قبل أسبوعين من الآن وقع حادث سيرٍ مأساوي. مكان الحادث، كان عند حاجز جبع العسكري بالقرب من مدينة رام الله الفلسطينية، عندما اصطدمت شاحنة كبيرة بحافلة مدرسة، تقلّ عددًا من الأطفال الفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى انفجار الحافلة، ومقتل عشرة أطفال في مكان الحادث، وإصابة عشرين آخرين، وُصِفَت جراح ثمانية منهم بالخطيرة. هذه تفاصيل الحادث الدموي ميدانيًا وفنيًا.
أما عن تفاصيله الأخرى، فلا شيء أحق بالاستذكار، إلاَّ ما أظهرته المشاعر الصهيونية الحاقدة، تجاه هؤلاء الأطفال المتوفيْن. فعندما نشَرَ موقع (واللا) الالكتروني الخبر المأساوي، تحدث عددٌ من المعلقين الصهاينة على الخبر، بطريقة فجَّة، وعنصرية، وبذيئة، وذِئبيَّة، تعكس مدى الانحطاط الأخلاقي لدى هؤلاء وللصهيونية ومنتسبيها تجاه الأغيار، بل وموقفها الحقيقي من الموت والحياة، ومن القيم الإنسانية، وسلامة الضمير وحِسِّه تجاه الحوادث. ذكر ذلك، الموقع الإخباري لعرب الداخل، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قال أحد المعلقين الصهاينة: (اهدأوا... هؤلاء أطفال فلسطينيون، وكما يبدو انهم أطفال فلسطينيون، مبارك الرب، مبارك الرب، فهم فلسطينيون). قال آخر: (حسنًا، مخربون أقل، والمصابون فقط أطفال فلسطينيون وهم 10 تقريبًا، حمدًا لله فهم فلسطينيون، ليكن في كل يوم حافلة كهذه، صَلوا ليكون القتلى أكثر، وعدد المصابين بحالة موت سريري أقل، أجمل نبأ لبدء نهاية الأسبوع). بينما علق آخرون بالتأييد لما قيل بوضع كلمة (like).
هذا الحقد الأعمى، يعكس ثقافة هذه الجماعات والكيانات. هذا الحقد بدا أنه التعبير الأصدق لمداه، ولأخلاق أصحابه. فالمعركة الشعواء، التي يقودها أو يتبارز فيها مُحارب باسل، يُظهِرُ فيها أقصى ما يملك من قوة وشجاعة، تبقى المعيار الحقيقي لتلك القوة ولتلك الشجاعة التي يمتلكها. وعندما يُمتحَن طالبٌ في فصل دراسي أكاديمي، فيه من التحدي الذهني الكثير، فإنه يصبح بمثابة التعبير الأصدق لمستوى ذكاء ذلك الطالب، ومدى تفوقه على أقرانه.
هذا الأمر، ينطبق بالتحديد على المعلقين الصهاينة ممن استولى الحقد على قلوبهم وضمائرهم. فهم أبدوا أقصى وأقوى ما يملكون من مشاعر هابطة تجاه أرَق وأضعف قيمة إنسانية، وهي الطفولة وبراءتها. وهم في هذا، يكونون أكثر النماذج البشرية حملاً للكراهية والعنصرية، والرغبة في الانتقام، والتحريض على القتل، بطريقة حيوانية، يفوقون فيها جميع الأمم والشعوب والجماعات المتساكنة مع بعضها.
وبما أن نسبة المتعلمين في الكيان الصهيوني تفوق الـ 95 في المئة، وشبكة الانترنت تغطي أراضي فلسطين المحتلة كلها، ويستخدمها السواد الأعظم إن لم يكن كل الصهاينة، فهذا يعني، أن هؤلاء ينتسبون إلى الطبقة النابهة والمدركة لتصرفاتها، وبالتالي لا عذر لهؤلاء، لا من ناحية الجهل، ولا من ناحية الإدراك، لأبسط أمور الحياة، التي يتمتع بها أيّ رجل يصح أن يقال عنه انه مسئول عن أفعاله. وهو أمر يجعله مساءلا أمام قانوني السماء والأرض بالسواء.
ثم إن هذا الخطاب لم يكن ليصدر، لو لم يكن له رعاية من قمة الهرم داخل الدولة العبرية. فهم يمارسون العنصرية بشتى طرقها، سواء في الإعلام أو في المراكز التربوية. انظروا ما يقوله هذا النص، المدوَّن في أحد الكتب المدرسية في الكيان الصهيوني والذي ذكره إيلي فودا في دراسته عن المناهج الدراسية الصهيونية: إن اليهود حين شرعوا في بناء هذه المستوطنة، كان بقربها قرية يقطنها العرب، وجوههم صفراء، والذباب على وجوههم ولا يحاولون طرده، وكثير من العرب كانوا عمياناً، يمشون وهم يُمسكون أيدي بعضهم البعض، أما الأطفال فكانوا حفاة، بطونهم منفوخة من الأمراض وآثار لسعات حشرات الصحراء بادية على مناطق عديدة من أجسادهم شبه العارية». هل هذه إنسانية؟!
هذه ثقافة خطيرة، لاكتها الصهيونية، وخلطتها بشئون السياسة، ليستقر بها الحال، على الرقص بلا تورُّع فوق أجساد الضحايا. هم لا يُدركون، أن تاريخ الاضطهاد اليهودي، لم يقم به العرب، ولا المسلمون، وإنما قامت به المسيحية السياسية الأوروبية، عندما مَنزَلَت اليهود طبقات، ووضعتهم في غيتوات معزولة، لا يُشاركون بقية الناس من الشعوب الأوروبية ما هم فيه، قبل أن تأتي الثورة الفرنسية، وتنصفهم. ثم لتأتي النازية في ألمانيا الرايخ الثالث في ثلاثينيات القرن المنصرف، وتقيم لهم محارق جماعية، أدت إلى مقتل ما لا يحصى منهم، وهو ما يعرف اليوم بمحرقة الهولوكوست، وهجرة الآلاف منهم باتجاه الغرب.
هم اليوم (الصهاينة) يفتحون معارك في المكان الخطأ، ومع القيم الخطأ، فضلاً عن فتحها مع الشعوب الأقل عنفًا ودموية، والأقل تورطًا في الصراع معهم تاريخيًا، لولا وقوع قضية الصراع في الشرق الأوسط بين أرجلهم. ربما لا يُدرك هؤلاء الجهلة، أن خطابهم هذا سيرتد عليهم، من خلال تثوير خطاب مماثل لدى الفلسطينيين، في الضفة وغزة، وداخل فلسطين المحتلة حتى. ليس ذلك فحسب، وإنما سيمتد إلى أقصى نقطة قد يصل إليها هذا التثوير.
ليقرأوا التاريخ كما يجب. عليهم أن يستحضروا ما شاع من خطاب الكراهية خلال الحقبة الآبائية، والمسيحية الوسيطية، ومرحلة الهرطقة، واللوثرية، والأناباتيستية، وصراعات الكاثوليك والكاليفينيين وأضرابهم، وما أداه ذلك، إلى تذابح واقتتال، دفع اليهود خلاله أثمانًا باهظة. فخطاب التكريه، والتعنيف، واستفزاز المذاهب والعرقيات، لا يجلب إلاَّ صورة مشابهة تمامًا، والشواهد على ذلك لا تتوقف
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3463 - الأربعاء 29 فبراير 2012م الموافق 07 ربيع الثاني 1433هـ
نقطة
إذا كان الموضوع عن فلسطين فليكن . وكل من يرى أنه ينطبق عليه ما ذكره الكاتب فهو مشمول به
ليقرأوا التاريخ ?
فهل قرأناه نحن العرب والمسلمون. لا أقصد التأريخ البعيد ولكن التاريخ القريب. سؤال يستحق التفكير. هل مايجري في سوريا اليوم قرأناه في العراق وأفغانستان و........ واعجباه ممن يسدي النصح لغيره وهو أحوج
والحر تكفيه الإشارة.
شكرا الاخ محمد
لقد تحسست مواطن الجروح في عالمنا الاسلامي كله ، لكني أعتب عليك كما قال أحد الاخوة لا تروح بعيد ففي القريب منك العجب العجاب وهو مستمر في عقر دارك ، آن العصر الذي يرغم فيه العالم العربي ان يفيق من سباته فتلك الساعة لن يأخذ الصهاينة وأعوانها بمقدار غلوة ماء للقهوة . وسترى وسنرى ان كتب لنا عمر انشاء الله . فقد اختزن المواطن العربي من طاقات القهر والكبت فانصهر وحانت ساعة الصفر .
ليس من الخلق...
هي ثقافة قبل كل شيء وخلق ومعرفة الأصول
ومن ضمن الثقافة الأختلاف وليس الخلاف وتصل للشماتة حتى على المصائب في كثير من غزوات النبي ص إما أن يأمر بدفن موتى الأعداء أم ييجعل سبيل لدفنهم من قبل جماعتهم هذه هي الأخلاق
وذروتها ونحن تعلمناها منه ص أما أشباه البشر ومن سمى نفسه كذا وكيت كاليهود((شعب الله المختار)) ومن لف لفهم من العنصرين والذين تشم من رائحة الطائفية وقمتها وهم أستغفر الله...بعد..
مابنطول لا تحذف مشاركتنا من قبل صحيفتنا الغراء!
.
أستاذ محمد أنت كاتب مرموق ولكن تنقصك الجرأة! فأراك تشرق وتغرب وتأتي بأمثلة وحكايات من ماوراء البحار وتترك الأمثلة في بيتك الداخلي أو بيت الجيران ، فأين أنت من عنصرية الموت في بلدنا أو في العراق وإذا أردت ردود فخذ نظرة على فيديوهات العمليات الأرهابية في العراق وسترى أن ردود الصهاينة أقل عنصرية من بعض أخوتنا في الدين.. فتأمل
شكرا أستاذ محمد
شكرا استاذ محمد رسالتك وصلت للشامتين في الموت أينما كانوا.