العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ

المقاومة اللبنانية وانتصار الأحرار

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اكتب يا تاريخ وسجل يا قلم

ثورة الأحرار لازم تنتصر

مما تبقى في مخزون الذاكرة قفزت العبارات الرائعة أعلاه. لما هذا اليوم بالذات؟ قطعاً، لأنه انعطافة تاريخية في حياة الشعوب العربية، ويوم تاريخي بامتياز في سجل صمود المقاومة اللبنانية، التي قادها «السيد حسن نصرالله» بجدارة ومهارة عسكرية واحتراف سياسي تحطمت على اثره هيبة الكيان الصهيوني. لا نحتاج إلى شهادات تؤكد هذه الحقيقة واليقين، فجسارة المقاومين ودماء الشهداء تكفي.

المقاومة اليوم صامدة، وقوية وتحقق انتصارات، ستنهض ليس باللبنانيين إنما بالشعوب العربية. مقاومة أنزلت هزيمة تاريخية لآلة الحرب الصهيونية من المنظور الاستراتيجي بحسب المحللين، وألحقت بهم خسائر بشرية ومادية، على رغم الإقرار بما تكبده لبنان من خسائر بشرية في الأرواح وتدمير منهجي مقصود للبنى التحية.

يردد بعض اللبنانيين: الله يعوض. أما النسوة اللبنانيات فتفصح إحداهن قائلة: «إحنا ما حدا بزلنا، إحنا ما بنسمح لواحد كلب إسرائيلي يزلنا» وأخرى: «شو أهمية الجسور التي نسير عليها ورؤوسنا مطأطأة» وثالثة: «كم هو مرعب ألا يشعر المرء بأبعاد ما يحدث من حوله ويتخذ موقفاً»! كلها حقائق لا يجوز إغفالها عند تفكيك المشهد اللبناني. وبتصرف ثمة من كتب رداً على أحدهم: «... لحق دمار في المدن اللبنانية من جراء الحرب وسقط مئات من الشهداء المدنيين اللبنانيين ربعهم من الأطفال ودمرت البنى التحتية المدنية في لبنان وهذا أمر مفروغ منه ومتوقع، فمن يدخل حرباً لتحرير أرضه وأسراه يضع هذا في حسابه... اللهم إلا إذا كان بقالاً يحسبها كما البقالين بالروبية والريال من باب أن الشرف - حتى الشرف والعرض - عند البعض له ثمن...».

حقاً كلام بليغ، إنه تاريخهم ذاك الذي كتبه الجنوبيون اللبنانيون بدمائهم، وهذه جغرافيتهم التي دمرتها آلة الحرب الصهيونية/ الأميركية بالقنابل الذكية والانشطارية لتؤسس عليها مشروعها للشرق الأوسط الجديد الذي صرحت «كوندي» بوقاحة: بأنه يحتاج إلى مخاض؟! بمعنى يحتاج إلى مجازر وقتل وسيل من دماء الأبرياء والدمار، «إسرائيل» من دون شك، هي المؤهلة تاريخياً وتكوينياً لتنفيذ الإبادة والتدمير.

اكتب يا تاريخ وسجل يا قلم

الأبيات أعلاه من «الشيلات» الشعبية الفلكلورية التي كان يؤلفها ويرددها «الرواديد» الذين اشتهروا بقوة أصواتهم الحماسية المؤثر في استثارة الحمية الوطنية منذ الستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي، إذ مر الوطن آنذاك بمرحلة تغير نوعي وتاريخي حدث في ضوء الانتفاضات العمالية. الأبيات الجميلة التي انطلقت من حناجر البسطاء عبرت عن الحس الوطني العفوي، تماما كما عبرت النسوة اللبنانيات من قرى الجنوب وبقية مناطق لبنان في التأكيد على مساندتهن للمقاومة وتأييدهن «للسيد» على اختلاف انتماءاتهن الدينية والمذهبية والفكرية. الشيلات الحسينية الوطنية كان يتلقفها ويرددها المعزون في مواكب العزاء بشجاعة لا تنقصها الهيبة والثقة بعدالة القضية، ودونما خوف من رقابة المندسين من رجال الأمن في أوساطهم.

وقتها، لم تكن هناك سواتر ولا حواجز وقفت حائلاً ما بين التنظيرات الفكرية والسياسية، الوطنية منها والقومية بتعددها وتنوعها مع ما يحدث في الساحة المحلية أو الإقليمية أو ما بينهما وبين المعتقد الديني والمذهبي، وقتها كان اليساري والليبرالي والقومي شجاع يتصدر وزر قضايا الوطن، لا يهاب، فهو ثوري ووطني ببساطة وثورية ووطنية ابن الشارع المتدين والمتعلم منه أو الأمي، وفي خضم الحوادث والمجابهات وذروة النشاط السياسي لقوى المجتمع السياسية والعمالية وبقية فئات الشعب، امتزجت مفاهيم ومصطلحات الحرية والمقاومة والثورة واسترداد الحقوق بعضها بعضاً، بل إنها تخصبت من مفاعل الذاكرة الجمعية ومرجعيتها التاريخية والوطنية والقومية والمعتقدية وما جادت به الثقافة الإنسانية من قيم، كان الكل منها منبعاً تنهل منه شعارات التمرد والثورة والتحرر من الظلم وانتزاع الحقوق وتحقيق المكتسبات، جميعها كانت زاداً لاستثارة الوازع الوطني والقومي والدافع لتحديد المواقف المبدئية وحشد الناس للتفاعل باتجاه لحظة الحدث الذي يجدون أنفسهم فيه، أي يكونون فاعلين ومؤثرين فيه! لذلك لا غرابة، إن شاركوا بتضحياتهم في المعتقلات والمنافي وبدماء الشهداء، كما كانوا يعبرون عن سخطهم وغضبهم تجاه ما يمارس عليهم من تسلط وظلم واستبداد. كانت المجابهات والتجمعات والتظاهرات مدارس حية ومتنقلة للمقاومة الوطنية بحق، يتعلم فيها الإنسان شرف النضال والتضحية. حتماً لو ركنت جانبا مع أحدهم اليوم لتسأله عن رأيه وشعوره لصمود المقاومة اللبنانية وانتصارها على العدو، ستجد إن ذاكرة الجميع منهم تفيض بحكايات لا أول لها ولا آخر تبدأ من قصصهم مع قضايا الوطن والتضحيات والتوق للحرية، وتنتهي عند انتصار المقاومة اللبنانية على العدو. هكذا رسموا الخطوط العريضة بغريزتهم الفطرية التي تستشعر مغزى أن يكون لك الوطن، ملفى وكرامة وحقوق وحرية، لقد ورثوا تلك الخطوط من دون تغليف أو غش بشعارات وتنظيرات لأجيالهم القادمة، نقلوها عبرنا نحن أولادهم، وسنحرص كما فعلوا أن نفعل وأكثر!

ثورة الأحرار لازم تنتصر

اليوم، في عصر الحروب التكنولوجية التدميرية حتى للقيم التي تسوقها العولمة، المقاومة اللبنانية تنتصر. هل يضير أحدكم القول أنها تنتصر؟

اليوم، يقف الجميع منا، شاء من شاء وأبى من أبى، عند مفترق طرقات عدة، البعض من الجمع ينكر الانتصار لاعتبارات لن نخوض فيها، والآخر يتحسس الخطى بعد حدوث الزلزال الجنوبي بنفس يشوبه التوجس والرعب من هول مشاهد دمار المباني والجسور والأحياء والقرى والبلدات اللبنانية، وكل ما خلفته الحرب من ضحايا مجاز «الهولوكست الصهيوني -الأميركي» في لبنان.

منظر يبعث على الخوف والرهبة والحزن وربما الانتقام. آخرون ينظرون لذات المشهد، ويدركون أين يطأون بأقدامهم، بعضهم يسرع الخطى وآخرون يتباطؤون مترددين وحائرين في تفسير تفاصيل ما جرى، ذلك شأن طبيعي، فالدمار والانتصار هائلان وقد يتسبب بالصدمة، أنهم يجيلون الأبصار باتجاه زوايا عدة، لاسيما وان أحلامهم لا تتوقف عند محطات الاستسلام لراحة البال والهدوء والسكينة والأمان المفتعل الذي يخترق يوميا بخطابات التهديد والوعيد البوشية «من بوش الابن»، تارة بشن حروب صليبية ضد الإرهاب، وأخرى ضد الفاشية الإسلامية والعقيدة الاستبدادية، أحلام يقظتهم تجاوزت هذا الواقع باتجاه المستقبل في مكان وزمن مختلفين تضللهما روح الكرامة الإنسانية والشجاعة التي افتقدها الإنسان العربي منذ زمن بعيد. ها هي المقاومة تعيد الأمور لنصابها الطبيعي ثانية.

تتقاطع الخطوط أو تتباعد بسبب الأفكار والمواقف والاهم من هذا وذاك المصالح النفعية، كل ذلك يستند إلى تجربة المرء منا ورؤيته لذاته ما إذا كانت «قزمة» أم «طويلة» أم «معتدلة»، فضلاً عن كيف تجد تلك الذات وجودها في خضم الجماعة، وما إذا كانت تستطيع التعايش والتسامح معها أو من دونها أو بالقضاء عليها. على النقيض من طرف آخر، هناك من يقف في منعطف مغاير في الموقف والرأي والتصور تجاه حق المقاومة وانتصارها، اعتقاداً منه بأنه أذكى المرسلين، وأعمق معرفة بمصالح الوطن ومستقبله! من حق الجميع أن يكون له رأي وموقف، فما عاد الزمن يسمح بالتسلط والقسر والقهر وممارسة أفعال السلوكيات الدكتاتورية بأي حال من الأحوال، والتاريخ لا يغفل، إنما يسجل بالقلم كل شاردة وواردة في زمن انتصار المقاومة اللبنانية!

مفارقات

ثمة مفارقة ستبقى حتماً حاضرة في الذهن وقتما يخلد أي منا للنوم واضعاً رأسه على الوسائد الناعمة في المساء، ليقارب أفعال عناصر الواقع ومعطياته وما خلفته على الإنسان العربي في أوطاننا، ويقارن ذلك مع الشعارات الزاهية للديمقراطية، وما تم التنظير له والترويج من مواقف وآراء وأفكار حلقت بالبعض منا إلى المدن الفاضلة التي سيتم تشييدها مع مجيء الدبابات الأميركية وصواريخها وبوارجها، يقارب كل ذلك مع مشاهد الأطفال المقطعة أوصالهم في مجازر العربدة الصهيونية، وغفوة هذه الطفلة وأحلام تلك التي لم تكتمل، ويد ذاك وأشلاؤه التي تسحب من تحت الأنقاض، وتلك الساكنة بلا حراك في عربة الطفولة بشعرها الكستنائي المنكوش والمغبر بحطام المبنى الذي وقع على جسدها الضئيل، تنام نومها الأبدي في عربة النزهة التي يتنزه فيها أطفالهم الأحياء في الحدائق والمنتزهات، وتذبح فيها صغارنا، ولنستحضر أنين الفقد الذي علا حسه على صوت أزيز الطائرات والقذائف. إنها مفارقات لا تمحى من الذاكرة بأستيكة تنظيرية نرجسية خاملة وغارقة في انعزالها، لا بل على النقيض ستخلف صدى صوتها عميقاً ضارباً في أعماقنا وجذور شعارات ثورة الأحرار التي لابد لها أن تنتصر.

طبعاً سيقفز من بين هذا المشهد وذاك السؤال الصعب ذاته الذي طالما كرروه على مسامعنا: «لماذا تكرهوننا؟».

إنها المعادلة الصعبة التي لا تحل برزمة الوعود الملفوفة بشرائط الموت الوردية، تلك التي تكذب وتبيد وتهجر الفلسطينيين واللبنانيين، وتتلوث يومياً بدماء الأطفال الأبرياء والأمهات والمدنيين العزل.

معادلة لا تفك رموزها السرية بالقتل والحقد والكراهية والشتم بالفاشية ولا الاتهام بالإرهاب، إذ سيظل واقع حال الشعوب المقهورة هو المتكفل والمعنى بالإجابة الفاصلة التي سيكتبها المقاومون الأحرار بدمائهم في دفاتر الأوطان، ذلك ما يستحضر سؤالاً آخر ملحاً في السياق بشأن الليبرالية العربية الجديدة «هل هذه حقاً الليبرالية الديمقراطية؟».

هل هي حقاً عدوة الإنسان؟ أتمنى أن يثبت الليبراليون العرب الجدد نقيض ذلك لشعوبنا الغاضبة

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً