لا يمكن الالتفات أو غض الطرف عن كون الحبس الاحتياطى كأحد الاجراءات التي تتخذ عادة من قبل سلطة التحقيق في الدعوى الجنائية، أحد أخطر الاجراءات نظرا لنواحٍ عدة أهمها المساس بالقواعد العامة الثابتة في الدساتير وإعلان حقوق الانسان وحرياته في المجتمع والعهود والمواثيق الدولية، ولاشك أن أي دولة تطمح في الوقوف مع مصاف الدول المتقدمة في جميع الأصعدة، تستلزم وجود ضمانات كافية لتحقيق أقصى حدود الحرية للفرد داخل المجتمع، ولاشك أن تبعات الحبس الاحتياطى على المتهم اذا ما تمت تبرئته - ذات آثار - من الصعب محوها من نفس الشخص أو أذهان المجتمع أو المحيطين به.
ومن هنا تتضح خطورة هذا الاجراء نظرا لأنه يؤدي الى سلب حرية المتهم، بينما الأصل في سلب الحرية أنه جزاء جنائي لا يوقع الا بمقتضى حكم قضائي بالادانة، ومع ذلك نجد أن جميع تشريعات العالم قد أقرته، إلا أنها اختلفت في تقرير ضماناته وحدوده وضوابطه بمقدار احترامها لحريات وحقوق الأفراد.
وعليه فهناك جوانب جديرة بإعادة النظر فيها في موضوع الحبس الاحتياطي في سبيل التماشي مع حقوق الإنسان وصون ضماناته رجوعا للصكوك والعهود الدولية منها:
- من حيث الجرائم التي تبرر الأمر بالحبس الاحتياطي: بالرجوع للتشريع البحريني نجد أن المادة 142 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على الآتي: (إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أن الدلائل كافية وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر جاز لعضو النيابة العامة أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطياً).
وذلك يعني أن المشرع البحريني قد أجاز الحبس الاحتياطي حتى بجرائم ذات درجة دنيا من الجسامة بالنظر لمقدار العقوبة المقررة لها ومثله في ذلك مثل التشريع المصري .
خلافا مع التشريع الفرنسي الذي لا يجيز الحبس الاحتياطي، إلا بشأن الجرائم التي لا تقل العقوبة المقررة لها عن الحبس ثلاث سنوات، وذلك بالمادة 143 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المعدل بالقانون رقم 15 يونيو/ حزيران لسنة 2000، والتشريع اللبناني الذي يشترط الحبس الاحتياطي في الجرائم التي يكون معاقبًا عليها بالحبس لأكثر من عام، والتشريع الأردني الذي رفع سقف الجرائم التي تجيز الحبس الاحتياطي لعامين.
وبالتالي يبدو محبذًا اشتراط حد أعلى من الجسامة نسبيًا بشأن الجرائم التي تبرر الأمر بالحبس الاحتياطي وذلك عن طريق رفع الحد الأدنى المطلوب في عقوبة الحبس المنصوص عليها لهذه الجرائم.
- ضرورة تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطى:
من الملاحظ أن قانون الإجراءات الجنائية البحريني يخلو من النص على وجوب تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي، وهو ما يمثل غيابًا لضمانة مهمة باعتبار أن تسبيب الأحكام والقرارات القضائية ينطوي على جملة مزايا نظرية وعملية متعلقة بحقوق الإنسان وحرياته.
كما أن الملاحظة الجديرة بالتأمل تتضح في أن التشريع البحريني يوجب تسبيب القرار بألا وجه لاقامة الدعوى بالمادة 160 من قانون الإجراءات الجنائية ولا يفعل نفس الشيء بالنسبة للأمر بالحبس الاحتياطي! مع أن القرار بألا وجه لإقامة الدعوى هو استصحاب لأصل البراءة بينما الأمر بالحبس الاحتياطي قبل صدور حكم قضائي بالإدانة وهو أمر استثنائي.
وعلى خلاف موقف التشريع البحريني فإن التشريع الفرنسي يستلزم تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطي بالمادة 8 من قانون الإجراءات الجنائية حيث نصت على الآتي: (المساس بالحريات والحبس يجب أن يكون مسببًا وأن يتضمن بيانًا باعتبارات القانون والواقع على عدم كفاية التزامات المراقبة).
- من حيث مدة الحبس الاحتياطي:
على رغم أن المدد الطويلة للحبس الاحتياطى تمثل بدورها انتقاصًا من قرينة البراءة، فانها تبقى رغم ذلك سمة للكثير من التشريعات المقارنة ومنها التشريع البحريني، الذي حاول تقييدها تقديرا منه لطول أمدها فاستلزم الآتي ذكره:
- عرض أوراق القضية على النائب العام إذا مرت على المتهم ثلاثة شهور دون انتقال القضية لتصرف المحكمة وذلك رجوعا للمادة 148 من قانون الإجراءات الجنائية.
- ألزمت المادة 148 من ذات القانون في الجنح ألا تزيد عن ستة شهور، ما لم يكن المتهم معلنا بإحالة القضية للمحكمة المختصة.
- وقد اختلف الأمر في الجنايات، فقد أطلقت المادة 148 من قانون الإجراءات الجنائية مدة الحبس الاحتياطي بعد الستة أشهر، إلا أنها قد وضعت سلطة البت في قرار مد الحبس الاحتياطي أو الإفراج للمحكمة المختصة بنظر القضية ولم تلزم الأخيرة بسرعة نقل القضية لعهدتها لنظرها موضوعا لا مجرد النظر في قرار مد الحبس الاحتياطي من العدم، وذلك الأمر من شأنه أن يعتبر إخلالاً كبيراً بحرية الفرد لعدم تقييد مدته.
فيحبذ أن يسلك المشرع البحريني، ما يسلكه المشرع الفرنسي وذلك في أن يقوم بتحديد مدة زمنية معينة في الجنح والجنايات، بل وأن يحدد مبدأ عاماً يستهدف الحد من طول مدة الحبس الاحتياطي، صالح تطبيقه على كل قضية على حدة، كأن ينص المشرع على عدم تجاوز الحبس الاحتياطى للمدة المعقولة بالنظر الى جسامة الأفعال المنسوبة الى المتهم، فمن غير المعقول أن يحبس المتهم على ذمة القضية شهرين أو ثلاثة شهور من غير أن تنتقل قضيته لمرحلة المحاكمة ويتمكن من تقديم دفاعه وبيناته أو أن تكون العقوبة المقررة أخذا بظروف المتهم وملابسات قضيته لا تتجاوز الشهر مثلا.
- مدى جواز الطعن في الأمر بالحبس الاحتياطى:
لا يجوز في ظل النصوص الحالية للتشريع البحريني الطعن في الأمر الصادر بالحبس الاحتياطى إلا بالنسبة للنيابة العامة، إلا أن العمل قد درج على جواز التظلم من قرار الحبس من المتهم أو وكيله، إلا أن ذلك الأمر يبقى وسيلة مراجعة فقط وذات طابع اداري وتبقى اقل ضمانة وفعالية من الطعن كآلية مراجعة قضائية، خصوصا وأن وجودها مازال عمليا فقط ودون النص عليها.
ونشير في ذلك إلى أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه مملكة البحرين يجيز الطعن كآلية مراجعة قضائية اذ تنص الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من هذا العهد على انه (لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع الى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون ابطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالافراج عنه اذا كان الاعتقال غير قانوني) وعلى ذلك فإن الحبس الاحتياطي يدخل ضمن الإطار نفسه للمادة سابقة الذكر.
- امكانية تخويل سلطة الحبس الاحتياطي لقاض متخصص على غرار قاضي الحريات والحبس في القانون الفرنسي:
تذهب اتجاهات السياسة الجنائية الحديثة الى تخصيص قاض يضطلع بملف الحبس الاحتياطي سواء من حيث الأمر به أو بتمديد مدته أو بالافراج عن الأشخاص المحبوسين احتياطيًا، ويتمتع بسلطات مستقلة عن باقي القضاة وهو ما يمثل ضمانة للمتهم ولفعالية نظام الحبس الاحتياطي نفسه في ذات الوقت. وقد أخذ القانون الفرنسي الصادر في 15 يونيو سنة 2000 بنظام قاضي الحريات.
أما في مملكة البحرين فالمادة 147 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على اختصاص قاضي المحكمة الصغرى بصورة أصيلة وللنيابة العامة بصورة استثنائية ببعض الجرائم التي من بينها التجمهر في حدود الخمسة وأربعين يوما، أما إن زادت المدة فيكون الاختصاص للمحكمة الكبرى الجنائية منعقده بغرفة المشورة وهكذا...، والطريف في الأمر أن قاضي التجديد قد يكون هو قاضي النظر في الموضوع في بعض الأحيان.
والواقع أن تجربة نظام قاضي الحريات والحبس تبدو جديرة بالنظر والاحتذاء بها، لما تتضمنها من مزايا فهي تمثل من ناحية أولى ضمانة لحقوق المتهم باعتبار أن هذا القاضي ليس جهة اتهام ولا سلطة تحقيق مما يمنحه قدرًا كبيرًا من الاستقلال والحياد، كما أن هذا النظام سيبعد عن فرضية كون قاضي التجديد هو ذاته الذي ينظر القضية إذا ما انتقلت للمحكمة ، فضلا عن أن هذا النظام يسهم في فعالية التحقيق الجنائي اذ يكون بوسع هذا القاضي المتفرغ أن يعكف بدرجة اكبر على النظر في كافة المسائل المتعلقة بالحبس الاحتياطى سواء من حيث تقدير سلطة الأمر به أو بتمديد مدته أو الافراج عن المتهم المحبوس احتياطيًا.
• التعويض عن الحبس الاحتياطى
تمثل قضية التعويض عن الحبس الاحتياطى اشكالية قانونية ذات ابعاد متعددة بما في ذلك البعد الاقتصادي ولعلّ هذه الاشكالية تكمن في انه يصعب تقييم مسألة التعويض عن الحبس الاحتياطي بمعزل عن مجمل مبادئ وقواعد وآليات النظام القانوني السائد، لاسيما اذا كان هذا النظام لم يصل بعد الى حد تقرير المسئولية عن الأخطاء القضائية بما يستوجبه ذلك قبول مبدأ تعويض المضرورين قضائيًا.
ولربما يبدو ملائمًا النظر في التجربة الفرنسية في مجال التعويض عن الحبس الاحتياطي، فقانون الإجراءات الفرنسي السابق الإشارة إليه، يمنح لكل من حبس احتياطيًا ثم صدر قرار ﻧﻬائي لصالحه بألا وجه لاقامة الدعوى أو بالبراءة أو باخلاء سبيله أن يطلب تعويضًا كاملا عن الضرر المادي والمعنوي الذي سببه الحبس الاحتياطي، وفي كل الأحوال لا يستحق هذا التعويض اذا كان أساس القرار الصادر هو امتناع المسئولية الجنائية للشخص أو استفادته بعفو لاحق على حبسه احتياطيًا...).
ومما يجدر ذكره أن قانون الإجراءات الجنائية البحريني قد خلا من الإشارة للتعويض عن الحبس الاحتياطي إلا أنه أجاز بالمادة 341 من القانون المذكور سابقا خصم المدة الناتجة عن الحبس الاحتياطي عن أي جريمة مرتكبة من قبل المحبوس احتياطيا أثناء أو قبل حبسه.
ونشير بأن العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قد جاء بمتنه التعويض عن الأخطاء القضائية والذي قد نعد المسألة المذكورة واحدة منها.
في الختام أخلص لعدة توصيات، من أجل تطوير نظام الحبس الاحتياطي في مملكة البحرين:
- رفع الحد الأدنى في الجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطي والتفرقة بالمدد ما بين الجنايات والجنح .
- إعمال بدائل الحبس الاحتياطي بصورة أكبر خصوصا للمتهمين البحرينيين
- تعزيز ضمانات الحبس الاحتياطي وذلك من خلال النص على وجوب تسبيب الأمر الصادر بالحبس الاحتياطي واجازة الطعن فيه والتفكير في انشاء نظام مشابه لقاضي الحريات والحبس في فرنسا.
- تقرير الحق في التعويض عن الضرر الناشئ عن الحبس الاحتياطي مع احاطة هذا الحق بما يلزم من شروط وآليات تضمن عدم اساءة استعماله.
العدد 3455 - الثلثاء 21 فبراير 2012م الموافق 29 ربيع الاول 1433هـ
عاد يبنيتي االكحل في عيون المره خساره
جهد كبير يبنيتي يعكس الوعي القانوني للكاتبه بس خساره الاضواء تسلط على النواحي القانونيه كي يستفيد المشرع او المنفذ لتلك القوانين بس في حالتنا خساره هالاجتهادات وهل الايضاحات لان مافيه احد يستمع او يطبق ما تقولي القانون الدولي ايقول المتهم بريء حتى تثبت ادانته وعند المتخلفين عن ركب الوعي البريء مدان حتى يثبت برائته خساره على هالاضائات يبنتي فانتي اشبه بمن يوقد الشمع في دار لعميان..ديهي حر
موضوع ممتاز
موضوع ممتاز شمل جميع جوانب الحبس الاحتياطي و نقلها للقارئ بصورة واضحه
وااصلي ...(( ترى احنا من المتابعين ))
مقال مميز
دراسة أكثر من رائعة تشكر عليها الأستاذة المحامية، والأجمل فيها الذوق في التعبير القانوني ما جعلني أستمتع كثيراً بالقراءة، والأهم من جمال الأسلوب القيمة العلمية والقانونية للمحتوى.
واصلي فنحن نتلهف للمزيد :)