العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ

الإعلاميون... تحت أنقاض الحرائق

هدير البقالي comments [at] alwasatnews.com

-

«إنكم فيما تمتلكه طبيعتكم من توحش تستعيدون أفضل ضلالكم، أعني أفضل روحيّتكم...» نيتشه

ما وراء الحدث، وما وراء الخبر، الكثير الكثير لم يسرد بعد، إلا أنه لم يقلل من شأن السيناريوهات الإعلامية في حبكتها بصورة مباشرة وبصورة أقرب للحقيقة، خلافاً لذلك، فواصل تغطية الحروب الاستطلاعية تستهوي نهم الإعلاميين، وبالمحيط الخاص والعام لمجمل المواجهة النمطية وغير النمطية معاً.

معركة عبث وخراب، يأتيها الإعلاميون بغية خوض هجيج المعركة الميدانية على الوسائل الإعلامية، والمشحونة بفيض كامن للكلمة والصورة، وبكينونة غائرة للمعنى، إذ راهنت النظرية على ابراز الواقع المحتدم، للفرض والتفريط والرفض، لهذا الزمان وذاك المكان.

بات تضييق الرسالة الإعلامية شيئاً من اللامعقول، وتخديراً محرماً للعبة الإعلامية، ونموذجاً للمعادلات المفتوحة، المتداعية بالمؤامرات المحنكة والقاتلة، تستثمر بأراجيف واهنة، تكاد تمرغ بين أسوار الاعلاميين بلجاء للحق.

يسعى الإعلاميون لنقل الحوادث والوقائع الراهنة، لحظة بلحظة، وبترقب وتقرب، لكل قطرة من الدماء ولكل دمعة تتساقط بين الرشقات الصاروخية التدميرية بديمقراطية هتلرية شانها الخاص، لكل ما هو ثابت ومتحرك وجامد، لاحد له ولا بداية له.

حرب هذه العنجهيات هي ببساطة تسد رمقهم وتفتح نشوتهم العنجهية بالهلع والروع أولاً بأول، هؤلاء يبدون غير مكترثين بأصداء بيروت وأنين لبنان، فالإبادة هدفهم والمجازر قاعدتهم والأرواح المنتهكة - ظلماً - سببية لرغد عيشهم.

ثمة «هولوكوست» جديد للإعلاميين تحت الركام والأنقاض، وتحت الحرائق المحرقة، والتي تدوي بصرخات وأهوال تسري على المحك، تستوقف الصمت المخجل ولا تستوقف الكلام، فالإعلام يحدد الاحداثيات القائمة ويستشف عمق الموضوع وليس التداعيات على أساسها، المحللون والخبراء والاستراتيجيون والمتحدثون بأسماء منظماتهم يتطرقون بالصور التي تضاهي التوصيف الفعلي للحرب المتمادية بوضوح صارخ، وبسياسة افتراضية، تقتضي بها العض على الأصابع، ولمن يصرخ أولاً.

بالطبع، رحى الحرب الإعلامية تدور بمستوى عالٍ، فالتأثير النفسي والعاطفي يطغى بشكل رهيب ومقزز للصورة الذهنية ومثير للرعشة البدنية في نفس الوقت. استراتيجية مجابهة النيران، للكلمة الملقاة على عاتق الاعلاميين بصوغها بعبارات الحزن والصمود وبمجابهة الترهيب المعنت للقصف والدمار المزلزل.

استيطيقة العلاقة المتمحورة بين الحروب، يناط بها بالدور البارع لوسائل الأعلام بنقلها المباشر من قلب الحدث ومن قلب التغطية للمواقع المحددة للاستهداف المباشر، بكونها وسيلة للضغط النفسي المبرح والأكثر تدميراً للنفس، كما أن الإعلاميين يملكون سلاح الصوت حين تغيب الصورة عن الشاشة، ويتسابقون مع الصواريخ والقصف المباغت بتموضع كاميراتهم وتقنياتهم الحديثة، وذلك لالتقاط ما يمكن التقاطه من النيران المشتعلة والقذائف التي تصدع الأرض بدمارها. مسايرين بذلك الواقع الحربي الذي يعيشون فيه، فلا تراجع ولا ضعف، للكلمة والصورة حضورهما المطلق، وما يأتينا لاحقاً حدده الإعلاميون لنا سابقا، وهذه نهاية اللعبة

العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً