استغرب مجموعة من المدرسين تصرف أحد الطلبة في مادة التعبير بالمدرسة التي يدرّسون فيها، ما كان يؤدي إلى رسوبه دائماً. وعندما سألوا مُدرسه عن السبب في ذلك، ابتسم وأعطاهم عينة من مواضيع التعبير البسيطة التي يُكلف طلبة الفصل بها عادة. فوجدوا بأن الطالب المذكور كتب، مثلاً، عن «فصل الربيع» ما يلي: «فصل الربيع من أجمل الفصول في السنة تكثُر فيه المراعي الخضراء مما يتيح للجمل أن يشبع من تلك المراعي. والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، وهو سفينة الصحراء، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقه لأخرى، والجمل حيوان أليف... و... و...». ويستمر الطالب على هذه الطريقة في التغزل في الجمل وينسى الموضوع الرئيس في التعبير.
ظن المدرسون أن موضوع الربيع قد يكون قريباً من الجمل وارتباطه بالرعي ما دفع الطالب للخروج عن الموضوع قليلاً. فقال المدرس: حسناً، وماذا عن موضوع «الصناعات والتقنية في اليابان»، هل هو أيضاً قريب من الصحراء والجمل؟! تفضلوا اقرأوا ماذا كتب: «تشتهر اليابان بكثير من الصناعات ومنها السيارات، ولكن البدو يعتمدون في تنقلاتهم على الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، ويربي البدو الجمل فهو سفينة الصحراء فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقه لأخرى، والجمل حيوان أليف». فقال المدرسون، طيب هل هناك موضوع آخر لهذا الطالب لم يذكر فيه الجمل بمناسبة وبدون مناسبة؟ فقال المدرس: كلا، فكل موضوع يبدأ فيه بنصف سطر ينتهي بصفحات عن الجمل... وأقسم لكم أنه حتى في موضوع بعيد جداً عن الجَمل، وهو «الحاسب الآلي وفوائده»، هل تدرون ما كتب الطالب؟ اقرأوا معي رجاءً: «الحاسب الآلي جهاز مفيد يكثر في المدن ولا يوجد عند البدو، لأن البدو لديهم الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، وهو سفينة الصحراء، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقه لأخرى، والجمل حيوان أليف... و... و...». هل اقتنعتم الآن؟ فنظر إليه زملاؤه المدرسون وهم في حيرة فعلية وكل منهم ينظر للآخر.
فقال المدرس: والأغرب في هذا الأمر هي الشكوى التي تقدم بها الطالب للوزير إثر طلب الوزير التحقيق في هذه القضية. فكتب الطالب في خطاب الشكوى: «سعادة وزير التربية والتعليم... أقدم لمعاليكم تظلمي هذا وفيه أشتكي مدرس مادة التعبير لأني صبرت عليه صبر الجمل، والجمل يا سيدي، حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، وهو سفينة الصحراء فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقه لأخرى، والجمل حيوان أليف... وكما يعلم سعادتكم فإن الجمل يستمد طاقته من سنامه الذي يخزن فيه الكثير من الشحوم، أما عينا الجمل ففيها طبقة مزدوجة تحمي العينين من الرمال والعواصف. وآمل من سعادتكم النظر إلى تظلمي هذا وظلم المدرس لي مثلما ظُلم الجمل في عصرنا هذا بأكل كبدته في الفطور في جميع الوزارات والدوائر الحكومية! ولكم مني خالص الشكر والعرفان».
وهكذا البعض اليوم، فكلما حدثتهم عن حلول منطقية للقضية تُخرجنا من عنق الزجاجة التي أدخلنا البعض فيه، فلا نحن في الداخل ولا في الخارج، من أجل أن نعيد اللُحمة الأولى لجوانب الوطن مع قطف الشوائب التي رانت على العشب الأخضر طوال العام الماضي؛ تجدهم يتفقون معك على السطر الأول ولكنهم في السطر الثاني سرعان ما يكررون: «لكن الجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر»! وهنا يعقد الاستغراب ألسنة أهل الحكمة والرأي عن النطق ويُعجز عقولهم عن فهم منطق هؤلاء.فهل، واقعاً، أن ولاءهم للوطن بترابه وكيانه ووجوده وديمومة هذا الوجود والاستمرار في العيش المشترك، أم ولاؤهم فقط لموضوع واحد... كما هو حال الطالب العاشق للجمل البري الذي يستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر؟
والعجيب في الأمر أن الجمال لديهم توالدت فأنتجت جِمالاً أخرى ذات ألوان وأصناف مختلفة! ولهذا صار الحديث متشعباً عن وصف جِمال أخرى، وهم مازالوا يردون عليك بمنطق التعبير نفسه عند الطالب الذكي جداً! فيقولون: «وإن كانت جِمالُنا مسخ وليس لها طريق بهدف واضح كجمالكم؛ إلا أن الجمل حيوان أليف ويصبر على الجوع والعطش أياماً ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر». ولذا يبدو أن السبيل الوحيد، ولن تُعدم السُبل، للوصول إلى أمثال هؤلاء، كما فعل الرجل سريع البديهة عندما سأل أحدهم ما اسمك، فقال له نهر، واسم أبيك، فقال له: بحر، فرد عليه: إذن لا يمكن الوصول لكما إلا بقارب
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3468 - الإثنين 05 مارس 2012م الموافق 12 ربيع الثاني 1433هـ
الأستاذ محمد حميد السلمان
هو من اكثر الكتاب فصاحة من بين اللذين قرأت ليهم في حياتي كلها و ما اكثرهم ، في اللحظة ذاتها اللتي الاحظ وجود مقاله في الصحيفة الغراء ابدأ بقراته قبل المقالات جميعها ، و ادعوه للأستمرار في كتابة مقالاته اللتي ارجو ان تحظى بتقدير اكبر بكثير من الآن ، وهو بالطبع ما تستحقه.
والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً،
والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، وهو سفينة الصحراء، فهو ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقه لأخرى، والجمل حيوان أليف
بعيد عن المراعي الخضراء والبراري القفار
أستاذ محمد ،
هو وهاي وهيه هو هو
لقد عرفت الجمل بالصبور في مقالك وهو كذلك الله يعطينا صبر أيوب لأنه أكثر من صبر الجمل ، ولكن خفيت حقيقة عنه ، إذا عر وأراد الإنتقام نسي الصبر
وتكون الكارثة . رفقا بأهل الصبر وتحملهم الأذى
مقال أكثر من روعة..
مقال في غاية الروعة..وجمل أعور ما تهزك رياح التغير مستهجن منذ عقود لا يجد إلا السمع والطاعة هو الطريق في الحياة!!!.
سياسة من دودهك من طقك
هم ليسوا بنفس البساطة لأخينا صاحب عقدة مادة التعبير ، هؤلاء يقصدون شغلة (طنش) و (عمك أصمخ ) وكل السالفة عملية تضييع وقت لين الناس تبرد وتنسى ، بس أعتقد هالمرة حسبوها غلط لأن الهتك صاد الكل ، وهالمرة كبّار وعقّال القوم مو راضيين ، يعني بالعربي الفصيح ( لا مناص عن إحقاق الحق ) والأيام بتراوينا .