انضمام الدولة إلى أحد العهود أو المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، يعني أنها وقعت معاهدة دولية، وهذا يتطلب أن تسعى الدولة لمواءمة قوانينها المحلية بما ينسجم مع هذه المعاهدة، أو على الأقل أن يكون لهذه المعاهدة محل السبق على القوانين المحلية، وأكثر من ذلك، فبحسب القانون الدولي، لا يجوز سن قانون بعد الانضمام للمعاهدة يتعارض معها. إذاً، لا خلاف على أن مواد المعاهدة لها الأولوية ومقدمة على القانون المحلي، وفي هذه الحال، فإن الكثير من القوانين المحلية باطلة، وخصوصاً التي تم تشريعها قبل الانضمام إلى بعض الاتفاقات الدولية، لأن المعاهدة عبارة عن قانون جديد، يلغي القوانين التي سبقته، وحتى القوانين التي تصدر بعد الانضمام إلى المعاهدة والمتعارضة معها، تعتبر باطلة إلا أن تنسحب الدولة من المعاهدة أو تكون قد تحفظت على بعض موادها سابقاً، وهذا ما يذكره بعض علماء القانون الدولي العام. وفي هذه الحال، فإن الكثير من مواد قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية المعروف باسم «قانون الإرهاب»، تعد مواد باطلة لتعارضها مع بعض الاتفاقات الدولية التي انضمت لها المملكة، ولا يجوز للقاضي تجاوز المعاهدات الدولية التي انضمت إليها المملكة إذا تعارضت مع القانون المحلي، ومن هذه المعاهدات، العهد الدولي الأول الذي تمت الموافقة على الانضمام إليه حديثاً، وقد يجدر تذكير المعارضة ومجلس النواب القادم بضرورة الاستفادة من ذلك في سرعة إبطال قانون الإرهاب. الإشكال الأهم في هذا المقال يتعلق بالدستور، فإذا تعارضت مواد هذا النوع من الاتفاقات مع بعض مواد الدستور، فأيهما المقدم على الآخر؟ مثلاً، المادة (3) من العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صدر قانون بالانضمام إليه، هذه المادة تنص على الآتي: «تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد». والمساواة في الفهم الدولي لحقوق الإنسان تتعارض مع فهم الإسلام الذي يعطي الرجل ضعف المرأة في الميراث في بعض الأوجه، والميراث في المملكة محكوم وفق الشريعة الإسلامية بواسطة مادة في الدستور وهي المادة الخامسة، بند (د) ونصها: «الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية». وفي هذه الحال، أيهما يقدم، الدستور أم مواد المعاهدة الدولية؟ لو زعمنا أن المعاهدة مقدمة على الدستور لدينا، هذا يعني أن بعض مواد المعاهدة تلغي بعض المواد في الدستور، وهنا نقع في أكثر من إشكال، ومنها، أن ذلك يعني تغييراً في الدستور بشكل تلقائي من دون الاعتبار لما ينص عليه الدستور نفسه من متطلبات، منها تصويت ثلثي المجلس الوطني (أي بعد اجتماع غرفتي الشورى والنواب) على تعديل أي مادة من مواد الدستور. ولا يوجد نص دستوري يبيح تقديم مواد المعاهدة الدولية على مواد الدستور. على هذا الأساس، فإن توجسات الإسلاميين وتحفظاتهم على الكثير من مواد العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية محل تأمل في جدواها. والحقيقة أن أكثر ما يثير الإسلاميين أربع نقاط حيال العهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخصوصاً ما ينص عليها الإعلان العالمي الذي صدر سنة ،1948 وهذه النقاط هي: حرية المعتقد، ومنها الحق في تغيير الديانة الذي يحرمه الإسلام ويسمى بالردة، والمساواة التامة بين الرجل والمرأة، وهذا ينطوي على المساواة في الإرث وحق المسلمة في الزواج بغير المسلم، والمساواة بين الأطفال الذين ولدوا لرجل سواء كانوا ضمن الرباط الزوجي (شرعيين) أو خارج رباط الزواج (بالزنى). وأخيراً، قضية منع تطبيق الحدود المتعلقة بقطع يد السارق أو جلد الزاني والتي تسمى في لغة الحقوقيين بحرمة الجسد، وهذه النقطة ليست ذات جدوى في ظروفنا الحالية مطلقاً. ومادام الدستور مقدماً على مواد المعاهدة الدولية ومختلف العهود المتعلقة بحقوق الإنسان، فهل يوجد مكان للخوف من هذه المواد وهذه النقاط مادامت تتعارض مع الدستور، إذ إن الدستور سيظل مقدما عليها، وقد حمى الدستور الأسرة في بعض مواده، وصان الإرث ليبقى وفقا للشريعة الإسلامية، وأما تغيير المعتقد فهو شيء قد انتهى الهاجس بشأنه منذ زمن طويل، فهو أمر قلبي، ولا يمكن تطبيق حكم الردة في هذه الظروف نتيجة كثرة المؤثرات الخارجية وما تثيره من تشوشات فكرية. وبذلك تنتفي تخوفات الإسلاميين من العهد الدولي الأول الذي انضمت إليه المملكة حديثاً
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1444 - السبت 19 أغسطس 2006م الموافق 24 رجب 1427هـ