في كل مرة ترتفع فيها أسعار النفط في الأسواق العالمية تبدأ معها أصابع الاتهام في الإشارة نحو الدول العربية متهمة إياها بالجشع أحياناً، وبعدم المسئولية أحياناً أخرى. وتعلو مع اصابع الاتهام تلك، نبرات الأصوات الداعية بقوة إلى ضرورة البحث عن بدائل للذهب الأسود، تكون أكثر استمرارية وأقل كلفة. ومع الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية وتجاوز سعر البرميل حديثاً مستوى 70 دولاراً لأول مرة زاد الطلب على مصادر الطاقة البديلة بدءاً من توربينات توليد الكهرباء من الرياح وحتى السيارات التي تسير بزيت الذرة بدلاً من البنزين.
أسباب التوتر مستمرة
وما يخيف الخبراء هو أن التوتر السياسي في بعض مناطق الإنتاج الكبرى في العالم لها تأثير مباشر في تقلبات إمدادات النفط الذي ينعكس مباشرة على عدم استقرار الأسعار وصعودها المتوالي. فالعراق غير منتظم في التصدير، ومنظمة الدول المصدرة للنفط لا يمكنها تعويض الكميات الناقصة بعد أن وصلت إلى حدها الأقصى في الإنتاج بضخها يومياً 30 مليون برميل، أما إذا توقف تصدير النفط العراقي تماماً فستحدث كارثة أخرى.
وفي روسيا تضع قضية واحدة من كبريات المنشآت النفطية بصماتها على سوق الذهب الأسود، مع غياب أية معلومات بشأن تداعيات هذا الملف وإلى أين سينتهي. كما أن الأوضاع المتقلبة في فنزويلا بسبب الاستفتاء الرئاسي هناك لها دورها المهم أيضاً في عدم شعور كبار الشركات المتعاملة في النفط بالاستقرار.
على صعيد آخر يساعد اطراد النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة والصين على زيادة الإقبال على استهلاك النفط في البلدين، ما يرفع الأسعار بشكل متواصل.
ويحذر الخبراء من أنه من المحتمل أن تؤدي تلك العوامل مجتمعة إلى تصعيد الأزمة لتصل إلى ذروة جديدة، لا سيما وأن التهديد المتواصل بحدوث عمليات إرهابية قد أدى إلى رفع أسعار النفط بنسبة 30 في المئة منذ مطلع العام.
الطاقة البديلة
والطاقة هي الوجه الآخر لموجودات الكون غير الحية، فالجمادات بطبيعتها قاصرة عن تغيير حالتها من دون مؤثر خارجي، وهذا المؤثر الخارجي هو الطاقة، فالطاقة هي مؤثرات تتبادلها الأجسام المادية لتغيير حالتها.
ويمكن تعريف الطاقة بأنها القدرة على القيام بنشاط ما، وهناك صور كثيرة للطاقة، وكمية الطاقة الموجودة في العالم ثابتة على الدوام، فالطاقة لا تفنى ولا تستحدث، ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى.
وهناك تصنيف للطاقة ومصادرها يقوم على مدى إمكان تجدد تلك الطاقة واستمراريتها، وهذا التصنيف يشمل:
1. الطاقة التقليدية أو المستنفدة: وتشمل الفحم والنفط والمعادن والغاز الطبيعي والمواد الكيمياوية، وهي مستنفدة لأنها لا يمكن صنعها ثانية أو تعويضها مجدداً في زمن قصير.
2. الطاقة المتجددة أو النظيفة أو البديلة: وتشمل طاقة الرياح والهواء والطاقة الشمسية وطاقة المياه أو الأمواج والطاقة الجوفية في باطن الأرض وطاقة الكتلة الحيوية، وهي طاقات لا تنضب.
وأخيراً فهناك اتجاه في شتى دول العالم المتقدمة والنامية يهدف لتطوير سياسات الاستفادة من صور الطاقة المتجددة واستثمارها، وذلك كسبيل للحفاظ على البيئة من ناحية، ومن ناحية أخرى إيجاد مصادر وأشكال أخرى من الطاقة تكون لها إمكان الاستمرار والتجدد، والتوفر بكلف أقل، في مواجهة النمو الاقتصادي السريع والمتزايد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحسان نوعية حياة الفقراء بينما يحسان أيضاً البيئة العالمية والمحلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: كيف يمكننا ان نرفع من نسبة الطاقة المتجددة والنفطية، وكم يلزمنا من الوقت للوصول إلى ذلك؟. هذا ما يجري بحثه في الدول الصناعية الكبرى، من اليابان التي تستورد نحو 99 في المئة من نفطها، إلى ألمانيا إذ دفعت حادثة تشيرنوبول القريبة منها الرأي العام ضد المصانع النووية، إضافة إلى الولايات المتحدة إذ ترتبط حكومة الرئيس الحالي بوش بعلاقات قوية مع الصناعة النفطية، ولكن التحرك نحو مصادر نظيفة متجددة لا يمكن رفضه.
وعلى مستوى العالم يزداد إنتاج الطاقة الهوائية والشمسية أكثر من 30 في المئة سنوياً وبسرعة أكثر من الوقود التقليدي مع انخفاض في أسعار الكلفة، الأمر الذي يجعلنا وكأننا على مشارف ثورة في مجال الطاقة كما يقول ، مدير معهد المراقبة العالمية وهو معهد طوعي في واشنطن كريستوفر فلافين. ويرى فلافين أنه ستكون هذه الثورة شديدة كما كانت تلك التي أدخلت النفط منذ قرن مضى، حتى شركات النفط تحاول أن تستفيد من النزعة إلى إزالة ثاني أوكسيد الكربون من الجو، لقد اتجه العالم تدريجياً إلى استخدام وقود أنظف من الأخشاب إلى الفحم ومن الفحم إلى النفط ومن النفط إلى الغاز الطبيعي، وان الطاقات المتجددة هي الخطوة التالية، واتجه المصنعون اليابانيون بقيادة شركتي شارب وكيوسيرا إلى الخلايا الكهرضوئية التي تحول ضوء الشمس إلى كهرباء.
وأصبحت مصادر الطاقة البديلة وخصوصاً المصادر المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية جزءاً لا يتجزأ من شبكة إمدادات الطاقة في الكثير من دول العالم وبخاصة الدول المتقدمة.
وفي ضوء الإقبال الشديد على المعدات والسيارات التي لا تعمل بالبنزين تتوقع شركة سيارات يابانية بيع نحو 100 ألف سيارة من سياراتها التي تعمل بطاقة كل من الكهرباء والبنزين في الولايات المتحدة خلال العام المقبل.
ومن الطبيعي ان تكون الولايات المتحدة الدولة السابقة في مجال البحث عن بدائل للنفط، ولذلك رأينا ألواح الطاقة الشمسية وطواحين الرياح التي تحول الرياح إلى تنتشر بسرعة في الأحياء السكنية للطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، إذ يبحث السكان عن مصدر رخيص للكهرباء في ظل الارتفاعات المتزايدة في أسعار الكهرباء نتيجة ارتفاع أسعار النفط.
ومن المشروعات الجديدة في هذا المجال والتي تعكس اهتماما متزايدا بمصادر الطاقة البديلة مشروع إقامة محطات لتوليد الكهرباء من الرياح على منصات انتاج النفط والغاز القديمة في خليج المكسيك ونقل الكهرباء منها إلى مدن الساحل الشرقي لأميركا.
كما أن شركة هوم ديبوت الأميركية ستبدأ لأول مرة على مستوى الولايات المتحدة بيع الأجهزة التي تعمل بالطاقة الشمسية إلى جانب أدوات السباكة وغيرها من مستلزمات المعمار.
كما اتجه عدد من بائعي البنزين في مدن دنفر وسياتل ومدن أخرى إلى خلط البنزين بالإيثانول ليس لأسباب بيئية ولكن لأنه أرخص من الإضافات النفطية الأخرى.
وعلى رغم أن مصادر الوقود البديلة تشكل نسبة ضئيلة من إمدادات الطاقة الأميركية فإنها تنمو بمعدل 30 في المئة حالياً مقابل معدل نمو قدره 4 في المئة للنفط و6 في المئة للغاز الطبيعي.
وتحظى مشروعات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة البديلة بشعبية كبيرة بين حكومات الولايات الأميركية إذ بدأ الكثير من حكام الولايات الأميركية افتتاح مزارع الرياح التي تولد الكهرباء من طاقة الرياح ووحدات تحويل الكحول الإيثيلي إلى وقود للسيارات.
والحقيقة أن هذا التوجه ليس مجرد بدعة سياسية ولكنه اتجاه يستند إلى حقائق الاقتصاد إذ اقتربت كلفة الكثير من مصادر الطاقة البديلة من كلفة النفط أو الغاز الطبيعي بعد أن كان الحصول على الكهرباء من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية يكلف أكثر من الحصول عليها من المحطات التي تعمل بالنفط أو الغاز الطبيعي.
في الوقت نفسه ساعدت التخفيضات الضريبية التسهيلات الائتمانية التي أقرها الكونغرس الأميركي لمشروعات الطاقة البديلة في نمو هذا القطاع.
يقول المدير التنفيذي لبرنامج مشروع سياسة الطاقة المتجددة في واشنطن جورج ستيرزينجر وهو برنامج حكومي يهدف إلى تشجيع الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة: في هذا الوقت أصبح الوقود الكربوني (نفط وغاز وفحم) مرتفع الكلفة في الوقت الذي تستفيد فيه مشروعات الطاقة البديلة من قروض بفائدة أقل مما يعطيها ميزة لم تكن تتمتع بها من قبل على مدى الـ 20 أو الـ 25 عاماً الماضية.
وأضاف قائلاً: «من خلال التطورات التكنولوجية المتلاحقة واستمرار انخفاض كميات الغاز الطبيعي المسال فإن مصادر الطاقة البديلة يمكن أن تشكل 51 في المئة من إجمالي إنتاج أميركا من الطاقة بحلول العام 2020.
يقول خبراء إن الولايات المتحدة ستظل مع ذلك متخلفة عن أوروبا في هذا المجال. وستحصل الدول الأوروبية على 10 في المئة من انتاجها الكهربائي من مصادر بديلة بحلول العام 2021 ثم 20 في المئة بحلول العام 2030.
وتتصدر الدنمارك دول العالم في مجال استخدام طاقة الريح بفضل موقعها الجغرافي إذ توجد في بحر الشمال ذي الرياح القوية لذلك فإنها قد تنتج 20 في المئة من الكهرباء من طاقة الرياح. وربما يزيد انتاجها هذا بنسبة 30 في المئة العام المقبل.
لهذا كله اتجهت الأنظار في أميركا إلى استخدام طاقة الرياح، وأنشئت أول مزرعة ريحية في العام 1979 وقد ضمت آنذاك 38 عنفة، وكان ارتفاع الواحدة منها 15 متراً واستطاعتها 150 كيلوواطاً بمردود يصل إلى 80 في المئة.
لكن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تبحث عن بديل نظيف ومتجدد وغير ناضب للطاقة، كما أن الرياح ليست هي المصدر الوحيد المولد لها.
ما هي تلك البلدان الأخرى، وما مصادر توليد الطاقة الأخرى؟ هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذا المقال
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1442 - الخميس 17 أغسطس 2006م الموافق 22 رجب 1427هـ