لم تكن أبداً كغيرها، كانت هيَ التي تتفنن في تصرفاتها، في كلامها، في حلاوة أيامها... تعانق الجرح من أجل إبعاده عنا، تسترسل في الكلام بحثاً عمّا يشفي غليل قلوبنا... تحاول جاهدة بجعل الأيام كلها ضحك وفرح علينا... لكنها مَدرَسَة... وأستاذة في الوقت نفسه...!
كيف لها أن تكون كل شيء ولكنها واحدة!... إنها حقاً قوية وثابتة العزم... إنها متيقنة فيما تفعل، وأرى في وجهها روح تتفنن في تربيتها الشاقة!... هي كل شيء؟
ماذا كل شيء؟ مثل ماذا؟... أقصد أنها طبيبة، مربية، أستاذة، عالمة للنفس هي بالأحرى كل شيء... ولكن تبقى هي الأم!
نعم هي الأم... هيَ من تعبت وكافحت وتكفلت في سهرها وتربيتها لأبنائها، صباحاً ومساءً... هيَ من حملت في بطنها أبناءها تسعة أشهر وسهرت ليلاً ولم تنم نهاراً من أجل أن ترى من تكبدت بالعناء من أجلهم يكبرون وينمون وتحملت مشقة تعب الحياة!... هي من تألمت في حملها، هي من تأملت وتحملت تعبنا في مرضنا وفي لعبنا مع الأطفال من حولنا وأصدقائنا، هيَ بالأصل صديقتنا وتحمل أسرارنا وقت ضيقنا، هيَ من تمسح الدموع في وقت جرحنا وخصوصاً وقت طفولتنا الشقية... هيَ، آهٍ لو كتبت وقلتُ من الآن واتسعت الأسطر في شرح ما تقوم بهِ هذهِ الأم فلن أفني في حقها وتعبها وكبد عنائها... إنها بالفعل أستاذة، نعم أستاذة ومربية للأجيال!
أعدت شعوباً بتعلميها وتربيتها الشاقة التي تكبدت فيها العناء، هي أستاذة ولكنها لا تحمل أي شهادة جامعية، هي أستاذة ولكنها لم تدرُس في مدرسة أو جامعة... هيَ لم تزُرْ معلماً يشرح لها كيف أن تكون أمّاً صالحة وقوية... هيَ بحوزتها شهادة الحياة، تعمل وتجهد من أجل بناء شعب راقٍ ومثقف... نعم هي أم وأستاذة في الوقت نفسه، ومدرسة تضم مجموعة من الأبناء الطلبة... تحافظ عليهم كما تحافظ على عينيها من الجرح والألم، تتقاسم طعامها معهم والأهم في ذلك أن يأكلوا ويشبعوا بطونهم قبل أن تتلذذ بالأكل، هيَ مثقفة، تعلمهم كل ثقافات الحياة من دين وتربية... هي باختصار روضة أو بستان، هي جنة!... هي أرضٌ خضراء كلما رُوِيت بالماء ازدادت إخضراراً...! ما أعظمكِ يا أمي...
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنَِ»... وكذلك الحديث الذي فيه «الجنةُ تحت أقدام الأمهات»... ولم يكذب حينها شكسبير في قوله «ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضن الأم»...!
ولذلك فللأمهات حقوقٌ على أبنائها!... نعم للأم حقوقٌ كما للأبناء حقوقٌ على والديهما، فحقوق الأبناء هي التربية والتنشئة الصالحة والخلق والإرشاد والنصح والإطعام واللباس وتأمين المستقبل لهم في الدراسة والأمن والأمان والدعاء لهم بالهداية والمعاملة الطيبة دون تمييز والمشاركة في الحوار... فهكذا هيَ الأم تمارس دورها في نمو أبنائها أولاداً إلى رجال وبناتٍ إلى نساء... وتنشئ جيلاً راقياً مثقفاً وواعياً...
فكم أنتِ عظيمة يا أيتها الأم!
إسراء سيف
المتدفق من قلبكِ المليء بالحب والوفا
أمي كم سهرتِ الليالي الطويلــة
لأجل تربيتي ونشأتي بالعطف والدفء
أنا في حُبكِ الكبير أموت واحيا
كيف لي ان أنساكِ فعلى الدنيا العفــا
عند تأخري عند حزني تقلقيــن
ما أعظم قلبكِ يا امي المنقى بالصفا
أمي أنتِ النبض أنتِ الحيـــاة
أنتِ لهيبُ الحنان بالأشواقِ قد أنطفأ
دُعائكِ المستمر لي وخوفكِ علي
هذا هو بلسم الحب الطاهر لي والشفا
وصلتُ الى اعلى المراتب بالعلمِ
بفضلكِ الذي لا يمكنُ لهُ ابداً أن ينخفي
لن أجد في الحياة مثل حُب أمي
فهي ماء هذا الكون المظلم إذا جفـــا
أمي مدرستي الأولى وحبيبتي فقط
وكرُ اسراري وقلبي ومجنداتَ الخفـا
ميرزا إبراهيم سرور
لفترة غير قصيرة كنا نعتقد أن هناك بديهيات ومسلّمات وثوابت لا يمكن الجدل فيها أو القفز عليها أو التفكير في مدى صحتها، تماماً كالتوحيد وطلوع الشمس من الشرق، ولكننا صرنا نتفاجأ كل يوم بمن يحاول نسف هذه البديهية وزلزلة أركان ما نعتقد بالتجني تارة وبمحاولة الاستغفال أو «الاستحمار» تارة أخرى...
وكنا أيضاً عندما نجد لقب بروفيسور أو دكتور أو (مفكر) أمام تصريح أو مقال، فإننا نلغي عقولنا ونجمد ذاكرتنا مصدقين ومؤمنين بما يقولون ويُؤوِّلون وينظِّرون، إذ إن صفة أو لقب «مفكّر» تعطي صاحبها حصانة وقداسة (كالنبوة)، ولكننا منذ بدأنا (تشغيل) عقولنا وتحريك مدراكنا واستفزاز وعينا... فهمنا أنه حتى الفيلسوف والمفكر وغيرهما يمكن أن تتسلط عليه غريزة العنصرية أو الطائفية أو (الدولارية) بحيث ينظّرون ويحللّون و(يوَحون) وهم تحت تأثير كأس الغريزة اللعينة وتحت مفعول الشعور بأنهم (مفكرون) فهم مركز الكون ومصبّ الحقائق!
عندما نسمع ونقرأ لهؤلاء نظل نضرب أخماس في أسداس بين أن نصدّقهم أو نصدّق عقولنا! ربما لو كنا (مفكرين) مثلهم أو على الأقل كتاباً أو نحظى بفتات علمهم وثقافتهم لربما أمكننا أن نقارع ونجادل ونحن على منصاتهم وفي بروجهم ولكن تلك ثقة مفرطة بالنفس (وهي في غير محلها) ذاك الذي يدفع قارئاً عادياً لأن يتجرّأ على الرد أو التعليق على تصريح أو مقال لمفكّر (أي مفكر)، غير أن عزاءنا أن كلماتنا لن تصله، وإن وصلته لن يقرأها وإن قرأها سيضحك! هذا أولاً، أما الأمر الآخر فإنه كما يقال توضيح الواضحات... من أشكل المشكلات!
نفهم أن المفكر يحمل رؤية قيّمة وبصيرة نافذة وطرحاً تنويرياً يدفع به المجتمع إلى سبل الخير والأمل، ويتعالى بها عن التموضع تحت سطوة العرق أو القومية أو الطائفة، وإلا فأي فكر يتلوّث بطائفية أو عنصرية لا يصبح فكراً وإنما أفكار تحمل بذور التفجير في أحشائها لأنها تنطلق من منطلق عصبية وعدائية مسبقة ونظرة استئصال... حتى وإن تلبّست بلبوس الوعظ والمناصحة.
إن محاولة فرض الرأي والفكرة باستجلاب حوادث لا رابط بينها وإقحامها عنوة في سياق الحدث للتدليل أو التضليل... (سيان)! لا يجب أن يكون دأب (مفكر) ينظر للأمور بعيون وعقل أوسع وأكبر من غيره ليستغفل المشدوهين والمصفّقين. يقول (علي حرب) في «أوهام النخبة» (إن مهمة المفكر أن يعمل بخصوصية وأن يُظهر ميزته كمنتج للأفكار، وهذه المهمة تتطلب من رجل الفكر أن يتحرّر من أوهامه الإيديولوجية وتهويماته التحريرية، بمقاومته الشخوص التي تقبع في عقله وتعرقل مهمته،... على المثقف أن يتخلّى عن دور الشرطي العقائدي إذا أراد أن يحسن قراءة الأحداث. ويقول في مكان آخر، إن انتماءه - (المفكر) - ينبغي أن يكون في المقام الأول إلى مجال عمله وهو الفكر قبل انتمائه إلى معتقده أو قومه أو تراثه) انتهى.
عندما يعجز الكاتب ويفشل المفكر في تشخيص داء المجتمع وتحديد وصفة الدواء أو العلاج، بل ويلبسان لباس السياسي ورجل الأمن، عندها يفقد الفكر قيمته وأثره ويتحوّل إلى مركبات كيميائية تثير الفزع أو القلق في النفوس!
جابر علي
إليكِ يا راحِلةً إلى العُليا وفي الروحْ اشتِعال... جَلسْت اقَلب أوراقِي... لقيتُ ماضينا... بَكتْ عيني، وروحي على بيتٍ جَمعنا على ذِكرَى لطالَما كانَت من أروَع الذِكرياتْ
لا تَكفْيك دِموع قَلبي، لكنكِ الذْكرى الّتي سَتبقى طول الزمن، سَتظل عيناي تبكيك حتى الدّمع الأخيرْ...
يَحتَضِر كَياني ويَنعَصِر قَلبي وأنا أسمَع تمْتمات جَدي بِفُقدانِك «عِندما تَعجَز النَفس عَن لِقاء الأحبة فإنها تَشتاق إليهم في مرارةٍ وَصمتٍ مُؤلِم...»
رحمكِ الله جَدتي وأدخَلك فَسيح جَناتِه...
غالِيَتي... أفْتَقدكِ... أحُن إليكِ...
حَقاً افتَقِدكِ
حَفيدتكِ زَهراءْ
العدد 3464 - الخميس 01 مارس 2012م الموافق 08 ربيع الثاني 1433هـ