أطلق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك العنان للحريات التي كان البحرينيون يحلمون بها في يوم من الأيام، حتى أصبحت المملكة مثالاً يضرب في المحافل الدولية. وأصبح التعبير عن الرأي بشتى الوسائل حرية متاحة لكل فرد، وشهدت الصحافة انطلاقة نوعية نحو تطور غير مسبوق... وكانت الأوضاع تسير من الأحسن إلى الأفضل حتى أدركت الدولة أن سقف الحريات الممنوحة للناس اقترب من النيل من بعض مصالحها، ورأت أن مجلس النواب هو الحل الأنجع لتعود المياه إلى مجاريها كما في السابق، أو توضع حدود إلى الحريات قبل فوات الأوان. ورمت الحكومة قبة البرلمان برزمة من القوانين المستعجلة، ولعل وجود تركيبة النواب المحافظين (الحكوميين) هو فرصة مواتية لتمرير ما يمكن تمريره، فما الذي يضمن للحكومة وجود هذه التركيبة في المجلس المقبل؟... قانون التجمعات الذي يضع حداً لما تراه الحكومة من تجاوزات في تنظيم المسيرات وغيرها من الأمور التي توضع أمامها علامة «قف»، وقانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يستهدف شخصيات بارزة في الجمعيات السياسية ويمنعها من دخول معترك الحياة النيابية، ولدينا قانون مكافحة الإرهاب الذي قيل إنه مُرّر ليشمل النواحي الخارجية والذي حمل في طياته أحكاماً قال بعض النواب إنها قاسية بل جائرة، والأدهى والأمّر أنه يحاسب الناس على نواياهم ويعرِّض الجميع، بمن فيهم الحكوميون وغير الحكوميين للخطر، فالكل عرضة للمساءلة والزج في السجون لأمد غير محدود، إذاً، فالمعادلة واضحة ولا تحتاج إلى تعقيد وتحليل، فالحكومة حين رأت في الحريات الموجودة خطراً مباشراً على بعض المصالح، جاءت بقوانين وتشريعات قاسية تحدُّ من الحقوق شيئاً فشيئاً، وتمسك كما ترى هي طبعاً بلجام الحصان قبل أن يتحرر وحينها تَصعبُ إعادته إلى مكانه الصحيح. وهكذا، فالقوانين كانت الحل الأنجع لتطبيق هذه الخطة التي يرى فيها النواب الذين ساهموا بشكل كبير قوانين مهمة، وستحسن من صورة البحرين، بل إنها جاءت لأغراض خارجية بطلب أميركي ولكنهم نسوا أن القوانين نفسها تضمنت مواد مُبطنة وُضعت لتوجيه صفعة موجعة إلى المجتمع بجميع أطيافه وتكويناته ومؤسساته، وخصوصاً تلك التي تريد الحكومة أن تصلها الصفعة قبل غيرها... قوانين مغلّفة بحاجة إلى مواكبة التطورات في حقوق الإنسان والمطالب الدولية للحد من استشراء الإرهاب وفق منظور الشرق الأوسط الجديد، تحاصر الحريات وتبدد أحلام البحرينيين بوطن حر ديمقراطي، وتضرب بعرض الحائط أهم أهداف مشروع جلالة الملك الإصلاحي الذي وضع لبنات الدولة الديمقراطية. نحن لا نريد دولة كمدينة أفلاطون الفاضلة، ولا نسعى إلى تحقيق ما حققته الدول الديمقراطية من حريات في عقود وسنين طويلة وقاسية، إننا نريد دولة تثق بالرعية، ويثق فيها المحكوم بالدولة، دولة تُرسي دعائم الحرية التي أقرتها كل الأعراف والقوانين الدولية، لا أكثر ولا أقل، فهل سيتحقق ذلك، أم أن هذه الدولة سنجدها في الأحلام بعد ولادة قوانين التقييد الأخيرة؟... دعونا ننتظر
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1443 - الجمعة 18 أغسطس 2006م الموافق 23 رجب 1427هـ