حتى إذا توقفت أعمال العنف في العراق غداً ستظل المشكلات العنيفة التي تعصف بالاقتصاد قائمة.
فالفساد متفش والصناعات المملوكة للدولة تفتقر إلى الكفاءة ولم يكن للسيولة الكبيرة المتاحة دور يذكر في مساعدة المواطن العراقي العادي.
ومنذ الغزو في العام 2003 ارتفعت نسبة التضخم ليتراجع مستوى معيشة العراقيين فيما يتعايشون مع التفجيرات والعنف الطائفي الذي يسقط ضحيته مئة قتيل يومياً.
وتقول ندى (33 عاما) التي تعمل مساعدة في معمل تابع لوزارة الصحة بأجر شهري 200 ألف دينار (135 دولاراً) «ارتفعت أسعار كل شيء ولكن الأجور لم تتغير». ورفضت ندى ذكر اسم عائلتها وتضيف أنها تمضي أطول وقت ممكن في المنزل نتيجة ارتفاع أسعار البنزين في السوق السوداء وتقول: انها توقفت حتى عن الذهاب للعمل.
ويقول سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي إن الظروف الأمنية الصعبة سبب جذري للمشكلة. وأضاف في حديث أدلى به لرويترز في الآونة الأخيرة ان الأمن عامل شديد الأهمية.
ويقول عسكريون أميركيون إن العنف الطائفي دفع العراق لحافة الحرب الاهلية وان جهود اصلاح الاقتصاد العراقي لن تجدي من دون إعادة الاستقرار.
ولكن النجاح في استعادة الأمن يتطلب سياسات اقتصادية يمكن أن تساعد على توفير وظائف ورفع مستويات المعيشة وتخفيف حدة الفقر الذي يغذي أعمال العنف.
وقال المسئول بالسفارة الأميركية جيريميه بام في العراق «إذا حققت تلك التحركات (الامنية) الاخرى شيئاً من التقدم فسيتحول الاهتمام إلى الاقتصاد واذا لم نرس الاساس فسرعان ما سيكون ذلك الذريعة الرئيسية لعدم سير الأمور بشكل جيد». ويشير بام لإلغاء دائنين غربيين ديون العراق في العام الماضي لتسهيل عودته للمجتمع المالي العالمي على أنه دليل على حدوث تحسن.
كما يلقى العراق مساندة صندوق النقد الدولي الذي وافق على تقديم قرض مشروط قيمته 685 مليون دولار في ديسمبر/ كانون الأول العام 2005 وذكر الصندوق في وقت سابق من هذا الشهر ان العراق لايزال ماضياً على الطريق السليم.
لكن الصندوق انتقد بعنف ارتفاع الأسعار بنسبة 50 في المئة سنويا وحذّر من خطورة تدهور الاوضاع.
وتابع «لايزال التضخم.. مصدر قلق بالغ. مما لا شك فيه أن أعمال العنف المستمرة واضطراب الإمدادات في الاقتصاد غير النفطي سيواصلان الضغط على الأسعار». كما أن الفساد مشكلة أخرى رئيسية. وكشف فحص مالي اجري الأسبوع الماضي تحت إشراف الأمم المتحدة عن اخطاء في حساب إيرادات النفط في العراق في العام الماضي بمئات الملايين من الدولارات أو فقد هذه المبالغ.
وقال الشبيبي: ان هناك انشطة كثيرة في مجال التجارة والتمويل على عكس أنشطة الإنتاج وهو وضع غير صحي.
ومنذ سقوط أول قنبلة في الحرب التي اندلعت في العام 2003 هوى الاقتصاد في براثن حالة من الفوضى على رغم امتلاك العراق ثالث أكبر احتياطي نفطي وقوة عاملة على درجة عالية من التعليم ووفرة المياه وموارد أخرى ذات قيمة.
وساهمت العقوبات التي فرضت على بغداد بعد حرب الخليج الأولى في تفاقم مثالب النظام الاقتصادي إبان عهد الرئيس السابق صدّام حسين الذي يقوم على التحكم المركزي الصارم للدولة.
ويعمل في نقاط العبور موظفون من ست وزارات مختلفة وتحتاج وحدة من الجيش 14 توقيعاً اذا ارادت الحصول على وقود من وزارة النفط بدلاً من الاعتماد على الأميركيين.
وتريد حكومة رئيس الوزراء الجديد نور المالكي تغيير الأوضاع لكن تعترضها عقوبات هائلة. اذ ينبغي تمرير اي قوانين جديدة من خلال برلمان معاد للتغيير. وعلى رغم وجود أزمة أمنية وتراكم كم الهائل من الأعمال التي لم تنجز فقد أخذ البرلمان عطلة لمدة شهر كامل في أغسطس/ آب.
ونتيجة لذلك لم يحرز أي تقدم يذكر بشأن اقتراح الحكومة فتح الباب امام الواردات الاجنبية في قطاع الطاقة لتخفيف العجز المزمن في الوقود ومن ثم ارتفعت أسعار البنزين في السوق السوداء.
وتتفاقم حالة الاستياء نتيجة لذلك بل ان بعض الشركات اغلقت أبوابها والبعض الآخر يحاول الاستمرار.
ومنعم الخفجي العضو المنتدب في شركة الامين للتأمين احد رجال الأعمال الذين لم يغادروا بغداد ويواصل التأمين على المنازل والسيارات ضد الحريق والسرقة.
وتقتصر زيارات العملاء على سكان الحي او من خلال الانترنت والهاتف. ولكنه ذكر ان الأسعار لم ترتفع كثيرا ويتكلف التأمين على سيارة عائلية صغيرة نحو 4 في المئة من قيمتها سنويا بينما يمكن تغطية شحنات السلع من عمان الى بغداد مقابل دينارين لكل ألف دينار (67 سنتا) بحد أقصى 50 ألف دولار. وعلى الجانب الآخر فانه لا يقترب من الكثير من المخاطر ومن بينها أعمال العنف الجارية.
وقال: «نحن متحفظون جدا في بوالص التأمين لا نؤمن ضد الحرب أو الإرهاب. تغطية هذه المخاطر يتطلب أسعاراً باهظة جدا لا يطيقها أحد»
العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ