العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ

مطلوب فكر سياسي إسلامي جديد

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أما وأن الكثير من التنظيمات السياسية الإسلامية قد وصلت إلى قاعات البرلمانات والى كراسي الحكم في بعض الأقطار العربية وأنها في طريقها شبه المؤكد للوصول إلى تلك المقاعد في أقطار أخر، فانًّ العلاقة بين أسس الحكم كتعبير عن سلطة الدولة وأسس ممارسة السياسة في المجتمع كتعبير عن إرادة الشعوب أو الأمة من جهة وبين العقيدة والفقه والفكر الإسلامي من جهة أخرى لم يعد موضوعاً أكاديمياً وإنما أصبح شأناً مؤثراً بقوة في واقع كل جوانب حياة الناس اليومية، الشخصية منها والعامة. وفي المستقبل القريب سيصبح هذا الموضوع شغلاً من أهم شواغل الثورات والحراكات العربية في تجلياتها في الشوارع والسَّاحات وفي قاعات الحكم والتشريع والقضاء ومؤسسات المجتمع المدني كافة وفي كل وسائل الإعلام والتواصل.

ومن المؤكد أن الطرح الإسلامي لتلك العلاقة سيقابله وجهاً لوجه الطرح الآخر الذي هيمن سابقاً: طرح العقائد والمذاهب والفلسفات والأفكار والتجارب الأخرى غير الإسلامية. وهذا بالطبع سيجعل المشهد السياسي عبر الوطن العربي أكثر تعقيداً وامتلاءً بالصراعات. وكنا نتمنَّى لو أن هذا الموضوع قد حسم قبل مجيء ثورات الربيع العربي وما حملته من مفاجآت لم تكن في حسبان الكثيرين. هذه الصٍّراعات الفكرية السياسية ستكون عبثية وغير منتجة لو لم تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الآتية:

أولاً: إدراك القوى الإسلامية السياسية أن تاريخ الفكر السياسي الإسلامي، بما فيه السياسي الفقهي، اتسم بالفقر والتسطيح وأنه انشغل بحقوق وواجبات السلطان أكثر من اهتمامه بحقوق وواجبات الأمة وساكني المجتمعات. وكان أكثره شبه نصائح للسلاطين وولاة الأمر بدلاً من تأصيل لمجمل العلاقات بين الناس وسلطة الدولة. ولن تكفي الإشارة إلى بضع آيات قرآنية كريمة أو بضع أحاديث نبوية لتكوين فكر سياسي يتصف بالشمولية والمرونة والفاعلية في مواجهة قضايا معقدة شائكة تواجهها مجتمعات عصرنا. إن تلك الآيات والأحاديث هي توجيهات أخلاقية وقيمية رفيعة المستوى ودافعة نحو سمو الحياة السياسية ولكنها ليست نظريات ولا استراتيجيات ولا برامج ولا منهجيات ولا تنظيمات سياسية تعمل في الواقع اليومي وتغيٍّره.

ثانياً: لكن في مقابل ذلك الفقر القديم يوجد تراث فكري سياسي إسلامي، فيه الكثير من الجديَّة والحيوية والعمق، تراكم عبر القرنين الماضيين. إن كتابات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والطهطاوي والكواكبي ورشيد رضا وعلى عبدا لرزاق وابن بأديس وخير الدين التونسي وخالد محمد خالد وحسن حنفي وطه عبدالرحمن وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي وطارق البشري وعشرات غيرهم في طول الأرض العربية والإسلامية وعرضها، تزخر بمحاولات جدية مبهرة ناجحة لتأصيل فكر سياسي إسلامي يتصف بالشمولية والفاعلية والمرونة والتجديد اللازمين لقيام حياة سياسية بالغة الغنى والحداثة في أرض العرب والإسلام.

ثالثاً: هناك التطور الكبير الذي دخل على الفكر السياسي الإسلامي عند الأحزاب السياسية الإسلامية نفسها وذلك عبر العقود الأخيرة. فتعبيرات من مثل الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان العالمية والتعددية السياسية والثقافية ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات أصبحت جزءاً من خطاب الكثير من الأحزاب الإسلامية السياسية الكبيرة التي نجحت أخيراً في اقتحام الحياة السياسية العربية بشكل مبهر. والمطلوب من هذه الأحزاب هو الاستمرار في تطوير فكرها السياسي من أجل التعامل مع الأوضاع العربية الجديدة من جهة ومع مسئولياتها وواجباتها الثقيلة الجديدة من جهة أخرى.

رابعاً: من جانب آخر فإن المفكرين والكتاب الذين حملوا لواء الفكر السياسي الآخر، وخصوصاً الآخر الذي ولد وترعرع وطبّق في الغرب الأوروبي والأميركي، مطلوب منهم مراجعة ما تبنَّوه وما ادَّعوا أنه الحل السحري المتكامل الذي يجب أن يتبنًّاه العرب والمسلمون. إن مهمتهم تحتاج أن تركٍّز على إبداع القدرة على إغناء ذلك الفكر السياسي الإسلامي الواسع والمتنوٍّع، إغنائه بما لدى الآخرين من فكر وتجارب في حقول السياسة. المسألة ليست انتصار فكر على فكر أو إحلال فكر مكان آخر. المسألة هي تلاقح فكري خلاًّق لا يقفز فوق تاريخ وثقافة المجتمعات.

هل سينجح المفكرون والقادة السياسيون أن يخرجوا هذه الأمة من المواجهات الفكرية العبثية التي تميَّز بها القرن الماضي، لرحاب الحوارات المغنية لحياتنا السياسية العربية، حتى لا ينقلب الربيع العربي إلى خريف أو حتى شتاء؟ هذا هو أحد الأسئلة المطروحة في هذه المرحلة الجديدة بقوة على مفكري وقادة هذه الأمة التي أنهكتها المحن والإحن عبر القرون الماضية، وآن لها أن تهدأ وتستريح

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3458 - الجمعة 24 فبراير 2012م الموافق 02 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:10 ص

      نريد ماذا نريد

      نريد العدل والمساواة لا غير نريد العزه والكرامه بوطننا

    • زائر 3 | 1:36 ص

      نريده فكر إنساني يحفظ لي كرامتي وهذا يكفي

      لا نريد فكرا اسلاميا كما نراه الأن يتعامل معنا يا دكتور نريد حكما عادلا ينصفنا ويعطينا حقوقنا وكرامتنا ولا يهمنا اين دين يعتنق.
      اكثر ما لاقته الشعوب الاسلامية من ظلم هو ممن يدعون الاسلام فالقليل النادر من المسلمين هم مسلمين بحق. نحن كما قال جمال الدين الافغاني نحن ملسمين بلا اسلام.
      اي اسلام هذا واخوتنا المسلمين في الوطن لم يراعوا فينا إلا ولا ذمة ولم يردعهم عن ظلمنا وقطع ارزاقنا اي رادع ديني. اليس من الافضل ان نعيش في دولة كافرة
      وعادلة من ان نعيش في دولة مسلم ظالمة

    • زائر 2 | 12:53 ص

      مع اشرقة شمس الامل يطل الدكتور على فخرو

      نحن في زمن يجرم الفكر والمفكرين ويؤد الابداع في كل نواحي الحياه لوتاملت كل الكتب الاسلاميه التى كتبها المفكرون المسلمين الى ما قبل نصف قرن من الزمن لرايتها خاليه من كل معاني التشطير والتكفير كلها دعوات واجتهادات لرص صفوف الناس ليس المسلمين فحسب بل اهل الكتاب من باقي الديانات ايضا وهذا سر من اسرار قوه الاسلام وهو التعايش السلمي مع الاخر حفظ حقوق و احترام الاخر عدم اهانه الاخر و خالقتا نهانا عن عدم التنابز بل الالقاب التي هي اهون من شتم واهانه ديانات ومذاهب الغير فمن اجاز هذا يادكتور..ديهي حر

اقرأ ايضاً