العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ

قراءة تحليلية في مدلولات التصويت الإلكتروني

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

سنحاول في هذا المقال تسويق مفهوم التصويت الإلكتروني، ومن ثم سننتقل إلى طرح بعض المزايا التي عبرت عنها الحكومة عبر مجموعة من الفعاليات المختلفة التي تحدثت فيها عن رغبتها في تطبيق التصويت الإلكتروني خلال الانتخابات القادمة مع تفنيد تلك المزاعم.

أولاً، مفهوم التصويت الإلكتروني: «مباشرة الحق السياسي في الانتخابات واختيار المرشحين من خلال استخدام تقنية المعلومات بدلا من الطرق التقليدية كأوراق وصناديق الاقتراع ومن ثم تخزين النتائج في أنظمة الحاسب الآلي وفق معايير فنية وأمنية معينة لتحقيق أقصى درجات الشفافية والدقة والأمن ما يضمن نزاهة العملية بصورتها الإلكترونية».

المزايا التي وضحتها الجهات الحكومية وحاولت التسويق لها عبر مجموعة من الفعاليات: تسهيل مباشرة عملية الاقتراع لذوي الاحتياجات الخاصة والأعمال الحساسة، بحيث يمكنهم التصويت مثلا من خلال مواقع عملهم أو منازلهم من دون الحاجة إلى الذهاب إلى مراكز الاقتراع من خلال شبكات الحاسب الآلي الواسعة أو من خلال شبكة الانترنت.

من الواضح جدا أن الحكومة لن تلتزم بالاستفتاء الذي أجرته مع مؤسسات المجتمع المدني والذي عليه ما عليه من ملاحظات إذ تتكون العينة من 15 جمعية من الجمعيات السياسية والأهلية التي لا أحد يعلم سوى الحكومة كيف تم تشكيل العينة إذ إننا لم نسمع سوى عن النتائج التي آل إليها الاستفتاء، النتائج للتذكير أوجزها على النحو الآتي، بعدها أعلق على المزايا المزعومة من قبل الحكومة وإليكم الحكم النهائي: 9 جمعيات وافقت على إجراء عمليات التصويت الإلكتروني بجميع أنواعها في الانتخابات القادمة، 3 جمعيات وافقت فقط على إجراء التصويت الإلكتروني بمراكز الاقتراع من دون الطرق والآليات الأخرى بمعنى آخر عدم استخدام شبكة الانترنت في العملية الانتخابية على رغم غالبية المزايا التي عبرت عنها الحكومة يفهم من خلالها أن شبكة الانترنت هي السبيل الوحيد لتحقيق تلك المزايا على رغم تأكد الجهة الرسمية من أن آلية التصويت بالانترنت في المنازل داخل البحرين هي الآلية الوحيدة التي تواجه معوقات قانونية وهي الوحيدة غير المقبولة من قبل الجمعيات، وعلى رغم تصريحات مدير تقنية المعلومات بالجهاز المركزي للمعلومات التي تؤكد أنه لايزال القرار غير نهائي وأن الأمر يتطلب تحقيق توافق من خلال المشاورات النهائية والتفصيلية مع الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى بشأن الموضوع، نواصل نتائج الاستبانة في حين أن 3 جمعيات فقط لم تؤيد إجراء عمليات التصويت الإلكتروني برمتها.

أولاً، دعونا نتأمل قليلاً في النتائج التي تم التوصل إليها من خلال الاستبانة، 9 جمعيات وافقت على التصويت بجميع أنواعه هذه الجمعيات بعضها سمعنا عنها وعن نشاطاتها وبعضها لم نسمع عنها شيئاً، ومع ذلك الآن تقرر مستقبل البحرين وأن الجمعيات الثلاث التي لم تؤيد إجراء عمليات التصويت الإلكتروني برمتها تمثل الثقل الحقيقي للشارع ومع ذلك لا يؤخذ برأيها سوى لأنها لا تتفق مع الرأي الرسمي في هذا السياق.

الآن نعود إلى المزايا المزعومة، واضح جدا بعد التوضيح السابق أن الميزة الأولى لا تعد ميزة حقيقية، إذ إنها تعتمد بالدرجة الأساس على اعتماد شبكة الانترنت والتوافق عليها أولا، وأعتقد أنه لو اعتمد استخدام الانترنت في العمليات الانتخابية لبصمنا من الآن وبالعشرة على عدم نزاهة الانتخابات لأنه حتما ستكون الانتخابات تربة خصبة للفساد والانتهاكات والإكراه وغيرها من الأمور التي لا نحبذ أن تنشط في الأجواء الانتخابية، كما أن فئات ذوي الاحتياجات الخاصة لا تحتاج فقط إلى أن تذكر إبان الانتخابات فهي بحاجة ماسة إلى رعاية وعناية طوال الزمن وبحاجة إلى تعاملات خاصة لا تبدأ بالصعيد السياسي وإنما تنتهي عنده، إلى جانب أنهما تمثل أقلية وبالتالي لا يستحق الأمر أن توفر لها هذه الخدمة في الوقت الذي ستكلف كثيرا تقنيا، أضف إلى ذلك كشفت الدراسة التي قام بها أحد الطلاب الجامعيين أن هناك سبعين ألفا من الوحدات السكنية لا تملك جهاز الحاسب الآلي من أصل مئة وخمسة آلاف وحدة سكنية، ما يعني أن هناك صعوبة في تطبيق التصويت الإلكتروني عن طريق الإنترنت، إلى جانب أن غالبية هؤلاء الذين ينتمون إلى شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة في غالبيتهم من أسر فقيرة وبالتالي إمكان توافر حواسيب وشبكة الانترنت ضعيف جدا إلى جانب أميتهم المعلوماتية وصعوبة تدريبهم عليها.

تمكين المقيمين في الخارج من المشاركة السياسية وان خيار التصويت الإلكتروني سيعزز المشاركة السياسية عبر إتاحة التصويت من الخارج من دون الحاجة أيضا إلى زيارة البعثات الدبلوماسية للمشاركة لبعد المسافات الجغرافية بين مدينة الإقامة ومدينة البعثة الدبلوماسية إذ سيتمكن من التصويت في بيته أو جامعته أو محيط عمله ومن خلال الشبكات الواسعة أو من خلال شبكة الانترنت.

عدد هؤلاء المغتربين والذين نتكلم عنهم أعتقد أنه عدد غير كبير هذا أولا. وثانيا ما فائدة البعثات الدبلوماسية إذاً إذا جردناها من عملها وأبقينا التصويت عبر شبكة الانترنت كخيار؟ اللهم إلا اذا كان المقصود من المصوتين من الخارج فئات أخرى.

ثالثاً عملية التصويت ستكون يوماً واحداً فقط ماذا لو تكبد المغترب عناءها؟ أتصور أن العناء سيكون لذيذاً لأنه تجسيد للوطنية والانتماء، كما أن الحكومة لا أتصور أنها بحاجة إلى آليات تستطيع من خلالها توسيع المشاركة خصوصا أن المقاطعين سيشاركون في الانتخابات القادمة ولو أنها استخدمت الآليات هذه التي تحاول تطبيقها في الانتخابات السابقة لكان أفضل لها على الأقل في رفع نسبة المشاركة.

إن عملية الفرز اليدوي يجب أن تتسم بالدقة والتجرد والمسئولية والسرية وعلى رغم ذلك فإنها عرضة للخطأ ولاسيما في اللجان ذات الكثافة العالية من حيث عدد المرشحين.

أظن في هذا الخصوص أن إشكالاً كهذا ربما يحدث في بلد غير البحرين كالهند أو البرازيل أو أميركا، إذ إنه من المعروف أن البحرين لا تتسم بكثافة سكانية هائلة وأيضا الكتلة الانتخابية محدودة جدا، وحلها يكمن في تجهيز فرق عمل تعمل على الفرز اليدوي بعد الانتهاء من التصويت وأعتقد أننا لا نخلو من وجود الكوادر البشرية الخاصة لذلك وإذا لم تتوافر فإنه بمقدورنا العمل على توفيرها، وأعتقد أن ذلك أسهل بكثير من التحكم في التقنيات التي لا ندري ماذا يحصل داخلها.

يتميز التصويت الإلكتروني بالدقة والسرعة والسرية في استخلاص النتائج وعليه فإنه لا مجال للخطأ في العد.

نعم، التصويت الإلكتروني يمتاز بالسرعة ولكن لا يتصف بالدقة أبدا، أيضا السرية أمر مشكوك فيه فلا أحد يتنكر لما قد يفعله قراصنة المجال الإلكتروني (الهاكرز)، والخطأ أيضا وارد والأسوأ من ذلك أنه لا يمكن التأكد من الخطأ إذا حصل بل لا يمكن تصحيحه.

ترشيد المصاريف ولا سيما الموارد البشرية العاملة في اللجان وطباعة أوراق الاقتراع ذات المواصفات الأمنية العالية يرفع كلفتها إلى جانب كلفة تشغيل مراكز الاقتراع ونحوها.

في هذا الخصوص نقول: نعم تدريب الفريق الذي يقوم على العمليات الانتخابية في كل المراكز مكلف ولكن لا أعتقد أن الحكومة لو أرادت أن ترشد فإن الخيار الأفضل هو اختيار التصويت الإلكتروني إذ إنه مكلف جدا كما أن الفريق المعد لذلك يكلفها أيضا، ففي الحالين هناك مصاريف لابد من توفيرها وأعتقد أن التصويت اليدوي أوفر بكثير من التصويت الآلي، فالبرازيل عملت على توفير 406 آلاف مكنة مزودة بشاشات تعمل عن طريق اللمس تغطي جميع أنحاء الدولة ويكلف الجهاز الواحد نحو 700 دولار وتحتاج إلى 280 مليون دولار للبرامج والمعدات وحدها، لنتأمل جيدا في كلفة التصويت الإلكتروني.

وإذا كانت الحكومة تعترف بوجود إشكال من هذا النوع كان الأولى أن تفصل الانتخابات البلدية عن النيابية لضمان السرعة والدقة إلى جانب توافر فرق العمل إذ إنها نفسها، ولكن نجد أن الحكومة تصر على أن تكون الانتخابات البلدية والنيابية في يوم واحد على رغم التشخيص غير المواتي للخيار نفسه.

مما سبق يتضح أن المزايا التي تسوقها الحكومة للتصويت الإلكتروني أوهن من بيت العنكبوت وبالتالي غير مقنعة ألبتة وعليها التفكير في أمور أخرى لتحريك القناعات الموجودة وإلا العدول عن التصويت من أصله.

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1445 - الأحد 20 أغسطس 2006م الموافق 25 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً