شغل الصحف الأميركية مسار العدوان الإسرائيلي على لبنان وتداعيات الانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية وصمود الشعب اللبناني في وجه هذا العدوان فبعد أن كانت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قد «بشرت» بولادة قريبة لشرق أوسط جديد سيخرج من رحم لبنان المدمر تردد بعد أن وضعت الحرب أوزارها بنصر غير مسبوق على الجيش الذي لا يقهر... السؤال عن أي «مخاض» وعن «ولادة من؟» والجواب طبعاً عكس روح الإحباط واليأس التي تلبست قوات الاحتلال في الميدان. و«كرجت» الأسئلة بشأن مشروع بوش ورؤيته لتصل إلى حد السؤال عن مصير العلاقة بين أميركا و«إسرائيل»...
والأكثر إحباطاً كان ريتشارد كوهين في «واشنطن بوست» فقد رأى أن «مخاض الولادة انتهى» إلى الأبد، ليرد بذلك على تنبؤات رايس في وصف الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله. فقد أقر الكاتب الأميركي بنتائج مخاض هذه الولادة، الذي برأيه المختصر كان هزيمة الناس «الجيدين» وفوز «الأشرار» أو «الفاشيين الإسلاميين» كما يسميهم الرئيس بوش، وإذ يشير كوهين إلى أن هذه الولادة كانت صعبة جداً لا يتردد عن وصف هذه الحرب (العدوان) بأنها كانت قاسية ومؤلمة جداً بالنسبة إلى اللبنانيين، ليلاحظ أيضاً أنها لم تكن بالنزهة السهلة للإسرائيليين. وعلى رغم تأكيد الأخيرين أنه تم إضعاف قدرة حزب الله القتالية، فإنه لابد من ملاحظة أن سمعة الحزب كقوة مقاتلة برزت وتعززت في الشرق الأوسط، فحزب الله لم يصمد أمام جبروت القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة فحسب، وإنما لا يزال يحتفظ بالجنديين الأسيرين، الذين كانا سبب هذه الأزمة، هذا من غير معلومات عن مصيرهما أكانا أسيرين أم مقتولين. ويتذكر الكاتب الخيبة الأميركية في العراق ليلفت النظر إلى أن «إسرائيل» لم تتعلم بما فيه الكفاية من الأخطاء التي ارتكبها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في العراق وترويج صورة براقة فأميركا لاتزال غارقة في المستنقع العراقي حتى الآن ولا يبدو أنها ستخرج منه قبل وقت طويل. وعلى ما يبدو أنه بعد فوات الأوان تذكر المعلق الأميركي أن يلفت «إسرائيل» إلى أنها ارتكبت الخطأ نفسه عندما ردت بعنف على عملية الأسر التحريضية التي قام بها حزب الله، فالحروب الاستباقية لها قواعدها وأهمها أنها لا تبرر الخسائر الفادحة في الأرواح. ولكن كوهين برر الفشل الإسرائيلي في مواجهة حزب الله لأن «إسرائيل» والغرب عموماً، غير معتادين على مواجهة هذا النوع من الحروب غير التقليدية، حروب الأيديولوجيات التي لها نزعة دينية، فلا يمكن بأي شكل محاربة التفجيرات الانتحارية في شوارع العراق، وبعض الدول العربية العلمانية الأخرى! لذلك فإن الديمقراطية بحسب كوهين في خطر، وهنا بيت القصيد إذ تبين بعد خسارة «إسرائيل» الحرب أن ولادة الشرق الأوسط الجديد ليس ذلك الطفل الجميل، وإنما هو وحش مخيف ولمزيد من الترهيب يسأل الكاتب عن الذي سيحصل لو وصلت يدا هذا الوحش المخيف أي الشرق الأوسط للأسلحة النووية؟
ولاحظ ستيفن إيرلانغر من القدس في «نيويورك تايمز» أن حزب الله برز الآن كبطل أسطوري، ليس فقط في لبنان وإنما في العالم الإسلامي بأسره، بينما برز رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة غير قادر، أو لا يرغب، في طرح موضوع نزع سلاح حزب الله في الجنوب، كما يطالب القرار الدولي الذي أوقف هذه الحرب، زاعماً أن مجلس الأمن بذل ما في وسعه لتقديم مصالح لبنان ورفع سلطة ويد حزب الله عن هذه القطعة من الجنوب اللبناني على الحدود الإسرائيلية. وشدد على أن التحدي الحقيقي الآن لا يكمن في إصدار قرار دولي وإنما الالتزام الكامل بتطبيقه، مشيراً إلى أن «إسرائيل» لن تتسامح مجدداً مع أي خرق يرتكبه حزب الله على حدودها مع لبنان.
واعتبرت «واشنطن تايمز» أن «إسرائيل» تدخل اليوم في مرحلة جديدة تعد الأخطر على الإطلاق في تاريخها، فالنظام الإسلامي الأصولي في إيران يحكم بلداً يزيد عدد السكان فيه عشرة أضعاف حجم «إسرائيل»
العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ