الشعور بالأمن حاجة إنسانية ملحة، فلا يمكن لأي شخص أن يحرز تقدماً أو يتحرك من الخانة التي يقف عندها، وهو متيقن أن وجوده في الفضاء الخارجي مهدد، وأن سلامته الجسدية في خطر.
والحرص على منع وقوع الجرائم والاعتداءات والجنايات، وتأمين الشوارع وإخلائها من الحاويات والإطارات وغيرها من المعوقات التي تحول بين الناس وتسيير شئون حياتهم وقضاء احتياجاتهم اليومية، ضرورة يفترضها العقل والمنطق لبلوغ مجتمع آمن يعمه الهدوء والاستقرار.
وفي الوقت الذي يتم التعامل فيه مع الأحداث والمناوشات في القرى والمناطق بحزم، فإن هناك من يتغافل عن توجيه النقد للأصوات والأيادي التي تتلاعب بالسلم الأهلي والأمن الاجتماعي، وتبث رسائل محددة في خطاباتها، تحمل دلالات مبطنة تحفز على الكراهية والعداء والبغض بين المواطنين على أساس مذهبي طائفي بحت.
الأمن المادي المتمثل في تفريق تجمع غير مرخص أو منع مسيرة انحرفت عن الغرض الذي خرجت من أجله أو القبض على اللصوص والقتلة والمجرمين، يمكن معالجته آنياً بإجراءات دقيقة عاجلة وفاعلة، غير أن ما لا يمكن تداركه أو استيعابه، هو حالة الانقسام داخل المجتمع ذاته، والتي تتطلب بذل جهود مضنية وجبارة لإزالة حدة الاحتقان والتقريب بين الفرقاء والمتخاصمين، وقد تطول فترة العلاج لسنوات بعيدة ربما لا تسفر نهايتها عن نتائج طيبة.
أمن العلاقات على مستوى الصداقة والزمالة والأسرة والحي والمنطقة، يتعرض يومياً لانتهاكات صارخة من أناس لا يحملون أي مبادئ أو أعراف، ولا يضعون أمامهم أية خطوط حمراء، فمن السهل عليهم اتهام من لا يتوافق معهم مذهبياً في عرضه وكرامته، والتشكيك في وطنيته وولائه وإخلاصه لبلده، والمطالبة بالتعاطي معه كحالة مشبوهة تستوجب الحيطة والحذر.
هؤلاء لا يجدون من يردعهم، لأنهم يتدثرون بعباءة الوطنية والحرص على المصلحة العامة والدفاع عن أرض الوطن والذود عنه بالغالي والنفيس، وهم أول من يحرقه بإشعال فتيل النزاعات بين أبنائه، والعمل على تشطيرهم وتجزئتهم ووأد اجتماع شملهم وتوحدهم على الخير.
وأبسط برهان على حرقة قلوب الطائفيين المعتاشين على الأزمات، هو محاربتهم المستميتة لكل التجمعات والملتقيات الوطنية التي تأسست بعد أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، لاستعادة اللحمة والألفة والمحبة والتعايش بين البحرينيين بكل دياناتهم وطوائفهم ومشاربهم، لأنهم في الواقع يرون فيها مسحاً لهم من خريطة السياسة وتحجيماً لقدرتهم على التأثير في الواقع الاجتماعي والسياسي والمخاض العسير الذي تمر به البحرين منذ أكثر من عام.
إن كانت الوطنية مجرد شعار وتصريحات في وسائل الإعلام والدخول في سجالات عقيمة الغرض منها النيل من الآخرين وتسقيطهم وتحجيمهم واتهامهم بالولاء أو الخيانة، فالكل مؤهل لأن يحمل هذه الصفة بلا عناء أو مشقة، بينما المعدن الأصيل لا يظهر بريقه إلا بالعمل الصادق المخلص الذي يعبر بجلاء عن حب عميق لتراب هذه الأرض وكل من عليها.
من يحب البحرين لا يرفض الحلول التي تنقذ أهلها من المحن والشدائد، ولا يستاء حين يراهم مجتمعين على طاولة واحدة يتحاورون ويتبادلون وجهات النظر للخروج بحلول توافقية، تنقذ ما يمكن إنقاذه من مكتسبات على طريق الإصلاح وبلوغ المستوى المأمول من الممارسة الديمقراطية الحقيقية، في إطار الدولة المدنية القائمة على الشفافية والانفتاح ومحاربة بؤر الفساد والتمييز والتعدي على الأملاك العامة.
من يحب البحرين لا يستخدم مفردات فيها من العنصرية ما يؤذي العين ويضر السمع، ويسخر طاقته وقلمه وصوته وكل ما أتيح له من وسائل، لقذف وشتم وسب من يشاء، فالاختلاف في وجهات النظر مهما بلغ من نفرة وتباين فإنه لا يبرر أبداً وفي كل الأحوال، إقصاء الآخرين ومحاصرتهم في زاوية ضيقة والتعامل معهم كنكرة، فكل مواطن بحريني هو رقم وكيان ووجود مؤثر، له احترامه ووقاره وقيمته في محيطه الاجتماعي.
سلامة الجبهة الداخلية، هي ضمانة لأجيال قادمة يجب أن تتربى على الحب والإخاء والود والاحترام لكل الأجناس والألوان والأطياف التي يمثلها المجتمع البحريني، لا على مفاهيم الانتقام والكراهية والحقد وبغض الآخرين، وهذه المسئولية يتحملها الجميع بدءاً من الدولة إلى أبسط مواطن على هذه الأرض
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3462 - الثلثاء 28 فبراير 2012م الموافق 06 ربيع الثاني 1433هـ