لأن دولة لبنان تأسست منذ القرن التاسع عشر على نظام طائفي، صارت لكل طائفة مصالح مشتركة مع دول اخرى من خارج الحدود تحاول من خلالها تحقيق التوازن الذي تعتقده مطلوبا مع القوى المحلية الأخرى. وإذا قلنا إن لبنان تأسس على نظام طائفي فهذا لا يعني أن تركيبة هذه الدولة مبنية على شكل خاطئ، بل الخطأ ربما هو لو لم تكن هذه الدولة طائفية لأنها ربما ستكون أكثر من ثلاث دول بدلا من دولة واحدة يشعر كل مواطن فيها أن لبنان بلده، ولكانت كل دويلة من هذه الدول الطائفية تستقوي بدولة خارجية على باقي الدويلات المجاورة. وبدلا من أن يكون لبنان مجموعة دويلات تعتمد بهذا الشكل أو ذاك على دول أخرى صار الآن مجموعة طوائف داخل دولة واحدة قوية بتنوعها، لكنها قد تكون ضعيفة بولاءات بعض طوائفها لقوى خارجية.
معظم الطوائف في لبنان ترفض الآن التدخل الإيراني والسوري في لبنان، وهو حق من حقوق أية دولة مستقلة تحترم سيادتها واستقلالها، إذا كانت كل تلك الطوائف ترفض تدخل أي طرف اجنبي في تحديد مصير لبنان، لكن من غير المنطقي أن ترفض هذه الطوائف ما حللته لنفسها في السماح لدول وقوى خارجية بالتدخل في لبنان وترفض على الآخرين ذلك. بوجود هذه الطوائف صارت هناك الكثير من أشكال السيطرة الخارجية على لبنان منها ما يبحث عن احتلال سياسي كأميركا ومنها ما يبحث عن احتلال ثقافي كفرنسا ومنها ما يبحث عن لبنان ضعيف كـ «إسرائيل»، ومنها ما يبحث عن لبنان «الخندق الاول» كإيران ومنها ما يرى في لبنان عمقا سياسيا له كسورية.
الطوائف في لبنان الآن تتهم حزب الله بتنفيذ أجندة إيرانية - سورية، وهو أمر قد يكون صحيحا أو لا بحسب الزاوية التي يرى فيها الآخرون موقف حزب الله وسياسته في لبنان والحرب الاخيرة مع «اسرائيل» ومدى تناغمها أو تبعيتها لهاتين الدولتين، لكن، هل توجد من كل هذه الطوائف من لا يملك اجندات خارجية يحاول أن ينفذها في لبنان؟ أو بمعنى آخر: هل أن حزب الله هو الوحيد الذي ينفذ أجندة خارجية دون غيره؟
إن محاولات حزب الله للاحتفاظ بسلاحه «الايراني - السوري» حسبما يطلق عليه يمكن أن تكون محاولات مقنعة اذا ما اخذ في الاعتبار وضع الطوائف اللبنانية وتبعية بعضها لدول من خارج حدود لبنان، وخصوصاً أن «اسرائيل» أعلنت نيتها استهداف قيادات حزب الله على رغم قرار وقف اطلاق النار، الذي يبدو أن بعض الطوائف في لبنان ستحاول استخدام هذا القرار بمساعدة «دول صديقة» لتجريد سلاح حزب الله الذي يعد الآن مصدر دفاعه الوحيد ضد «اسرائيل» اولاً وبعض الدول «الصديقة» للطوائف ثانيا. أيتها الطوائف: «من كان منكم بلا اصدقاء فليرمني بحجر...»
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ