العدد 3460 - الأحد 26 فبراير 2012م الموافق 04 ربيع الثاني 1433هـ

الإصلاح السياسي لا تقوده أنظمة دكتاتورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سورية اليوم في وضع خطِر. النظام يزداد دموية، والمعارضة تتسلح، والحس الطائفي بدأ يطلّ برأسه داخل الأحياء السورية، وتنظيم القاعدة يتغلغل ببطء، قادماً من الخارج. هذا الوضع لم يكن على هذه الصورة قبل عام مضى، لكنه أصبح هكذا نتيجة لتطور الصراع، وحصره في خيارات أمنية، ظن النظام، أنه ومن خلالها يعالج ثغرةً هنا، وثغرةً أخرى هناك وننتهي.

بالتأكيد، ان النظام السوري، كان يريد لجزء من تلك المسألة أن تحصل بهذه الصورة المعقدة، لكي ينال شرعية أكبر في معالجاته الأمنية، لكن الموضوع أصبح أكثر إدراكاً ووضوحاً للجميع. هو اليوم يتحدث عن مؤامرة غربية تحاك على سورية، ونحن نقول إن تلك المؤامرة موجودة فعلاً ولا ننفيها، وهي تسير على أيدي دول ذات خصومة مع النظام السوري ومع مواقفه الخارجية، تجاه قضية الصراع العربي الصهيوني، والعلاقة الاستراتيجية مع إيران.

هذا الأمر طبيعي جدّاً. لكن ما هو طبيعي أكثر، هو أن نفهم بأنّ تلك الدول، لم تكن لتتآمر على النظام السوري، لو لم يقم الأخير بإعطاء الفرصة لهم في أن يتآمروا عليه، عبر جعل البلد ماخوراً للفساد والطغيان السياسي طيلة أربعين عاماً. هذه الدول ومعها حتى الكيان الصهيوني، تستفيد من هذا الشكل المعوجّ للنظام لتصفّي معه معركة قديمة، وهو الذي أعطاها تلك الفرصة لأن تبدأ في ضربه وبشرعية شبه عالمية أتتها على طبق من ذهب.

مؤامرة... مؤامرة... مؤامرة. هذا منطق خشبي مُمِل يردده النظام في سورية اليوم. كل الدول تتآمر على بعضها نتيجة التقاطع في المصالح، لكن تلك المؤامرات، لا تجعلنا ننسى حقيقة ما تريده الشعوب من حياة ديمقراطية كاملة، أمام هذا النمط المغلق من التفكير، الذي لا يترك مجالاً إلا وحسِبَه على التآمر. حتى الدول التي تتآمر اليوم على سورية، تقول الشيء نفسه عن أزماتها الداخلية، فما هو موقف النظام السوري من ذلك؟ هل يصدقها فيما تقول؟ كلا. إذاً لماذا يتوجب علينا أن نصدقه هو، عندما يدعي التآمر عليه بالكامل؟

أكبر مشكلة اليوم في سورية هي اعتقاد النظام السوري، أنه هو البلد، والبلد هو النظام. هذه المعادلة المغلوطة هي أساس المشكلة بالنسبة إليه ولشعبه الكريم، وهي احتكار غير صحيح للقوة المادية ولإطار الدولة القانوني وحيِّزها الجغرافي. هذه المعادلة، أشبه بالقطعة المعدنية المسكوكة، التي تراها من الخلف، كما تراها من الأمام. ذهاب النظام أو بقاؤه، لا يعني ذهاب أو بقاء سورية، فالأمران مختلفان جداً بما يكفي من الوضوح، لا لبس فيه.

الأنظمة تذهب، والدول تبقى. الأشخاص يذهبون، والشعوب تبقى. وكما قال الفيلسوف الصيني الكونفوشيوسي منسيوس: إن الناس هم أهمّ عناصر الأمة والدولة، وإن الملك أقل هذه العناصر شأناً. أمّا ربط الأنظمة والأشخاص وأصحاب الذوات ببقاء الدول، فهذا تفكير مؤسف، ولا يتسق مع منطق الأشياء، ولا مع تجارب التاريخ وحقيقة الأمور الإنسانية.

مضى الاسكندر المقدوني الذي ملَكَ الدنيا، وكذلك السلالة الكسرويّة في الأزمنة الغابرة، وبقيَتْ شعوبهم راسخة شامخة. وذهب المحررون الأوائل في أميركا وأوروبا وآسيا، الذين قادوا الثورات الكبرى، وبنوا الدول، وأشاعوا العلوم، وشجعوا القوميات، لكن شعوبهم ودولهم ظلت متماسكة، قوية، راسخة، تتطور بشكل آلي وطبيعي، بوجودهم وبغير وجودهم.

إنّ ترسيخ هذه المعادلة لدى النظام السوري، لا تجعله فقط، يؤمن أنه هو البلد فقط، بل إن كلّ شيء يحصل في 185,180 كم هي مساحة سورية يجب أن يكون من خلاله، بما فيه الإصلاح السياسي. هو اليوم يقول إنه سيصلح النظام، لكننا نتساءل: لماذا لم يكن ذلك الإصلاح قد تم طيلة الفترة الماضية، ولم ينبلج نوره إلا على وقع الأحداث الدموية الأخيرة؟

في السابق، كان يُقال للعالَم، إن الرئيس بشار الأسد، مُقيَّد بمراكز قوى نافذة داخل النظام، وهي مترسّخةٌ بين مفاصل الدولة السورية منذ أيام أبيه، وبالتالي يتوجب أن تعطوه الفرصة أكثر. ونحن اليوم نتساءل كذلك: هل أن هذه القوى امَّحت في بحر عام من الأزمة السورية، رغم أنها كانت تعيق بشار الأسد طيلة أحد عشر عاماً؟ هذا الأمر غير مفهوم وغير واقعي بالمرة.

حسناً لن نكون سوداويين، وسننظر إلى نصف الكأس المملوء كما يُقال دائماً. نسأل: هل أن هذا الإصلاح الذي بدأه النظام بالاستفتاء على الدستور الجديد، سيُبعد الطبقة الحاكمة الحالية عن السلطة، أم أنه سيسمح للرئيس الأسد بأن يعاد انتخابه لدورتين متتاليتين (سيفوز فيهما حتماً)، كل واحدة منها مدتها سبعة أعوام؟ وبالتالي يقضي الرئيس الحالي 14 عاماً أخرى إلى جانب 11 عاماً قضاها في السلطة بعد موت أبيه!

هذا الإصلاح لا يتناسب مع عالم اليوم. سورية كانت تحتاج إلى مجلس تأسيسي يقوم بصياغة الدستور، وينتقل بالبلد إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يقوم على تداول سلمي للسلطة، وبرلمان فاعل، ومحاسبة على نهب المال العام. أمّا أن يقوم النظام ذاته بعملية الإصلاح، رغم أنه نظام طاغ وفاسد، فهذا أمرٌ غريبٌ فعلاً. ففاقد الشيء لا يعطيه. هذا الأمر تكرّر في فرنسا الملكية أيام لويس السادس عشر، وتكرّر عند قياصرة الروس عندما راموا الإصلاح، لكن ذلك لم يحصل. فالأنظمة الدكتاتورية لا يُصار أمرها إلى صلاح بذات الأشخاص والهياكل الموجودة في السلطة. هذا ما علمتنا به التجارب، في الحاضر والماضي.

للأسف، سورية اليوم تسير من الناحية الاجتماعية إلى حالة مخيفة من التفكك. وكلنا يعلم، أن السوريين، كانوا أبعد ما يكون عن الصراعات الطائفية والدينية والعرقية، وكان بإمكان النظام السوري، أن ينتقل بهم إلى حالة مدنية من الحكم الرشيد، دون أن يعبث بهذه الوديعة الثمينة، التي بناها السوريون أجيالاً بعد أجيال، لكنه مع الأسف لم يفعل، لأنه يُدرك، أنه يستفيد منها، في إخافة الأقليات، والبطون الاجتماعية الرخوة من بعضها.

في المحصلة، نتمنى من السوريين شعباً ومعارضة، أن يُفوِّتوا الفرصة على النظام، باتحادهم الوطني، وعدم الانجرار وراء هكذا مشروع. فالأنظمة الدكتاتورية، عندما تحاصَر بالأسئلة الديمقراطية الملحَّة، تهرب إلى الأمام، لتعبث بالطوائف، لتخيف الجميع من الجميع، وتقول: أنا الحاضنة الأولى والأخيرة لكم، فاقبلوا بي كيفما اتفق. هذه هي الحقيقة، فليدركوها

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3460 - الأحد 26 فبراير 2012م الموافق 04 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:41 ص

      رب ارجعوني, ,,,,,,

      للشعوب حق في تقرير مصيرها, كل الشعوب وليست سوريا فقط, وتقرير المصير لا يكون بإثارة أقلية على الأكثرية عبر أساليب دموية وبأسلحة فتاكة تدعي الدفاع عن النفس والوطن, بل التقرير العادل الصحيح يكون بإجماع الأكثرية على رئيس ودستور لا يظلم فيه حق الأقلية ولو مثقال ذرة, فهكذا تؤكل الكتف يا صاح, وليس بإمداد السلاح اللامباح

    • زائر 4 | 1:42 ص

      كلام سليم ولكن هل سوريا وحدها

      الدول العربية هل تختلف في وضعها عن سوريا حتى نقول سوريا فقط
      معظم الانظمة العربية تسير وفق نفس النهج

اقرأ ايضاً