الذين فُطروا على الكراهية والحقد وتشطير الناس وتقسيمهم، لو قدّر للرسل والمصلحين أن يظهروا في وقتنا هذا لن يتمكنوا من زحزحتهم عن قناعاتهم ولو بمقدار شبر. كانت النماذج بينهم تحيا. الزمن ذهب في تعقيداته. وهم هكذا ولدوا بأكبر عاهة يمكن أن يحملها الإنسان في نفسه ولو توهم الناظر أنه صحيح الجسد وسيم الملامح.
***
لا يمكنك أن تتعلّم الحب. يمكنك ذلك في الكراهية. لا خيار لك في الحب؛ ربما هو الجبْر الذي نتمناه دائماً. جبر يصنع الدنيا والحياة. في الكراهية، بيننا اليوم من المنابر والأدوات والمناهج والآليات ما هو كفيل بتخريج قنابل موقوتة وتصديرها إلى العالم لتعيث في الأرض فساداً وخراباً، وتحوّلها إلى أثر بعد عين.
الحب فطرة في الإنسان، قبل أن تعمد أجهزة الحرْف إلى الأخذ به إلى مساحات مرّرتْها لتمارس عليه صنوف الإكراه. إكراه تعلّم أن يكره ويمقت ويميّز بشكل مرَضي ويحتقر ويفرز.
***
الذين يحبّون بصدق وقناعة لا يحسبون حساب الخسارات التي قد تطل برأسها. لا يرون فيما يذهبون إليه أية خسارة. ربحهم في الحياة أن يحيوا ويموتوا وهم على عهد تلك القيمة النبيلة الكبرى. لا يتوخون سوى أن يناموا ويصحوا على قلق مقيم على من أحبّوا. قلق يجدون فيه ذروة متعتهم ونشوتهم، مع ما للقلق من استنزاف لأعصاب أي مخلوق، والدفع به إلى دائرة أكثر من مجهول.
أما الذين يكرهون فلهم توهّم حسابات الربح جراء كل ذلك. لا ربح في الأمر في نهاية المطاف. الذين يكرهون لا يبصرون إلا الصورة التي اخترعوها وأوجدوها، والخسارات هي النتائج المحتّمة لمثل أولئك ولمثل تلك الممارسات والانحياز لها. لا ربح في كراهية، كما أنه لا ربح في الخراب ومشروعاته.
***
بعضهم يتوهم ويصل حدّ تثبيت ذلك الوهم كحقيقة، أن الله يحميه كلما عمد إلى الكراهية وتصنيف الناس بحسب ألوانهم وعقائدهم ومذاهبهم وانتماءاتهم، تماماً كما تساءل أدولف هتلر مستنكراً لا في موقف استفهام: «من قال إن الله لا يحميني؟».
***
الحب وإن اختلفت موضوعاته وضمن أهداف نبيلة خيّرة يعيد الإنسان إلى فطرته. يظل صمّام أمان لهذا الكوكب وما عليه من مخلوقات وكائنات. والكراهية وإن اختلفت وتعدّدت تبريراتها تظل تهديداً لوجود صاحبها أولاً قبل أن تكون تهديداً للحياة وما عليها من مخلوقات وكائنات.
***
يمكنك إحصاء ضحايا الذين يحبّون؛ إذا صحّ أن نسميهم ضحايا؛ لكنك لن تستطيع إحصاء ضحايا الذين يكرهون ومتمرّسون في كراهيتهم. ضحاياهم بعمر وقِدَم هذا العالم. منذ المرض الأول لابن الإنسان الأول (قابيل)، ونتيجة مرضه ذاك (الحسد/الكراهية) تم التأسيس لمشروعية إهراق الدم (بالنسبة إلى ذلك الصنف) في ارتجال كما يرتجل أحدهم طرْفة.
***
للناس «قلوب يعقلون بها». لا يمكنك أن تتصنّع الحب وتمرّر ما تريد، استغلالاً لبساطة كثيرين وتشبّثهم بفطرتهم النقية التي لم تنجّسها جاهليات المآرب والمصالح. وللناس قلوب تميّز الكراهية ولو جاءت في هيئة وصورة حب. وتميّز الحب وإن تبدّى في صورة صلف وحدّة مزاج. والناس في ذلك معادن تقبل وتعي هذا، وتُحجم ولا تريد إدراك ذاك لمعرفتها بكنهه.
***
كما أن لكل شرعة ومنهاجاً، ثمة من يرى قيمته في الحياة أن يكون منحازاً ومتمسكاً بكل ما يدل على قيمته في الحياة (الحب)، وثمة من يرى قيمته في الحياة أن يكون منحازاً ومتمسكاً بكل ما يدل على قيمته أيضاً - كما يرى - (الكراهية)، وكلا الأمرين يعكسان حقيقة كل واحد منا. أن تكره وتمعن في الممارسة. تقدّم نفسك إلى الناس باعتبارك مخرّباً ومهدداً للحياة. وأن تحب وتمعن في الممارسة. تقدّم نفسك إلى الناس باعتبارك فرداً من مجموعة تتوخّى إعمار الحياة والأخذ بها إلى أقصى درجات القيمة والذروة.
***
خلاصة القول، الذين يراهنون على كسب معاركهم وهم يخوضون حروباً لا هوادة فيها ضد قيمة الإنسان واستقراره وحقه في حياة حرة وكريمة، بيافطات يجيّر فيها الدّين مرة، والسلْم الأهلي التابع للمنظومة نفسها تارة أخرى؛ ولو على حساب رعب وقلاقل واستهداف ممنهج لسلم الذين يرون فيهم أعداء لا مجال لمسحهم من الذاكرة وفعلها، إنما يخادعون أنفسهم، ويخادعون تاريخاً مجّ الحاملين لتلك الألوية الخرقاء فكانوا نسياً منسياً.
أما الذين ولدوا وعاشوا وانطلقوا في الحياة إشاعة لكل ما يرفع من قيمة الإنسان عبر قلوب هي أكبر من أن يحدّها المدى الذي تتحرك فيه، فهم الذين يصنعون الحياة ويحصّنونها مما يهددها، وخصوصاً من أشباه البشر أو من هم في وهْم هيئتهم
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3463 - الأربعاء 29 فبراير 2012م الموافق 07 ربيع الثاني 1433هـ
الماء النقي والماء الملوث
حب بلا غاية ولا سبب ولا دافع .فغايته يظهرها الحب والسبب هو الحب والدافع الحب أيضا فنحصل على النقي الصافي الشفاف.
فلا مصلحة ولا منفعة ولا فائدة وذلك لبديهية أن الحب ليس مال يعطى أو يأخذ أو يتداول ولا حلال ولا حرام ، فهل يمكن أن يكون الدواء لكل داء؟
فمتى ما انتفت المصلحة زالت عقبة
ولدينا عقبتان ..
لا فض فوك قد ابليت الحدة في النصح والتنوير
نعم هذا لسان كل محب ، وقد ابليت بلاء حسناً في النصح والزجر والتنوير والتثقيف لكن العقرب طبعه يلدغ فلا نصح ولا زجرا يردعه . وكأني بهم يمشون الان في نفق يزداد عتمة سيأخذ بهم بغتة للهاوية وهم لا يشعرون.