العدد 3464 - الخميس 01 مارس 2012م الموافق 08 ربيع الثاني 1433هـ

إطار تصوري للانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية (1)

جين شارب comments [at] alwasatnews.com

فيلسوف متخصص في سياسة اللاعنف

كيف تستطيع الشعوب منع والقضاء على الأنظمة الدكتاتورية؟ شكلت هذه القضية جزءاً من اهتماماتي الرئيسية لسنوات عدة، حيث نبع هذا الاهتمام من إيماني بأنه لا يجب للبشرية أن تخضع وتسحق مصل هذه الأنظمة. وجاءت قراءاتي عن أهمية الحرية الإنسانية وطبيعة الأنظمة الدكتاتورية وخاصة قراءاتي لأرسطو والتحاليل التي كتبت حول النظام الاستبدادي (بالإضافة إلى تاريخ الأنظمة الدكتاتورية) وخاصة نظم الحكم النازي وحكم ستالين لتعزيز هذا الإيمان.

تعرفت خلال السنوات على أناس عانوا تحت الحكم النازي، حتى أن بعضهم نجوا من معسكرات الاعتقال النازية. ففي النرويج مثلا التقيت بأشخاص قاوموا الحكم الفاشي ونجوا منه ولكنهم سمعوا عن أشخاص لم يحالفهم الحظ وقضوا أثناء مقاومتهم للفاشية. تحدثت أيضاً مع يهود نجوا من براثن النازية ومع أشخاص ساعدوهم على النجاة.

جاءت معرفتي بالإرهاب الذي مارسته الأنظمة الشيوعية في عدة بلدان من الكتب أكثر منها من الاتصالات الشخصية، حيث تركت الممارسات أثراً لاذعا في نفسي لأن هذه الأنظمة كانت تفرض نفسها باسم التحرر من الاضطهاد والاستغلال.

أصبحت حقائق الأنظمة الدكتاتورية أكثر واقعية وذلك من خلال زيارة أشخاص في العقود الأخيرة الماضية من بلدان تحكمها أنظمة الدكتاتورية مثل بنما وبولندا وتشيلي والتبت وبورما. الأشخاص الذين حاربوا العدوان الشيوعي الصيني في التبت والروس الذين هزموا الانقلاب المتشدد الذي حصل في أغسطس/ آب العام 1991 والتايلنديون الذين منعوا العودة إلى الحكم العسكري باستخدام النضال اللاعنيف، هذه الحقائق تركت وقعا مزعجا في نفسي عن الطبيعة الماكرة ولهذه الأنظمة الدكتاتورية.

الشعور بالرثاء ضد الممارسات الوحشية، والشعور بالإعجاب برزانة بطولة الرجال والنساء شجعته أحياناً زيارات إلى أماكن كانت المخاطر الكبيرة لاتزال تحدق بها، لكن شجاعة التحدي من قبل الأشخاص استمرت، تمثلت هذه الأماكن ببلدان مثل بنما ونيجيريا ومدينة فيلنيس في لتوانيا التي عانت من القمع السوفياتي المستمر وساحة تيانامن في بكين خلال التظاهرات الاحتفالية بالحرية حيث دخلت أول ناقلات الجنود المدرعة في تلك الليلة، المصيرية، ومراكز قيادة المعارضة الديمقراطية في غابات مانربلو في بورما الحرة.

قمت أحيانا بزيارة مواقع الذين سقطوا مثل برج التلفزيون ومقبرة فيلنيس في لتوانيا والحديقة العامة في ربغا (في لاتفيا) حيث أطلقت الأعيرة النارية على الناس لتقتلهم، ومركز فراري في شمال إيطاليا حيث قتل الفاشيون المقاومين، والمقبرة المتواضعة في مانربلو الممتلئة بأجساد الرجال الذين قتلوا وهم في مقتبل العمر. الحقيقة المرة أن نشوء الأنظمة الدكتاتورية لا يخلف إلا الموت والدمار.

من هنا ومن منطلق اهتماماتي وخبراتي نشأ لدي أمل راسخ بأن هناك سبيلا لمنع الظلم، وأن هناك سبيلا للنضال ضد الأنظمة الدكتاتورية بنجاح دون اللجوء إلى الذبح المتبادل، وأنه يمكن القضاء على الأنظمة الدكتاتورية ومنع نشوء دكتاتوريات جديدة من النهوض من جديد.

حاولت أن أفكر مليا وبحذر خلال العديد من السنوات في أكثر السبل نجاعة في تفكيك الأنظمة الدكتاتورية بأقل الخسائر في المعاناة والأرواح، وعليه قمت بعمل دراسات للأنظمة الدكتاتورية وحركات المقاومة والثورات والفكر السياسي وأنظمة الحكم، وخاصة النضال اللاعنيف الواقعي.

جاء هذا العمل نتيجة لهذه الدراسات، وبالرغم من علمي بأنه بعيد عن التمتع بصفة الكمال إلا أنه ربما يقدم بعض الإرشادات للمساعدة في التفكير والتخطيط لإنتاج حركات تحرر أقوى وأكثر تأثيراً مما قد يكون عليه الحال.

يركز هذا العمل على المشكلة العامة وهي كيفية القضاء على النظام الدكتاتوري ومنع قيام دكتاتوري جديد، حيث جاء هذا التركيز من منطلق الضرورة ومن منطلق الخيار المتعمد. لا أملك الكفاءة على إصدار تحليل مفصل أو عمل وصفة لبلد معين، ولكنني آمل أن يعود هذا التحليل العام بالفائدة على الشعوب التي تواجه حقائق الحكم الدكتاتوري، وهي لسوء الحظ كثيرة. على هذه الشعوب أن تختبر مدى صلاحية تطابق هذا التحليل والتوصيات الرئيسية التي يطرحها على أوضاعهم وعلى نضالهم من أجل التحرر.

لا يجب تفسير هذا التحليل على أنه يعني أنه بانتهاء نظام دكتاتوري معين تنتهي جميع المشاكل، حيث ان سقوط نظام معين لا يخلق المدينة الفاضلة بل أنه يفتح المجال أمام جهود طويلة لبناء علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية عادلة وإلى القضاء على أشكال اللاعدالة والاضطهاد الأخرى

إقرأ أيضا لـ "جين شارب"

العدد 3464 - الخميس 01 مارس 2012م الموافق 08 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً