يلجأ الإنسان في أحيان كثيرة لاستخدام ما يسمى في علم النفس بالمياكنزمات الدفاعية، أو الحيل الدفاعية التي يستخدمها الإنسان للوصول إلى التوازن النفسي هروباً من الواقع، وقد ينجح الإنسان في ذلك وقد لا ينجح، ومن الأساليب التي يستخدمها الإنسان بكثرة وخصوصاً في بحريننا العزيزة هو ميكنزم الإنكار وهو «إنكار لاشعوري للواقع المؤلم أو المسبب للقلق».
ولا يغير هذا الإنكار من الواقع والحقيقة شيئا بل قد يزيده سوءا على سوئه ويعتبر إمعاناً في السوء، فبعض الأسر مثلاً تستخدم هذا الأسلوب في الدفاع عن ابنائها، فعند أي شكوى مهما كان مصدرها المدرسة أو الجيران أو الأقرباء فهي لديهم غير صحيحة وغير موجودة، ويظل الأبناء تحت الحماية الدائمة دون أي توجيه أو رادع، وفي النهاية تكتشف هذه الأسر أن ابناءها أضحوا مشكلة اسرية ومشكلة مجتمعية لا يمكن علاجها، لأنهم تخطوا جميع مراحل العلاج الممكنة.
وهذا كله بسبب الإنكار الذي يحول الواقع السيئ إلى إمعان في السوء، ويحوله من واقع يمكن إصلاحه بأقل التكاليف إلى واقع تزداد كلفة علاجه كل يوم يمر عليه دون الاعتراف به كواقع يجب معالجته، ولو زدنا على الإنكار ممارسة البعض للكذب حتى بدأ يصدق كذبه وجعل منه واقعا يريد أن يسير البلاد والعباد على أنه واقع عليهم تصديقه، فإن ذلك يعني زيادة المشهد تعقيداً.
بداية حل المشكلة في الأسر التي تنكر وجود مشكلات يعاني منها أبناؤها كان في الاعتراف بوجود هذه المشكلات، ثم تشخيص المشكلة ووضع الحلول الممكنة حتى لو كان ذلك بالاستعانة بأخصائيين تثق فيهم الأسرة والبدء في علاجها بشكل سريع، ولكن الإنكار حوّل المشكلات البسيطة إلى مصائب، وهذا الأمر نفسه ينطبق على واقعنا السياسي والمجتمعي في وطننا البحرين.
فالمشكلة واضحة والطريق إلى الحل واضح، ولكن الإنكار وعدم الاعتراف بوجود مشكلة سياسية تحتاج إلى حل سياسي جعل منها أكثر تعقيداً وهي تزداد في التعقيد مع مرور الوقت دون حلها، فضلاً عن استخدام حلول لن تجدي نفعاً سوى انها تزيد من المشهد تعقيداً وتزيد الآلام والانقسام في المجتمع.
على المعنيين الاعتراف بوجود مشكلة سياسية ودستورية، وبرأيي ان ما يساعد على حل هذه المشكلة انها مشخصة وأن هناك حلولا للسير فيها، وهذه الحلول ليست بدعة جديدة سنخترعها في البحرين.
فالإنكار يقود إلى مصائب، والحلول الأمنية وإن بدت جيدة في البداية لكنها ترتد على الوطن، وقد خلفت طوال السنوات الماضية مشكلات تحتاج لوحدها لخطة شاملة عادلة لحلها، والشعور بالأمن لا يقتصر على زيادة قوات الأمن وعتادها ومراكز تواجدها، بل يعتمد على شعور المواطن بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والغذائي وشعوره بأن حريته وأمنه غير مستهدف لمجرد انتمائه لطائفة معينة.
والتحول الديمقراطي لو انتهجناه فهو أقل كلفة من الحلول الأخرى، وهو طريق لمحاربة الفساد المالي والإداري الذي ينخر في أجهزة الدولة ومؤسساتها وتقرير الرقابة المالية يكتب ويكرر ويكرر ولكن لا رادع لسراق المال العام، وفي هذا التحول إذا ما تم وفق أسس العدل إبعاد لشبح الطائفية التي تتغذى عليها بعض الطفيليات وهي هلاك للوطن كل الوطن، وفيها مجلس نواب فعال قائم على أسس محاسبة الفاسد مهما كان منصبه وانتماؤه، مجلس عندما يتحدث عن الشركات الوطنية فإنه يتحدث عن وطن لا عن مصلحة حزبية أو مصلحة شركات منافسة أخرى كما يجري اليوم بشأن الحديث عن إحدى الشركات الوطنية
إقرأ أيضا لـ "مالك عبدالله"العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ
شكرا لمقالك الموفق
فعلا ما ذكرت أخي أن تكاليف العدل في المحتمع فيه بركة وراحة بال. أما الظلم فهو ظلمات لا تنتهي إلا برأس الظلم والظالمين ولنا في الواقع والتاريخ لخير مثال