تنبع متطلبات الإنسان من احتياجاته، حتى لو تأخر الإنسان في تلبية تلك الاحتياجات لظروف ما، فإنه لابد أن يأتي يوم وتنفجر به تلك الاحتياجات لتفرض نفسها عليه وعلى حراكه وعلى حياته.
فالحاجة إلى الإصلاح الجاد والحقيقي والجذري فرضت نفسها على الشعوب العربية فانطلقت تلك الشعوب بعنفوانها لتطالب بذلك الإصلاح ولتبدأ في تونس وتمر بمصر وليبيا وتتحرك في اليمن وسورية، ولتظهر في البحرين والأردن. وإن كانت مطالبات تلك الشعوب تختلف في مسمياتها وشعاراتها بعض الشيء إلا أن جميعها تهدف إلى إصلاح جذري حقيقي ينتهي بديمقراطية تجعل من الشعب سيد القرار. وإن كانت تونس هي البداية لهذا الحراك الشعبي فلا أخال النهاية إلا بمرور هذه الحركة بجميع الدول العربية وإن خفت شعلتها في وقت من الأوقات إلا أن ذلك لن يعدو كونه استراحة محارب من أجل مواصلة الدرب.
والشعب البحريني، وإن كان الأقل ثراء في منطقة الخليج، لكنه الأكثر حراكاً ووعياً والأول في التعليم وفي الكثير من الأمور كان هو في المقدمة. بل إنه يعتبر من الشعوب المتقدمة في المنطقة العربية بأكملها... أحس بحاجته إلى الإصلاح السياسي الحقيقي الذي ينتقل به إلى الديمقراطية وفق مبدأ «الشعب مصدر السلطات» والذي نص عليه دستور 73 ودستور 2002 فضلاً عن ميثاق العمل الوطني، فكل ما يجري حوله يؤكد حاجته لمثل هذا الإصلاح.
فما يجري حوله يبدأ من مجلس نواب قائم على أساس صوت مواطن في دائرة يساوي أصوات 21 مواطناً في دائرة أخرى، في إخلال واضح لمبدأ المساواة والعدالة والمواطنة المتساوية. مجلس نواب يستجوب الوزراء في غرف محكمة الإغلاق خوفاً على أي متورط بالفساد من الفضيحة، في وقت تنشر صور مواطنين ويشهر بهم وهم مازالوا متهمين لم تثبت عليهم أي جريمة. مجلس نواب يسقط فيه استجواب الوزير تبعاً لاسمه ومصلحة تجمعه مع نواب.
ويجري حوله أن قوات الأمن بحسب آخر التصريحات الرسمية يشكل الأجانب فيها نحو 40 في المئة، بينما تحرم طائفة من الشعب من العمل فيها لاسباب مبهمة. وعند التوصية بضرورة دمج الجميع فيها، يتحوّل الأمر إلى توظيف 500 شخص في شرطة المجتمع التي نكنّ لها ولدورها كل الاحترام، لكنها شرطة إصلاح ذات بين ليس لهم في التوصية مكان، فالتوصية كانت تؤكد على الدمج في جميع قوات الأمن بمختلف تشكيلاتها، دون استثناءات قائمة على الطائفية، يعني إذا كانت هناك دفعة ضباط مختلف تشكيلات الأمن يكون فيها على أقل تقدير 50 في المئة من هذه الطائفة. كل ذلك يؤكد أن الحراك الشعبي كان نتيجة الحاجة الماسة للإصلاح.
وأما ملف الأراضي فتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، فبينما يبحث المواطنون عن بيوت تسمى لدى الناس «قرقور» نظراً لصغرها، يتمتع متنفذون بأراضٍ دون دفع ثمنٍ لها في جميع مناطق البحرين يتعب الخيل من الركض فيها، وتوثق الاستيلاءات والمخالفات وتصمت الحكومة عن تطبيق القانون الذي تتغنى به ليلاً ونهاراً.
لن تطيل التفكير لتكتشف أن هناك ملفاً يتبع ملف الأراضي وهو ملف السواحل التي أصبحت ثروة خاصة رغم أنها ثروة عامة حسب الدستور ووفق كل المعايير العقلائية، ناهيك عن مليارات مهدورة لقيمة الرمال التي تشفط من البحر دون أن يكون لها رسوم، والعذر الحكومي بحسب وزير مجلسي الشورى والنواب «ما في قانون يفرض رسوم، وكأن الحكومة غير قادرة على إحالة مرسوم بقانون يقر خلال أيام، كما فعلتها في العشرات من القوانين».
إذا أضيف إلى كل هذه الملفات، ملفات أخرى منها الفقر والفساد المالي والإداري، ولا أعتقد أنك قادر على تعداد تلك الملفات في مقال أو مقالات لأنها موسوعة من الملفات التي تحتاج إلى علاج جذري، فضلاً عن الخلاف بشأن ملف التجنيس المعقد جداً.
كل ذلك يوصلك إلى نتيجة واحدة هي الحاجة الملحة للإصلاح الجاد والحقيقي والجذري، الذي يتفق عليه البحرينيون وفق مبدأ المواطنة والمساواة والعدالة
إقرأ أيضا لـ "مالك عبدالله"العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ
كلمة الاصلاح اصبحت مطاطية وقد تشبعت بها مسامعنا
لقد اصبح لدينا غثيان لكثرة ما نسمع هذه الكلمة ونرى العكس على ارض الواقع. الكلام الكثير وقلة العمل هو نوع من النفاق يؤسس الى احباط يتراكم في نفوس الناس ومن ثم يأتي اليوم الذي تنزع فيه الثقة ولا يعد اي تأثير للكلام فالمتحدث في وادي والناس في واد آخر
وذلك يؤسس لامور لا تحمد عقباها