حذر مدير مركز الخليج لسياسات التنمية الأستاذ الجامعي في جامعة الخليج الكويتية عمر الشهابي من أن يقود الخلل الاقتصادي والسكاني والأمني الحالي في منطقة الخليج إلى تحديات مستقبلية هائلة، محملاً الجيل الحالي مسئولية البحث عن حلول لمثل هذه التحديات.
ويشارك الشهابي في اللقاء السنوي الـ 33 لمنتدى التنمية الذي يبدأ أعماله اليوم الخميس (1 مارس/ آذار 2012) في العاصمة القطرية (الدوحة)، بورقة عنوانها «سياسات التوسع العقاري من منظور الخلل السكاني في دول مجلس التعاون»، والتي ركز فيها على الخلل السكاني، باعتباره أكبر مشكلة مصيرية تواجه الخليج عامة، وفقاً لرؤيته.
وفيما يأتي نص المقابلة التي أجرتها «الوسط» مع الشهابي، بالتزامن مع بدء أعمال منتدى التنمية:
كيف جاءت فكرة تأسيس مركز الخليج لسياسات التنمية؟
- في العام 2010، كان لدى رئيس مجلس أمناء المركز علي الكواري وعضو مجلس الأمناء علي الزميع، فكرة بإنشاء مركز للدراسات في الخليج، شرط أن يكون هذا المركز مستقلاً ويركز على الأمور التي قد لا يمكن الحديث فيها، ويتناول دراسة المشكلات والهموم والتطلعات المشتركة والتحديات التي تواجهها دول المجلس، وخصوصاً على سبيل المثال لا الحصر، الخلل السكاني والاقتصادي والسياسي والأمني.
ولاشك أن هناك العديد من المراكز التي تقوم بمثل هذه الدراسات عن المنطقة، وفي مركزنا قد لا نستطيع منافسة هؤلاء في الكمية، ولكننا نستهدف بعض القضايا النوعية المهمة التي لم يتم التطرق إليها حتى الآن.
كما أن المركز أعد موقعاً إلكترونياً لنشر الدراسات ومقالات الرأي ذات الأهمية عن المنطقة.
وهدفنا من خلال المركز، هو بدأ مناقشة جميع الأمور بصورة جدية، بعيداً عن الشائعات أو التخوين، ونريد أن نناقش الأفكار أكثر من أي شيء آخر.
تشارك في اللقاء السنوي لمنتدى التنمية الذي يبدأ أعماله اليوم (الخميس) بورقة عنوانها «سياسات التوسع العقاري من منظور الخلل السكاني في دول مجلس التعاون»، فما هي أبرز النقاط التي تركز عليها الورقة؟
- تأتي هذه الورقة كملخص لكتاب عملت على إعداده قبل أكثر من عام، ومازال في طور الطباعة، وهذه الورقة تركز على الخلل السكاني وهو أكبر مشكلة مصيرية تواجه الخليج عامة، ويتناول العلاقة بين الخلل السكاني ودور العمالة الوافدة، وخصوصاً أن الوافدين أكثر من المواطنين في أربع دول خليجية، هي الإمارات والبحرين وعمان وقطر، وفي كل دول الخليج، فإن أعداد الأجانب تفوق المواطنين في سوق العمل.
الجديد في هذه الدراسة أنها تناولت العامل التاريخي منذ بداية الصناعة النفطية وحتى الآن.
كما أن الأمر الرئيسي الذي ركزت عليه الدراسة هو أن هناك نوعاً جديداً من الخلل السكاني بدأ بالظهور في الخليج، إضافة إلى ظاهرة العمالة الوافدة، والتي تمثلت في فتح السوق العقاري للمشتري الدولي، وخصوصاً مع بروز المشروعات العقارية في الأعوام العشرة الأخيرة، في كل من البحرين وقطر والإمارات وعمان.
فالمشكلة تكمن في أنه تم ربط شراء العقار بإمكان العيش على المدى الطويل في هذه الدول،
لأن ذلك يعطي للوافد إقامة مطولة متجددة له ولعائلته، وهذا أمر فريد في العالم. ومثل هذه المشروعات بدأت تكثر بشكل هائل، ففي البحرين لوحدها هناك نحو 60 ألف وحدة سكنية من نوع العقار الدولي، وعلى افتراض أن كل عقار سيسكنه نحو 3 أشخاص، فهذا يعني أن هناك نحو 180 ألف شخص يعيش في هذه الوحدات السكنية. وفي الدول الخليجية الأربع موضوع الدراسة، هناك 1.5 مليون وحدة سكنية، وعدد سكانها سيكونون نحو 4.5 مليون نسمة، وبالتالي عدد هؤلاء سيفوق عدد المواطنين الذين يبلغ نحو 3.7 مليون تقريباً.
والسياسات في هذه الدول، تقوم على أن جذب الأجانب مصدر طلب وفرصة اقتصادية يجب تشجيعها، ولذلك يتم صرف مبالغ كبيرة على البنية التحتية لهذه المشروعات، على رغم أنها غير موجهة للمواطنين.
وفي آخر عشرة أعوام، كانت كلفة المشروعات المعلنة في الخليج نحو 2.1 تريليون دولار أميركي، 57 في المئة منها، لصالح مشروعات عقارية دولية ضخمة.
ما هي تبعات مثل هذه المشروعات من وجهة نظرك على دول الخليج؟
- لاشك أن لذلك تبعات اجتماعية وأمنية واقتصادية، وهناك تساؤلات عدة بشأن مصدر العديد من هذه الأراضي، التي قد تشوبها شبهة فساد، وخصوصاً أن أغلب هذه الأراضي غير موجهة للمواطنين للسكن فيها.
والمشكلة أن بعض الحكومات لا ترى الخلل السكاني الذي قد تخلقه هذه المشروعات، وإنما ترى فيها فرصة اقتصادية.
ولذلك، نسعى من خلال المركز إلى التركيز على هذه الأمور المصيرية في المنطقة، والتي لا يتم التطرق إليها بشكل مباشر.
كيف ترى أهمية عقد منتدى التنمية في هذه الفترة بالذات؟
- هذا المنتدى أشبه بمنتدى فكري للمفكرين والمعنيين بشئون المنطقة، وسيتم فيه تقديم ورقتين بشأن السياسات العامة في دول المنطقة، إضافة إلى ورقتين عن السياسات العقارية، وورقة أخرى تتناول إدارة المشروعات في السياسات العامة، ثم هناك أوراق بشأن الأوضاع في أربع دول في مجلس التعاون، هي البحرين والكويت وعُمان والسعودية.
ومن خلال هذا المنتدى، نسعى لخلق فرصة لمناقشة الأوضاع في المنطقة بحرية، والمهم أن هذا المنتدى مستقل ولا يعتمد على أي جهة رسمية أو خاصة معينة، والهدف منه تنمية الدراسات المعمقة والمستقلة التي تركز على الهموم الرئيسية التي تواجهها المنطقة، لأننا نرى أننا نواجه تحديات هائلة في المنطقة لا تقارن بدول أخرى، ويجب التفكير فيها بطريقة مستقلة ومعمقة لأنها ستؤثر علينا في نهاية الأمر.
هل ترون في مركز الخليج أن التحديات التي تواجهها دول الخليج على حدة، هي جزء من تحديات مشتركة تواجهها دول الخليج كمنظومة؟
- أنا أؤمن أن جيلنا الحالي ومنطقة الخليج بصورة عامة، سيمرون على مدى العقود القريبة بتحديات وتطورات هائلة. فكدول خليجية نواجه تحديات لا تواجه مثلها أي مناطق أخرى في العالم، كالخلل الاقتصادي والسكاني والأمني. وهناك قواعد عسكرية أجنبية في خمس دول خليجية، وشبه اتكالية على الغرب من الناحية الأمنية، وكل هذه التحديات سيواجهها جيلنا، وتحتاج إلى حل جذري.
وهذه دعوة صادقة لجيل الشباب لمناقشة الأمور الاقتصادية والسكانية وغيرها من أجل السعي لحلحلتها بشكل جذري، فنحن الجيل الذي ستواجهنا هذه الأمور المصيرية التي يجب مناقشتها بشكل جدي.
شاركت في مبادرة «نقاش البحرين» والتي طرح خلالها شباب يمثلون مختلف التوجهات رؤاهم بشأن الأوضاع الحالية التي تمر بها البحرين، فكيف جاءت فكرة هذه المبادرة؟
- هذه المبادرة جاءت بتنظيم مجموعة من الشباب، وكان هناك توجهاً لعقدها منذ بداية الأحداث التي شهدتها البحرين في فبراير/ شباط ومارس/آذار 2011، ولكن نتيجة للتطورات المتسارعة التي شهدتها البلاد آنذاك، تم تأجيل الفكرة إلى أن تم إعادة طرحها في مطلع فبراير الماضي.
وفي اعتقادي أن النقاشات أُديرت بطريقة جيدة، وشهدت مشاركة أشخاص من كل الأطياف، كانت لهم مشاركات من خلال العالم الافتراضي عبر «تويتر»، وأعادوا طرح وجهات نظرهم على أرض الواقع.
ومن خلال هذه النقاشات، كان هناك تأكيد لفكرة أنه ليس هناك ما يمنع من مناقشة الاختلافات في وجهات النظر بصورة علنية. والنقاشات كانت جيدة، ومكنت الشباب من إبداء وجهات نظرهم بصورة أخذت طابعاً علنياً، في حين كان طرحها يقتصر على شبكة «تويتر».
جاءت فكرة «نقاش البحرين» بالتزامن مع ظهور عدة تحركات ومجموعات تدعو إلى الوحدة الوطنية وتضع رؤاها بشأن حلحلة الأوضاع الحالية، هل تعتقد أن مثل هذه التحركات يمكن أن تخلق لها رقماً مهماً في الساحة البحرينية؟
- المجتمع البحريني ومنذ 14 فبراير 2011، أصبح مجتمعاً مسيّساً حتى النخاع، وأفرز جيلاً جديداً ينفتح للمرة الأولى على السياسة، كما أنه خلق وعياً سياسياً جديداً بين كل فئات المجتمع، وأصبح الكل مهتماً بالسياسة.
ولو نظرنا إلى الساحة السياسية في البحرين بصورة عامة، ستتكشف لنا طاقات متفجرة، وما نشاهده على مواقع الشبكات الاجتماعية والنشاطات والفعاليات التي تقوم بها الجمعيات والحركات السياسية، أكبر دليل على ذلك.
وباعتقادي أن هذه التحركات ستخلق توجهات سياسية جديدة، كما أن الجمعيات التي تسيطر على
الساحة في الوقت الحالي ستتغير كثيراً. فقبل عام ونصف لم يكن هناك تجمع الوحدة الوطنية أو تجمع صحوة شباب الفاتح أو ائتلاف 14 فبراير، وكل ذلك مؤشرات على أن هناك طاقة سياسية هائلة ووعي سياسي بدأ يتفجر في المجتمع.
ألا ترى أن مثل هذه التجمعات والحركات بُنيت على أرضية تشوبها الطائفية بشكل أو بآخر، وأن ذلك قد يعقد المشكل الطائفي بدلاً من أن يسهم في حله؟
- بغض النظر عن توجهات هذه التجمعات والحركات، إلا أنني أراه حراكاً جيداً، ففي نهاية الأمر المجتمع فيه طاقة، والتعبير عنها ضمن إطار عام وأهداف محددة هو أمر جيد.
وبطبيعة الحال، فلاشك أن جزءاً من هذه التحركات قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الطائفي في البلد، وهنا يبرز دور القائمين على هذه التحركات والتجمعات الذين تقع على عاتقهم مسئولية توجيه هذه التجمعات بما يحول من دون تفاقم هذا الاحتقان.
هل تعتقد أن الأزمة الحالية قد تسببت في هذا الاحتقان الطائفي أم أن هذا الاحتقان سبباً فيما آلت إليه الأمور في البحرين؟
- في اعتقادي أن القضية في بداية الأمر كانت قضية سياسية، وكان للطائفية دور فيها. ولكن في الوقت الحالي امتزجت القضية السياسية بالطائفية. ولاشك أن حل القضية السياسية لن يسهم في حل المشكلة الطائفية بصورة كلية.
هل ترى أن الاحتجاجات التي شهدتها البحرين بُنيت على أساس طائفي؟
- المطالب والاحتجاجات كانت سياسية، ولكنها للأسف ومثلما أسلفت، امتزجت في الوقت الحالي بالطائفية.
إلا أننا مازلنا بحاجة إلى حل سياسي، وكان من الأفضل لو لم يتم ربط البعد الطائفي بالقضية السياسية، ولكن للأسف أن هذا الأمر بات واقعاً بحرينياً.
من يتحمل مسئولية تحويل القضية السياسية إلى قضية طائفية؟
- الكل يتحمل هذه المسئولية، الجهات الرسمية تتحمل جزءاً مما حدث، وهو ما أكد عليه أيضاً تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وكمجتمع بحريني نتحمل أيضاً جزءاً من المسألة بالانجرار للقضية الطائفية والطرح الطائفي في الأمر.
ولنكن واقعيين، فإن هناك جهات تستفيد من الطائفية في البحرين، ولكن في الوقت نفسه لو لم تكن هناك أرضية قابلة لذلك، لما تمكن المستفيدون من الطائفية من تحقيق ما ينشدونه.
هل ترى أن تزايد انخراط أفراد المجتمع البحريني بالسياسة ترافق معه ارتفاع الوعي السياسي؟
- هناك الكثير ممن لم يكن لديهم اهتمام بالسياسة، وفجأة أصبحوا مهتمين بالسياسة، بغض النظر عن الإطار أو الفكر أو الإيديولوجيا التي يمثلونها، فما حدث هزّ الجميع فكرياً وعاطفياً ومادياً وجسدياً، والوضع لم يستقر فكرياً وإيديولوجياً بعد، وباعتقادي أن استمرار التجاذبات السياسية يجب أن يقودنا إلى فكر أنضج.
والناس بدأت تعود لأيام الهيئة العامة للاتحاد الوطني، والعريضة الشعبية، والحراك الشعبي الذي حدث في الستينات والتسعينات، ويفكرون في أسباب انخراط الجيل السابق في هذه الحركات، وأسباب نجاحها وفشلها، ولماذا كان القوميون العرب ثم الماركسيون مسيطرين على الساحة السياسية، وذلك قبل أن تسيطر الحركة الإسلامية على الساحة في الثمانينات، وهذا أمر بحد ذاته جيد، إذ يتم من خلاله الاستفادة من محطات نجاح وفشل هذه الحركات.
طرحت في حسابك على «تويتر» سؤالاً مفاده: «إذا طرح الحكم مبادرة بتطبيق الميثاق وتوصيات لجنة تقصي الحقائق بحذافيرها مع الضمانات، هل يكون ذلك كافياً لحل حقيقي للأزمة؟»، ماذا لو وُجه هذا السؤال إليك؟
- لا أعلم ما هو الرد المناسب على هذا السؤال، ولكن لو وُجه لي هذا السؤال قبل 14 فبراير 2011، لقلت أن الحل سيكون في العودة للميثاق وتطبيقه بحذافيره، من خلال مجلس منتخب له كل الصلاحيات.
وأعتقد أنه مازال مقترحاً جيداً يجب تداوله، مع الأخذ بمضمون المبادئ السبعة التي أعلنها ولي العهد، وما تضمنته وثيقة المنامة، إضافة إلى الأطروحات التي وضعها تجمع الوحدة الوطنية وغيرها.
وعلى رغم كل ذلك، مازلت أرى في العودة إلى الميثاق وتطبيق توصيات تقصي الحقائق مفتاحين كبيرين للحل.
طرحت أيضاً تساؤلاً بشأن السبيل الأنسب ليضع ويناقش الشعب مرئياته لحل الإشكال السياسي، وكان من بين الخيارات التي وضعتها، عقد مؤتمر دستوري جديد أو تنظيم لقاء وطني، فما هو رأيك الشخصي في إمكان حل الإشكال السياسي؟
- الفكرة الرئيسية من هذا الطرح أن الشعب بكل مكوناته يجب أن يفكر بما يريد وما هي الطريقة التي يمكن أن يبلورها كمجتمع لحل هذا الإشكال، والتساؤل مبني أكثر على خبرة الماضي، وما هي الطرق التي كانوا يقومون بها في السابق لتجميع الشعب على مطالب معينة، مثل العريضة الشعبية والمؤتمر الدستوري.
أما الفكرة من اللقاء الوطني هو التقريب بين الجهات كلها من كل الأطياف، وكيف يمكن أن تكون هناك أرضية جيدة يجمع عليها الناس، شرط أن يكون المطلب عادلاً ومتوافقاً عليه بين الناس. ففي السابق كان هناك شيء من هذا النوع وتجميع أكبر عدد من الناس على مطلب واحد وهو العودة للحياة البرلمانية، والأمر نفسه ينطبق على المؤتمر الدستوري الذي كان يدعو إلى العودة للدستور.
ألا تعتقد أن أي مبادرة من هذا النوع يجب أن تكون بمشاركة طرف الحكم حتى تؤدي لنتائج حقيقية؟
- العريضة الشعبية كان الهدف منها هو تجميع أكبر عدد من فئات الشعب والشخصيات والرموز على مطلب واحد معين يتم التوافق عليه، وثم يُطرح مبدأ الكتلة، وكلما كانت هناك أناس تتجمع حول المطالب، كلما كان طريق الوصول إلى الهدف بشكل أفضل.
باعتقادي أنه يجب بناء كتلة تقوم على مطالب واحدة، وذلك أسهل من طرحها وتضييع العملية بين مطالب عدة، وهذا ما عملت عليه العريضة الشعبية، التي تم من خلالها بناء كتلة من المطالب وثم تقديمها إلى الحكم، وفي نهاية الأمر الحكم هو صاحب القرار
العدد 3463 - الأربعاء 29 فبراير 2012م الموافق 07 ربيع الثاني 1433هـ