، وهو موعد يتصادف مع الذكرى الخامسة لهجمات سبتمبر على نيويورك وواشنطن.
حتى الآن تبدو إيران متصلبة في مواقفها على رغم كل ما شاهدته من حروب تقويض في أفغانستان والعراق وفلسطين وأخيراً لبنان. فالقيادة هناك تبدو غير مكترثة لكل الانذارات والتنبيهات والتهديدات التي صدرت ضدها بشأن الملف النووي. كذلك تظهر أمام العالم في موقف المتحدي والمستعد للمواجهة الميدانية. وهذا التحدي يمكن تلمس إشاراته من خلال المناورات العسكرية الضخمة التي جرت في اليومين الماضيين في شمال شرق إيران وجنوب غربها وشملت نحو 16 محافظة في الجمهورية الإسلامية.
إيران تنطلق في سياسة الممانعة من تحليل عام يقوم على فكرتين: الأولى حقها الشرعي والقانوني في التخصيب المستقل لضمان مستقبل نموها الذي يتطلب تنويع مصادر الطاقة. والتنازل عن هذا الحق سيؤدي برأيها إلى تراجعها تمهيداً لتركيعها السياسي كما حصل الأمر مع العراق. والثانية ترتكز على معلومات ميدانية تشير إلى وجود ضعف بنيوي في جاهزية الولايات المتحدة (وحليفها الصهيوني) في خوض تجربة حرب جديدة وفاشلة كما كان أمرها في أفغانستان والعراق وفلسطين وأخيراً لبنان.
هذا التحليل القائم على فكرتين صحيحتين نسبياً يشكل مصدر قوة للممانعة الإيرانية. ومثل هذا النوع من التحليل العام يضع الاحتمالات متوازية بين خط المغامرة والنجاح وبين خط المغامرة والفشل مقابل وجود بصيص نور للتفاوض على برنامج عام يضع كل نقاط التوتر في المنطقة على سكة الحل السياسي الذي يفضي إلى سلام شامل وعادل في دائرة «الشرق الأوسط» الصغير أو الجديد.
الخطوط إذاً مفتوحة على احتمالات تتراوح بين حرب مدمرة أو سلام شامل. وهذه الخطوط لم تتوضح ألوان معالمها فهي تنتظر الكثير من المواعيد أولها يبدأ غداً وآخرها ينتهي بعد 11 سبتمبر... الذكرى الخامسة لتلك الهجمات التي تذرعت بها الإدارة الشريرة في «البيت الأبيض» لإعلان حربها العالمية الثالثة على ما تسميه «الإرهاب الدولي»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ