قال الباحث الكويتي أحمد الديين: «إنّ ما تعانيه الكويت من اختلالات يتطلب توافقاً وطنياً واجتماعياً بشأن أجندة للإصلاحات، ولعلّ الآلية المناسبة لتحقيق ذلك هي انعقاد مؤتمر وطني للإصلاح تشارك فيه مختلف الأطراف المعنية».
وأضاف في ورقته بشأن «الحاجة إلى الإصلاح في الكويت»: «يجب أن يبحث هذا المؤتمر محاور الإصلاح وقضايا التنمية ومشكلاتها وتحدياتها، ويحاول تشخيص الاختلالات والعلل، التي تعانيها الدولة والمجتمع الكويتي والاقتصاد الوطني، وصولاً إلى بلورة اقتراحات للحلول والمعالجات والبدائل».
وتابع الديين: «تعاني الكويت جملة من الاختلالات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي اختلالات لا يمكن تجاهلها، ولابد من البحث عن سبل جادة ومخارج واقعية لمعالجتها وإصلاحها».
وواصل: «يتركّز الاختلال السياسي في احتدام التعارض بين عقلية المشيخة وانفرادها بالسلطة من جهة، وبين مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة ومتطلبات التطور الديمقراطي للمجتمع الكويتي من جهة أخرى».
فيما أشار الديين إلى أن الاختلال الاقتصادي يتركز في البنية الاقتصادية الريعية ذات المورد الأحادي، وتأدية الاقتصاد الكويتي وظيفة متخلفة في إطار التقسيم الدولي للعمل تتمثّل في تصدير النفط الخام؛ بالإضافة إلى النهج الاقتصادي للقوى الاجتماعية المتنفذة وما أدى إليه هذا النهج من اختلال توازن البنية الاقتصادية لصالح القطاعات غير المنتجة والتطور الأحادي الجانب، وإعاقة نمو وتطور القوى المنتجة المادية والبشرية.
أما الاختلال الاجتماعي، فيبرز – بحسب الديين - من جهة في تنامي الهويات الصغرى والاستقطابات الفئوية والمناطقية والقبلية والطائفية على حساب الهوية الوطنية الكبرى، ويبرز من جهة أخرى في اختلال نسبة التركيبة السكانية بين المواطنين وغير المواطنين.
ويتضح اختلال النظام التعليمي، وفقاً للديين، في تخلف مناهج التعليم وضعف ارتباطها بمتطلبات المجتمع واحتياجاته، بالإضافة إلى تدني مستوى التعليم العام وفق الاختبارات الدولية، وضعف مستوى مخرجات التعليم العام والعالي.
وقال: «سبق للقوى الشعبية ممثلة في مجلس الأمة والتجمعات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني أن دعت إلى معالجة مثل هذه الاختلالات وتحقيق إصلاحات جدّيّة، مثلما هناك في المقابل وثائق رسمية دعت إلى معالجات وتحقيق إصلاحات، إلا أنّ وثائق الطرف الرسمي تجاهلت تماماً الحاجة إلى الإصلاح السياسي، الذي هو المدخل الرئيسي للإصلاحات الأخرى».
وأضاف: «هناك حاجة موضوعية ومتطلبات عملية لبلورة أجندة وطنية متوافق عليها للإصلاح، فالإصلاح لا يمكن أن يتحقق عفوياً، كما أنّه يتطلب بالتأكيد توافقاً وطنياً واجتماعياً حوله».
وواصل: «يمكن القول إنّ هناك إمكانات وفرصاً واسعة نسبياً لتحقيق الإصلاح في الكويت في حال جرى توظيفها وتمت تعبئتها لمثل هذه المهمة المستحقة».
وفي حديثه عن دعوات الإصلاح ومشروعاته، قال الديين: «يمكن رصد العديد من دعوات الإصلاح والمشروعات الإصلاحية والفعاليات والمؤتمرات التي استهدفت بلورة أجندات للإصلاح في المجالات المختلفة سواء على المستويين الشعبي أو الرسمي، ومن بينها برامج التجمعات السياسية، إذ انّ هناك العديد من الوثائق المهمة التي طرحتها التجمعات السياسية منذ بداية السبعينيات تضمنت دعوات لتبني نهج إصلاحي، التي تشكّل في مجموعها رؤى إصلاحية وطنية قدمتها التجمعات السياسية الكويتية، وتناولت فيها مختلف الاختلالات التي تعانيها البلاد كما تضمنّت اقتراحات ملموسة للإصلاحات المنشودة».
وأضاف: «هناك أيضاً وثائق مؤتمرات الإصلاح التي دعت إليها مؤسسات المجتمع المدني الكويتي، ووثائق الإصلاح الرسمية. ويلاحظ المطّلع على هذه الوثائق أنّ الوثائق الصادرة عن التجمعات السياسية الكويتية قد تطرقت إلى مختلف الاختلالات التي تعانيها الكويت، ولكنها في الغالب تناولتها كعناوين وقضايا ومطالب واقتراحات، من دون أن تربطها بخطوات عملية وسياسات وإجراءات ملموسة للتنفيذ».
وفي سياق حديثه عن الاختلالات السياسية واستحقاقات الإصلاح السياسي في الكويت، قال الديين: «لقد جرى تراجع ملحوظ عن مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، وتعرضت الحياة السياسية في البلاد إلى تشويه خطير وتدهور كبير، بحيث انسد عملياً أي أفق جدي للإصلاح والتغيير في إطار هذه الصيغة المشوهة».
وتابع: «إن ذلك يتطلب وقبل كل شيء إعادة الاعتبار مجدداً إلى مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة في الإطار الدستوري الديمقراطي بوصفها المهمة الوطنية الأساسية، التي يمكن أن تشكّل قاسماً مشتركاً بين مختلف القوى صاحبة المصلحة في إصلاح هذا الخلل السياسي الصارخ وتصحيح المسار وإقامة دولة المؤسسات والقانون».
واعتبر الديين أن للإصلاح السياسي الديمقراطي أولوية تسبق غيره من الإصلاحات المستحقة، إذ لا يمكن البدء بإصلاح الاقتصاد أو السعي نحو إصلاح التعليم أو إصلاح جهاز الإدارة الحكومية، من دون أن يكون هنالك بالأساس إصلاح سياسي على مستوى سلطة اتخاذ القرار في الدولة.
ولخص الديين خطوات الإصلاح السياسي المنشود في عدم المساس بالضمانات الديمقراطية الأساسية الواردة في دستور 1962، بوصفه دستور الحد الأدنى، ووضعها موضع التطبيق نصاً وروحاً، وتعزيزها وتوسيعها، وصولاً إلى دستور ديمقراطي برلماني، إضافة إلى احترام الحريات الشخصية وإطلاق الحريات والحقوق الديمقراطية الأساسية، وتأكيد مبادئ الفصل بين السلطات، والتعددية السياسية والحزبية، وتداول السلطة ديمقراطياً، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، وإشهار الأحزاب السياسية.
كما أكد الديين وفي الإطار نفسه، ضرورة ضمان حق الأفراد في الاحتكام مباشرة أمام المحكمة الدستورية، وإزالة القيود المفروضة على حق التقاضي أمام المحكمة الإدارية في قضايا الجنسية والإقامة والصحف ودور العبادة، وتوسيع القاعدة الانتخابية بتخفيض سن الناخب إلى 18 عاماً، وإلغاء وقف حقّ العسكريين في الانتخاب، والحد من الوصاية الحكومية المفروضة على مؤسسات المجتمع المدني، وتعديل القوانين المخلة بمبدأ استقلاليتها.
أما في حديثه عن الاختلالات الاقتصادية واستحقاقات الإصلاح الاقتصادي، فأكد الديين ضرورة تنويع وتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، بإقامة صناعة وطنية تعتمد على أحدث التقنيات، وتوفير الحماية والدعم لها باعتماد خطة تصنيع تتلاءم مع إمكانيات البلاد ومتطلبات السوق الداخلية والخليجية، وتسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
ودعا إلى ما وصفه بـ «الاستخدام العقلاني الرشيد وطويل الأمد» للثروة النفطية، وإبقائها بيد الدولة ورفض خصخصتها وصد الأبواب أمام سعي شركات النفط العالمية الكبرى لإعادة هيمنتها عليها تحت غطاء اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، وتنمية الموارد البشرية المحلية وتعبئتها، وتأهيل قوة العمل الوطنية والاعتماد عليها وعلى العمالة المستقرة من «البدون» والوافدين العاملين، وبالأساس منهم الخليجيون والعرب، بدلاً من جلب المزيد من العمالة الأجنبية الجديدة.
وشدد الديين على ضرورة تشجيع النشاطات الإنتاجية في القطاع الخاص، وتقديم التسهيلات والحوافز اللازمة كي يدخل القطاع الخاص في مجالات استثمار إنتاجية ذات مستويات تقنية عالية، ليسهم في إعادة البناء الاقتصادي وتوازنه، والأخذ بسياسة مالية ونقدية تستهدف تشجيع الاستثمار الإنتاجي؛ والحدّ من التضخم النقدي، والرقابة على القطاعين المالي والمصرفي وتجنّب محاولات فرض السيطرة الأجنبية عليهما.
كما أكد ضرورة إحداث إصلاح إداري شامل بحيث يتم تطوير الإدارة الحكومية لتكون في خدمة المواطنين والمجتمع، والحد من الفساد ومكافحته، من خلال سن قوانين وتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ووضع إجراءات وتدابير لمنع استغلال النفوذ، والكشف عن الذمة المالية لكبار المسئولين في الدولة، وتضارب المصالح، وفضح التجاوزات ومحاولات التطاول على المال العام ونهبه.
وفي جانب الاختلالات الاجتماعية، دعا الديين إلى وضع سياسة استخدام وطنية تتوجه نحو تأهيل قوى العمل الكويتية والاعتماد عليها، وخصوصاً في القطاعات الحيوية كالنفط وإنتاج الكهرباء والماء والصناعة، والاستفادة من غير محددي الجنسية بعد معالجة أوضاعهم، ومن العمالة الوافدة المستقرة، بدلاً من جلب المزيد من العمالة الوافدة الجديدة.
وأكد ضرورة تبني سياسة جادة واتخاذ إجراءات عملية لمعالجة إنسانية عادلة ونهائية لقضية غير محددي الجنسية (البدون)، وتحديداً الكويتيين البدون، واتخاذ إجراءات للتحكم في أعداد ونوعية العمالة الوافدة الجديدة، والعدد المسموح به لكل مؤسسة.
ودعا أيضاً إلى محاربة تجارة الإقامات، وتطوير قانون الإقامة ونظمه، وزيادة الكلفة الاقتصادية للعمالة الوافدة في القطاع الخاص، بتحميل أرباب العمل نفقات الخدمات الأساسية المقدمة لهم، مثل التعليم والعلاج، ورفع الحد الأدنى لأجورهم.
وعلى صعيد خلل النظام التعليمي، أكد الديين ضرورة إصلاح النظام التعليمي وتطويره، والعمل على ضمان جودته ورفع مستوى مخرجاته، وربط سياسة التعليم والنهج التربوي باحتياجات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد، وزيادة عدد معاهد التدريب المهني والتعليم الصناعي والتطبيقي وتنويع فروع التخصص فيها، والاهتمام بتطويرها لتخريج الكوادر الفنية الوطنية المطلوبة.
ودعا إلى رفع مستوى التعليم الإلزامي إلى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها في برامج التدريب والإعداد المهني، ومعالجة ظاهرة التسرب من مراحل التعليم المختلفة، وضمان استقلالية التعليم الجامعي والعالي وحرية البحث العلمي.
وشدد على ضرورة ربط البحث العلمي بالتطوير والإنتاج، وتحويل العلم إلى قوة منتجة، والاهتمام بتطوير التعليم النوعي لذوي الاحتياجات الخاصة، والتطوير المستمر للقدرات العلمية والمهنية للمعلمين، بما يضمن جودة التعليم
العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ