«بابا... ليش يضربونا؟»... بداية، دعوني أعترف لكم وأنا بكامل قواي العقلية، وبكل شفافية، بأنني صعقت لهذه العبارة التي فاجأني بها البارحة ابني أحمد وهو الخجول والمسالم بطبعه، بعد أن اندس تحت اللحاف تدفؤاً بقربي.
لا أدري ما أقول ولا كيف أعترف في هذا الزمان الذي اختلطت به الاعترافات فلم نعد نعرف المزيّف منها أو المُجبر على قوله وتسجيله أو الحقيقي. إلا أنني أعترف بأن ابني أحمد ذا الثماني سنوات تغيرت طباعه وتصرفاته منذ عدة أشهر، فلم يعد يهتم بمشاهدة أفلام الكرتون التي كان يحبها، وخصوصاً النمر الوردي (بنك بانثر)! ولم يعد نومه طبيعياً؛ بل أصبح في كل يوم جديد وقبل أن يذهب إلى المدرسة يخرج أمام بيتنا مع إشراقة الشمس الأولى ليجمع علب الغازات المختلفة وقطع طلقات المطاط وبقايا الاحتكاكات الليلية في منطقتنا. ويبدأ يعدّ ما حصل عليه وهو يقول: شوف بابا البارحة ضربونا أكثر من أمس، حتى شوف بابا كم مطاطية وكم علبة جمعت. ويرفع رأسه وعينيه بهما انبلاجات دمعة وأسئلة بريئة ولكنها محيرة ومقلقة لطفل في مثل عمره: ليش بابا كل ليلة جذيه؟ ليش بابا يضربونا إحنا بالذات؟ مع أننا ما سوينا فيهم شي واحنه نحب كل الناس؟ ليش بابا لازم دموعنا تسيل كل ليلة واحنه ما عندنه مناسبة وفاة إمام ولا احنه في فاتحة؟
ليش كل ليلة لازم ننام كلنا في غرفة وحدة متزاحمين والبيت كبير وإذا سألتك، تقول علشان أحميكم من الدخان السام لا يؤذيكم؟ ليش بابا واحنه أطفال ما صرنا نقدر نلعب بره البيت أو في الحديقة مثل كل أطفال العالم؟ وليش أمي صادها ضيق تنفس قبل ليلتين وما قدرتوا تودونها الدختر القريب من البيت وغيرنا يقدر يسافر يتعالج بره بسهولة؟
ليش بابا ما تقدر تقول لهم يوقفون عن ضربنا لمدة أسبوع على الأقل علشان أقدر أروح عذاري وألعب فيها قبل ما أموت من الغازات مثل أختي الصغيرة حنان؟ عمرها ما كمّل تسع شهور وراحت عني؟ كنت أحب ألاعبها بس أرجع من المدرسة. وأحلى ما فيها كانت ضحكتها... وألحين ما فيه أحد ألاعبه غير هالعلب اللي ذبحت أختي حنان؟ حنان؟
ويبقى هكذا يردد اسم أخته... ثم أراه أحياناً وهو منزوٍ في ركن الغرفة ينهي واجباته المدرسية وإذا به يقفز أمامي فجأةً ترعبني لتوجسي من زوار الفجر طويلاً، وبيده كتابه وهو يقول: «شوف بابا شنو يدرسونا في التربية الوطنية: إذا سافرت إلى دولة عربية شقيقة والتقيت أحد أصدقائك هناك، فطلب إليك أن تحدّثه عن وطنك البحرين، فماذا تقول له؟ قولي بابا شقول له الحين؟ أبغيك تعلمني شقول له؟ وبعد شوف بابا في نشيد التربية الوطنية «وطني الغالي» شنو نقرأ: «وطني الغالي منذ حبوت منذ كبرت... علمني حباً وصفاءً)، والمدرسة ما علمتنا في هذا الكتاب أن يا وطني (املأني ضرباً ودخاناً)! فليش يعلمونه شي ويطبقون علينا شي غير؟ أبغي أفهم بابا قبل ما أموت.
بدأتُ فعلاً أخاف على ابني من ترديده لكلمة الموت أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة. وفي اليوم التالي عندما عاد من المدرسة أمسك بكتاب التربية الوطنية مرة أخرى، لأنه كان يعشقه كثيراً منذ دخل المدرسة الابتدائية، وقال: شوف بابا هذي الطائرة شنو مكتوب تحتها: تخيل أنك دُعيت ذات يوم لركوب طائرة مروحية والتحليق بها في سماء البحرين. عبّر شفوياً عما شاهدته من مناظر جميلة في هذه الرحلة. شنو أقول بابا هالأيام إني شاهدت في الديرة، شنو أكتب عن الناس في كل مكان لو ما أكتب شي وأسكت أحسن؟ فلم أعلم ماذا أقول له وأنا الذي ربيته على حب الوطن كعشق سرمدي وحب كل فرد في هذا الوطن كنظير لك في الخَلق أو أخ لك في الدين، بعيداً عن التحزّب والطائفية. ثم أردف أحمد قائلاً: بابا شوف هذا أحسن درس عندي، فقرأت في كتابه «نعيش في مملكة شعارها السلام وننهل من قرآننا سماحة الإسلام»، ثم صَمَتُّ، فلم يعجبه ذلك وبادرني متسائلاً: إذا كنا نعيش في سلام، مو قادر أفهم بابا ليش يضربونا كل ليلة بالدخان؟
وبعد بابا أنا أعرف بأني لازم أحافظ على ممتلكاتي الخاصة وممتلكات الآخرين ولا أعرضها للتلف. ففرحت لما قال، لكنه أعاد الكُرة لملعبي بقوله: هذا بعد من اللي درسناه في التربية الوطنية، لكن ليش هم ما يحافظون على ممتلكاتنا الخاصة بعد إذا يزورنه كل مرة في البيت؟ ذاك اليوم كسروا الكمبيوتر، وأنت تعرف بابا البارحة كسروا سيارة جارنه حجي عبدالله، مو هي ممتلكات خاصة وإلا لا؟ بابا... لا تفكر بأنني أقول جذيه لأني أكره المدرسة. لا بابا. أنا أحب المدرسة جداً، لكن ما أدري ليش مو كل اللي يعلمونا فيها يطبقونه علينا خارج المدرسة، قولي بابا؟ أموت واعرف ليش للحين يضربونا وما يرضون يسمعونه؟ احنه نحبهم وما سوينا فيهم شى عكس اللي يعلمونا إياه في المدرسة من حب بلادي... واحنه نحبها جداً ونبغي الخير لها؟ مو جذيه بابا.. وإلا أنا غلطان؟ ليش ساكت بابا وما ترد عليّ؟
أعترف بأن ابني احمد تغيّر كثيراً خلال أشهر فقط، ولا أعرف كيف أجيب على أسئلته حتى اللحظة! فهل من مُعين ومغيث ومجيب؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ
أسئلة تحيّرني كأب بحريني أضعها أمام ضمائرالمسئولين
ماذا سيحمل أطفالنا من ذكريات سيئة عما رأوه بأعينهم لم نستطيع نحن الكبار تحمله؟ و ماذا سيقولون لأولادهم من الأجيال القادمة؟ ما هو شعور طفل رأى بأم عينيه رجال الأمن وهم يقتحمون منزله بوحشية و قسوةٍ، و يكسرون كل شيئ في البيت، ثم يضربون أباه أمامه بكل قسوة و يأخذونه معهم إلى جهةٍ غير معلومة و قد سالت دماؤه و خارت قواه من الضرب؟ هل سيخرج مسئول عاقل حكيم شجاع يستطيع فعل شيئ يمحي هذه المشاهد من ذاكرة أطفالنا حتى لا يشوهوا صورة بلادهم عندما يكبرون؟ أين خبراء التربية واختصاصيي السلوك عما يحدث لأطفالنا؟
سؤال وجهه للي كان السبب
هذا السؤال يجيبك عليه رجال الامن والمتسببين في الشوارع ولا احد ينصحهم سؤاء من الكتاب او من اولياء امورهم
أدميت قلوبنا
أجبه يا أخي محمد كما كتبت في مقال رائع لك(صنع في البحرين) هذا يحدث فقط في البحرين لأنه صناعة بحرينية بإمتياز ، يبين الحكومة تحب اولادها واجد وعشان جدي تخنقهم وتضربهم . أدميت قلوبنا
لاحول ولا قوة الا بالله
قتلوا براءة الاطفال اطفالنه صاروا سياسين جهال اعمارهم على سنتين وخمس سنوات اقولون هتافات سياسيه
الله كريم
الله يكون في عون الجميع
بضيف على مقالك تعليق
عندنا في سترة اطفال بنوا قبور صغيرة وعليها مشموم ... ولما سألوهم ليش بنيتون قبور ... اجابوهم بكل بساطة لأن أحنا بعد بنموت نفس الشهداد علي جواد وغيرهم
أطفالنا كبار
عندما كان زوجي معتقلا.. كنا نبحث عنه في اي جهة معتقل هو.. خبرك يختطفون الناس.. فعند رجوعي للبيت يسألني ابني .. حصلتي بابا؟ اقول له .. يقول لي ليش ما تخبرين الشرطة يدورونه؟. قلت.. هم الي اعتقلوه.. يبكي بيأس ويسأل : شنو نسوي الحين؟ شنو نسوي ؟
قل لابنك
الحياة هكذا هي لها وجهان جميل و قبيح
لتكن في الوجه الجميل
مع الانبياء و المنصفين
و حاول ان يطغى الجميل على القبيح
لك الشكر والتقدير يااستاذ محمد
قد انهملت عيناي بدموع لااستطيع مواصلة قراءة موضوعك لا اتصور اي مئسول وطني في الدولة يقرأ الموضوع ولم يتألم الأ اذا قلبه حجر ، وطفل أحمد عينة من آلاف الأطفال يعانون نفس الشعور ... افا ياوطني
إذا عرف السبب بطل العجب
المشكلة هي القفز عن السبب الى النتيجة وسأل أبنك هو عن النتيجة و ياريت تذكر له السبب وكما قيل إذا عرف السبب بطل العجب .
كلنا احمد وحنان
كلنا احمد وحنان
الوعي المبكر يبن السلمان
التسالات الكبيره حتى لو كانت على لسان احمد الصغير تعكس حال من يعيش الازمه بزخمها اليومي والاجابه على المبهم من هذه التسائلات عند احمد ومن هم في سنه تظهر ماساة الوطن ولابد ان يجد احمد ردود لهذه التسائلات ليملى الخانات الفاضيه في مساحات تفكيره ويضع الوطن ومأساته في اطار محاط بعلامات الاستفهام يجترها الصغير لسنين الا ان يبلغ الحلم السياسي ويعي ما كان يدور حوله بلضبط حينما كان صغير ويفسر كل الطلاسم والرموز المبهمه التى حيرته سنين وهذا حال الاجيال التي سبقته وعاشت عذابات الوطن جيل بعد جيل..ديهي حر
صناعة وطنية
هذا دليل على اجتياز ابنك الامتحان لان الثقافة تغيرت واصبح الاطفال يتكلمون بلغة الكبار والظروف الامنيه هي من خلقت هكذا جيل وحال ابنك احمد هو حال الكثير من اطفال الوطن فلا تستغرب فالحكومه صنعت جيل غير جيلنا من حيث لا تدري
*** إطمئن يا استاذ ***
** أولا شكرا على موضوعك ،،، وولدك ليس الطفل الوحيد بل مثله الالاف ممن تغيرت أفكارهم .
وأكثب جهة مسئولة للرد عليه هي الجهات المختصة. أأمل قريبا أن نرى مملكتنا الغالية هادئة ، والانسان فيها مقدر و محترم .اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك .
لحظة
اكتب عن وطنك .. شنو يكتب .. اصلا هم ما يبغون يجون .. لان قمع وضرب في هالبلد .. مافيها امان