العدد 3467 - الأحد 04 مارس 2012م الموافق 11 ربيع الثاني 1433هـ

هؤلاء ليسوا ضيوفاً على الوطن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الدِّين، ليس هو الجامع في كلّ الأوطان. هذه قاعدة يجب النظر إليها بإمعان. ما يجمع الناس في بلدانهم، هو المواطنة والوطن ذاته. في العديد من الدول العربية، تتخيَّل الأغلبيات السكانية، والطوائفية، أن تعدادها الكمِّي هو الحَكَمُ في أن يكون هذا شريكي في الوطن أم لا. وهي معضلة شكَّلت على مدى التاريخ القريب، نقطة افتراق وخصومات اجتماعية كبيرة، هددت بحدوث فتق أهلي خطير، قد يدمِّر البلد، ويجعله أسيرًا لأفهام مغلوطة وخطيرة.

المسيحيون في العراق بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003 نُظِرَ إليهم بهذه الكيفية الساذجة، من قِبَل تنظيم القاعدة، الذي شمِلَهُم بفتاويه، مرة بالذمِّيَّة، ومرة بالكفر، فأوقع فيهم ضحايا كُثراً، على رغم أنهم عراقيون أبًا عن جَد. حصل ذلك للأزيديين والصابئة كذلك، حتى اضطرت قطاعات بشرية كبيرة من هؤلاء إلى الهجرة القسرية إلى دول الجوار كسورية وتركيا والأردن. وحصل جزءٌ من ذلك المآل في مصر، قبل وبعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عبر الاعتداء على المصريين الأقباط وكنائسهم وأديرتهم، على رغم أن هؤلاء الأقباط، هم أهل مصر الأصليين، قبل دخول الإسلام إليها، وشكلوا القوس الحضاري الأوسع لبلاد مصر.

هذا المنتظم الاجتماعي السلبي، قاد هذه الأقليات، وغيرها لأن تبدي خوفها من التغييرات السياسية، حتى ولو كانت تلك التغييرات تتم تحت شعارات ديمقراطية، ومكافحة الاستبداد. هذا الأمر يحصل الآن في سورية منذ أحد عشر شهرًا من الأزمة. فقد أبدت الأقليات في الشام كالمسيحيين والآشوريين تخوفًا من أيّ تغيير قد يأتي بعد انهيار نظام الأسد الدموي. وربما تعاطفت العديد من الممثليات المسيحية في العالم العربي كلبنان مع تلك التخوفات.

موضوع ارتباط الدين بالمسألة القومية أو الوطنية بات عبئًا على شعوب المنطقة. نعم، كان الدين في فترة من الفترات، وتحديداً خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، يشكل مقياسًا للحالة القومية. فقد كان الأسبان يُعرفون على أنهم كاثوليك، والروس على أنهم أرثوذكس. لكننا اليوم نعيش في العام 2012 وليس في العام 1712 بكل ما فيهما من متغيرات.

أكثر من ذلك، فإننا وعندما نرجع إلى التاريخ، سنجد مثلاً أنه وعلى سبيل المثال أن اللهجات المحلية في روما كانت بديلاً طبيعيّاً عن اللغة الإيطالية الأم، وأن النفوذ الفرنسي كان قويّاً في الغرب الألماني لدواع مختلفة، لكن كلّ ذلك، لم يكن ليشكل أسباباً وجيهة لأن يقع احتراب أصلاً بين الناس خلال تلك الفترة، نظرًا إلى فروق العقيدة، والاختلافات المذهبية المسيحية.

وعلى رغم أن الظرف الأوروبي حينها كان مختلفًا من الأساس، حين كانت حركة الإلغاء الإيرلندية بزعامة دانيال أوكونل، وحتى فيرغوس أوكونور، تعتمد على تصنيف احتلال على أساس ديني، وخصوصًا في إيرلندا الكاثوليكية، المستعمرة من قِبَل بريطانيا البروتستانتية، فإنها وفي الوقت نفسه حافظت على حركتها الوطنية من حيث التماسك والتنظيم، وعدم العبث بالمكونات الاجتماعية المغايرة، على رغم الاضطهاد الذي مارسه الانجليز بحق إيرلندا والإيرلنديين.

هذا الأمر مضى عليه الآن مئات السنين، مع استذكار الحالة الثقافية والتعليمية ووسائل الاتصال المتواضعة في ذلك الأوان. لكن إذا ما عكسناه على واقعنا اليوم؛ فإن المسألة يجب أن تختلف كليًا، وألا تتداعى الأعذار بلا عقل، أو أن تبسَّط الأمور، مع استحضار ما يشهده العالم اليوم من تطور في المدنية ومسيرة الدولة الحديثة، وما يصاحبها من مفاهيم المواطنة.

هذه المسألة يجب أن تحسَم، وهي باعتقادي مسئولية مزدوجة، فليس للأنظمة السياسية وحدها حصرية القيام بعمل مَّا تجاه ذلك، لأن جزءًا منها في الحقيقة متورطٌ أصلاً في تثوير تلك الغرائز، وإنما المجتمعات المدنية مطالبة، بأن تقول وتقوم بعمل الكثير لمعالجة ذلك الإشكال المفاهيمي والوطني والاجتماعي.

وإذا كانت هذه القوى والمجتمعات المدنية، التي تدعي اليوم، أنها تنتظم بشكل متقدم في مسارات ديمقراطية، تستوعب الجميع، فعليها أن تقيم وازنًا اجتماعيًا متقدمًا وسط الأحزاب التي تقودها، لتعيد تعريف الهوية السياسية للناس، وتمارس دور الراعي الأشمل للمكون الوطني، بدل الارتماء في أحضان الطوائف والعرقيات، وجرها إلى الفضاء العام للدولة والمجتمع.

إن هذه الأقليات التي يُستخف بها وزنًا وعلمًا وكيانًا اليوم، مارست دورًا رياديّاً في بلداننا، سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي. بل إن الكثيرين منهم قاد ثوارت حمراء، ومقاومات ضد المحتل الأجنبي، كما حصل في سورية والعراق. ولم تكن المسألة الدينية حاضرة لديهم أصلاً، على رغم أن المستعمر الفرنسي أو الانجليزي، كان يفتت المجتمعات العربية، على ذلك الأساس الديني البغيض، لتحقيق أكبر مدى في الانقسام بداخلها.

البوسنيون المسلمون قاتلوا الأتراك المسلمين عندما وصلوا «مستعمرين» إلى البلقان بشراسة منقطعة النظير. وبلاك جورج الصربي المسيحي ثار على الحكام الأتراك المحليين لفسادهم وطغيانهم في العام 1804 وليس إعلانًا للحرب على السلطان العثماني في تركيا. بل ربما ارتضى الصربيون والألبان واليونانيون مجتمعين في أواخر القرن التاسع عشر حكم علي باشا أو أسد جانينا بالمحدد «القومي» الذي كان قد استقر في إيبيروس، دون غضاضة. (راجع عصر، لـ هوبزباوم). وبالتالي، فإن المنتظم التاريخي الطبيعي لعلاقة الدين وأتباعه بالأوطان والمواطنة، هو مختلف عما يلوكه البعض في عالم اليوم.

الأمل معقود بأن تتبدل النظرة الضيقة للأقليات، وللأغيار بصورة عامة في عالمنا العربي والإسلامي. لأن ذلك إن حصل، سيزيد من متانة السلم الأهلي، وحتى أوضاع الأمن القومي داخل بلداننا

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3467 - الأحد 04 مارس 2012م الموافق 11 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:26 ص

      لصاحب المداخلة 1

      القضية تتعلق بمسألة حقوق الأقليات والطوائف . وهو امر يجب ان يلتفت اليه العرب والمسلمون

    • زائر 6 | 12:30 ص

      إذا أردت السبب ..!

      هذا الأمل لن يتحقق حسب وجهة نظري المتواضعة طالما شرذمة (المتعصبة) لكي لا أعمم ، فهم الفتيل الجاهز في كل أقطار العالم ، فأينما حلوا حل رحال التشرذم ، هم صنيعة الصهيونية العالمية لصرف الناس عن قضاياهم المفصليّة كفلسطين الحبيبة والتفرغ لتوافه الأمور ، استدرجوا الناس للمساجد وانتهبوا أرواحهم للعنف والكراهية

    • زائر 4 | 11:50 م

      الدين ليس كما تعتقد

      لما جيئ له بأموال اهل افريقيا رفض استقبالها وأمر بصرفها على اهل تلك البلدان وكذلك الما جائته من الطائف امر بصرفها على الفقراء وعلى المزارعين . اذن كانت في زمانه وفره في الانتاج وفائض في الميزانيه . اذن هو عالم اقتصادي أسلامي . أذا اردت ان تعرف الحق والباطل فأنظره في زمن امير المؤمنين علي . وكما قالت السيده فاطمه عليها السلام : وأمامتنا أمان من الفرقه . لانهم بيت العلم والسراط المستقيم . يكمل.....

    • زائر 3 | 11:42 م

      ألدين ليس كما تعتقد

      القصه مختصره : سئل الامام علي عليه السلام ، مالهذا القرآن يكذب بعضه بعضا ؟ فأجاب انما يصدق بعضه بعضا فسأل الرجل : مره يقول القرآن المشرق والمغرب ومره يقول المشرقين والمغربين ومره يقول المشارق والمغارب ؟ فأجاب المشرق والمغرب هو من هنى ومن هنى اشرق والغرب ومره يقول المشرقين والمغربين نعني مشرق الشتاء ومشرق الصيف وأما عن المشارق هو يعني ان الشمس لها في كل يوم مشرق ومغرب .أذن الرسول الامام له المام تام بعلم الفلك . يكمل .....

    • زائر 2 | 11:36 م

      الدين ليس كما تعتقد

      الدين ليس هو العبادات فقط وليس هو الافكار فقط وليس هو الوهم . انما الدين هو الواقع والحقيقه . الدين هو الدستور السياسي وألاجتماعي و العلمي والثقافي . وتحت ظله تعيش الناس أحرار وآمنين وسعداء اما الدين الذي لا تأتي منه الى الخزعبلات والعبادات الجوفاء والعبوديه العمياء فهذا دين مرفوض جمله وتفصيلا وحتى لوكان اصحابه بأسم ((مسلمين)) . ولا يوجد رسول ولا امام لا علم له الا بالعبادات ولك اخي قصه قصيره . يتبع ....

اقرأ ايضاً