على رغم كل ما قيل عنها أو ما قد يقال الآن خصوصا بعد اطلاقها البومها الجديد الذي طال انتظاره «اسألني أنا»، تظل المغنية المصرية الشابة آمال ماهر واحدة من أفضل أصوات الطرب العربي وأقواها، ومطربة يشار إليها بالبنان، وتستحق كل تقدير واحترام، على الأقل لما توليه لنفسها ولفنها من احترام قل ان نجد نظيره بين الفنانات الشابات اليوم.
وآمال بدأت مذ كانت طفلة صغيرة، ومذ أن أطلق عليها لقب الطفلة المعجزة إذ بهرت الجمهور بتمكنها من إعادة تقديم بعض من أجمل أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم، بإتقان لا مثيل له.
بعدها ظلت آمال محافظة على أسلوبها الكلاسيكي ذاك، سواء عبر ما قدمته من أغان دينية أو أوبرالية أو حتى الأغاني العاطفية التي غنتها بألحان كلاسيكية هي غاية في الروعة، وأداء قوي هو غاية في الجمال.
البعض كان يرى أنها الصوت الغنائي العربي، والموهبة الشابة الوحيدة التي لا تزال قادرة على أن تجسد معنى الطرب الحقيقي وتصحح كثيرا من المفاهيم الغنائية السائدة.
اشتهرت من خلال اغنية تعتبر الاهم في تاريخها الفني القصير وهي اغنية سكن الليل التي يعتبرها كثيرون ما تبقى من الطرب الحقيقي! كذلك فإن محبيها اعتادوا منها الغناء الأوبرالي وهو ما يمثل لكثيرين فناً حقيقياً.
ما يحسب لآمال وما يجعلها مميزة أيضا هو اصرارها على الابتعاد والنأي بنفسها عن كل ما يدور في عالم الغناء العربي، وهو ما جعل منها الى جانب اتقانها الطرب والغناء عملة نادرة وفنانة مميزة قل أن يوجد لها مثيلاً بين جيلها من الشابات.
لذلك لا يستغرب أن يشكل ألبومها الأخير «اسألني أنا» صدمة لكثيرو من محبيها ومعجبيها، الذين وجدوا فيما احتواه من اغنيات خروجا عن نهجها المألوف، واتجاها لأساليب ونهج كثير من الأغاني الاستهلاكية التي تمتلئ بها شاشات الفضائيات العربية.
بالنسبة إلى هؤلاء اعتبر هذا الانحراف الفني من قبل آمال نوعاً من التنازل عن مكانتها المميزة وخطوة جريئة جدا لم تحسب أمال حسابها جيداً. بعض من معجبيها الغاضبين اتهموها بالخروج عن كلاسيكيتها المعتادة، أو بتعبير بعضهم، التمرد على تلك الكلاسيكية والثورة عليها. بينما وجد آخرون محاولتها الغنائية الجديدة خلعا لعباءة سيدة الغناء وتوجها نحو نهج الأغاني المبتذلة.
بعدها يأتي أول كليباتها الذي صورته لأغنية «ايه بينك وبينها» وهي احدى اغاني الألبوم الجديد، ليفتح ضدها جبهة جديدة. فآمال من وجهة نظر البعض، قدمت مزيداً من التنازلات في هذا الكليب، سواء في «اللوك» الذي ظهرت به، أو في الفكرة التي طرحها الكليب.
طبعاً لا يمكن لوم كثير من هؤلاء، فقد يكون دافعهم الخوف على الصورة المحترمة لهذه الفنانة، والخشية من ان تدفعها الرغبة في الانتشار للتنازل عن بعض مبادئها واحترامها لذاتها ولفنها. لكن على رغم كل شيء، فإنه، والحق يقال، إن مشاهدي الكليب لن يملكوا إلا أن يتسمروا امام روعة أدائها وقوة صوتها، وسط ساحة غنائية تمتلئ بكثير من الأصوات النكرة. ثم لا يمكن لأي ممن يتفرج على هذا الكليب الا ان يعجب بأسلوب تقديمه وعرضه، فالكليب يحوي قصة مؤثرة، لم تقدم بأسلوب مبتذل كعادة 99 في المئة من الكليبات التي تغزوا الشاشات، بل تحدثت عن مثلث حب تشترك فيه صديقتان ورجل هو زوج احداهما. لا ابتذال ولا تعري، كما هو سائد اليوم، والأجمل من كل ذلك الخاتمة التي تفضل فيها الصديقة صديقتها على نزوة تعيشها مع زوج هذه الصديقة.
لم تتعر آمال ولم تتنازل عن كثير من كلاسيكياتها، ولا يحق لأي طرف أيا كانت نواياه ودوافعه مصادرة حقها في الظهور بلوك جديد. ربما تغيرت ألحانها قليلاً لتشبه بعضا من الألحان الشبابية «الماشية اليومين دول»، ويمكن القول إنها عادت بصوغ جديد وأسلوب مختلف، وكما قالت في آخر لقاءاتها إنها حاولت من خلال هذا الألبوم الذي بذلت في اخراجه مجهوداً كبيراً، ان تحطم الصورة المرسومة لها وان تخلق صورة جديدة تصنع من خلالها، بحسب قولها، قاعدة انطلاق محددة المعالم في مسيرتها الفنية ذات كيان خاص بها بعيدا عن الشكل التقليدي الذي عرفها الناس به، في إشارة الى شكل الطفلة المعجزة!
يمكن أن يكون قد حدث كل ذلك لكن ألحان آمال وغناءها وأداءها ظلوا مميزين وظلت آمال عملاقة تطربنا، تسعدنا، وتهز أعماقنا، ويظل ما حدث ليس سوى ثورة على كلاسيكية آمال ماهر.
سارة محمد
العدد 1441 - الأربعاء 16 أغسطس 2006م الموافق 21 رجب 1427هـ