اعتبر الباحث عبدالمحسن هلال أن معوقات عملية الإصلاح في السعودية تتمثل باستمرار سيطرة التكوينات الطبقية التقليدية كالقبيلة والعشيرة والطائفة، وغياب برامج التوعية المجتمعية بالمفاهيم الحديثة للتنظيمات الاجتماعية المعاصرة، وعدم توافر إعلام حر يمكنه تقديم الأفكار الإصلاحية وتقريبها إلى أذهان العامة، ما أدى إلى تشوه مفهوم الانتماء والمواطنة لدى قطاع عريض من المواطنين، على حد تعبيره.
كما أشار هلال أيضاً، في ورقته بشأن «الإصلاح في السعودية»، إلى أن الاختلال البنيوي في نمط الإنتاج المعتمد علي رأسمالية الدولة والمراد منه خلق مجتمع الرفاهية، انتهى إلى تكريس مجتمع الاستهلاك، وقدم تنمية مشوهة وبيئة بيروقراطية غلفت الفساد بمشاريع التنمية الكبرى، تحت رعاية نخب متنفذة في مفاصل الدولة تعوق أية عملية إصلاحية.
وقال هلال: «إن من معوقات الإصلاح في السعودية، هي العدالة في توزيع مشاريع التنمية والثروة، ما كرس النظرة المناطقية وتسبب في تنامي الاحتقان الشعبي».
وأضاف ان المشاريع التنموية تمرر عادة ضمن صراع بين التيار الديني والتيار المدني، من دون إتاحة الفرصة لنقد هذه المشاريع، ما أدى إلى ترسخ ثقافة المنح مقابل ثقافة الحقوق، وثقافة التعيين مقابل ثقافة الانتخاب، وثقافة الغلو الديني مقابل ثقافة التسامح.
وتابع: «هناك أيضاً الصراع بين النخب بشقيها الديني والمدني من جهة وبين الاثنين والدولة من جهة أخرى. ومع كل الشعبية والانتشار الذي حظي به التيار الديني، إلا أنه لم يقدم برنامجا مستنيرا للإصلاح الاقتصادي والسياسي يكفل حقوق المواطن ويحمي مكتسباته وماله العام، وإنما اكتفى برفع شعارات دينية لا تنتقد صراحة ولا ضمنا الحكم المطلق».
وأشار هلال إلى أن إصلاح أي مجتمع، غاية يسعى إليها كل أفراده، وأن هناك خطوطا عامة وأولويات يتحتم الاتفاق عليها حفاظا على مصلحة الوطن بكل أطيافه. وقال: «ليست القضية هنا أغلبية وأكثرية، بل طلب عدالة اجتماعية تحقيقا للسلم الأهلي، ولا القضية تغيير هوية المجتمع أو تغريبه، إنما عمار للأرض، وهو فرض عين، وكيف سنعمرها من دون علوم عصرها؟!».
وأضاف: «القضية أن بلدا كبيرا يواجه تحديات كبيرة بوسائل وأفكار سياسية قديمة، وأن كل سبل النهوض مع الحفاظ على الانتماء الديني والهوية الوطنية متوافرة، هذه نقاط لا يختلف عليها صحوي أو ليبرالي، سني أو شيعي، ولا يجب أن يمانعها السياسي».
وأكد هلال أيضاً أن التوافق بين مطالب التيارات الدينية المستنيرة والمدنية المعتدلة ميسور وسبق تحققه أثناء فترة توالي إصدار البيانات، وأنه من الممكن تكراره إذا تخلى متطرفو كل طرف عن تطرفهم، وإذا آمنوا جميعا بأن مصلحة الوطن في توافقهم، على حد تعبيره.
وقال: «هناك قواسم مشتركة كثيرة يمكن العمل على تعظيمها وإضعاف نقاط الاختلاف القليلة، وهي موجودة ويجب الاعتراف بها والتعايش معها، وهناك شبه إجماع على إصلاح الأنظمة الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا هو الأهم».
وأضاف: «الخلاف بشأن دور علماء الدين في المجتمع ومجال عمل المرأة، وهو أمر يمكن التقريب فيه، ولا يمنع تبني مشروع وطني لأجندة إصلاحية شعبية مشتركة لتحديث الدولة وتهيئتها لخطوة التوحد مع جيرانها في الخليج، ولأخذ مكانها اللائق بين الأمم».
وأشار هلال، إلى إمكانية إجمال فرص تبني أجندة شعبية مشتركة كنواة لمشروع وطني عام للإصلاح في عدد من النقاط، أبرزها الرغبة الشعبية العارمة للانتقال إلى دولة مؤسسات حديثة، تدار بكفاءات شعبية متوافرة تنتظر الفرصة لخدمة وطنها، تقودها كفاءتها إلى المناصب الإدارية العليا لا حسبها ونسبها. كما أشار إلى طبقة متنورة ونشطة من علماء الدين ومثقفي البلد، يمكنهم مجتمعين تقديم بنود مشروع الإصلاح للقيادة، بضمان عدم المساس بثوابت الدين والهوية، وضمان حقوق جميع الأطياف والمذاهب الدينية.
وتطرق أيضاً إلى وجود الوفرة المالية التي تمكن من بدء مشاريع تنموية حقيقية عادلة وشاملة، ناهيك عن وجود رغبة سياسية للإصلاح من الممكن تسريع خطاها بطرح برنامج شعبي واضح ومحدد ومتفق عليه بين مختلف التيارات المتواجدة علي الساحة. وصنف هلال ثلاثة عناصر تتحكم بسيرورة ومسيرة عملية الإصلاح في المملكة، الرسمي والديني والمدني، ولكل أجندته، مشيراً إلى أنه بقليل من المواءمة يمكن رؤية المشترك بينهم لتبني مشروع وطني عام.
إلا أنه ختم حديثه بالقول: «قبل تبني المشروع الوطني، لابد للرسمي أن يقر بوجوب الإصلاح السياسي وبجدولة مواعيده وإعلان آلياته. ولابد للديني أن يقر بسماحة الدين الإسلامي تجاه كل مذاهبه وتجاه الآخر، وأن معاداة العصر ليست مبدأ إسلاميا لأنه دين كل عصر. ولابد للمدني أن يقر بمرحلية الإصلاح، وعليه انتظار أوان تحقق الملكية الدستورية، فالمرحلة الآن للمؤسسات الدستورية والمشاركة الشعبية في صنع القرار وفصل السلطات واستقلال القضاء»
العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ