العدد 3453 - الأحد 19 فبراير 2012م الموافق 27 ربيع الاول 1433هـ

من هو الشعب؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَنْ يحق له أن يرفع قبضة يده للأعلى ليقول: الشعب يريد تغييراً/ ديمقراطية/ إصلاحاً سياسياً؟ هذا سؤال وجيه، والجواب عنه أوجَه. فالقضية مرتبطة بمدى التمثيل الشعبي في ذلك القول، أو احتضانه والموافقة عليه. القذافي قاد هذا التساؤل عندما قال لمعارضيه: مَنْ أنتم؟ وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح قالا كذلك. واليوم يردده نظام بشار الأسد في دمشق.

أبدأ الحديث مِنْ حيث انتهيت. فالنظام السوري يقول صباح مساء بأن في سورية ثلاثة وعشرين مليون إنسان. ومَنْ يتظاهرون ضدنا، لا يُشكلون سوى نصف مليون إنسان من هؤلاء في أحسن الأحوال. أكثر من ذلك، فإن استطلاعاً للرأي معارضاً للنظام السوري، بيَّن أن بشار الأسد كرئيس سوري يحظى بتأييد 12 مليون و650 ألف من السوريين، أيّ بنسبة 55 في المئة من عموم الشعب السوري، وهي نسبة كبيرة، مقارنة بحجم الاحتجاجات الدائرة في بلده.

السفير التركي لدى الاتحاد الأوروبي سليم اينل قال لوكالة «رويترز» قبل أسبوعين، بأن «الأسد مازال يحظى بتأييد، فالطبقة الوسطى مازالت تؤيده، وهي تخشى مما سيأتي بعده». وربما يزيد آخرون، بأن الأقليات في سورية، من مسيحيين وعلويين وآشوريين وأكراد وكذلك أغلب الطائفة السنيّة، والمتحصنة أصلاً في الطبقة الوسطى والتجارية مازالت تدعم الأسد.

وكل مراقب، يتابع الشأن السوري، سيجد أن النظام السوري استطاع أن يظل متماسكاً بقوة فيما خص هيكليته البيروقراطية، وبُنية السلطة لديه؛ فلم ينشَق عنه وزير واحد، ولا سفير له في الخارج، بل ولا حتى قائم بالأعمال، ولم يتمرَّد عليه أي محافظ من المحافظين الثلاثة عشر لهذه الفترة على الأقل. وحتى الجيش السوري لم يشهد انشقاقات بالشكل الذي يوجعه ويهدده. كل هذه الأمور، مفهومة، ومعروفة، ومُدرَكة، لكن ما هو مُدرَك في مسألة التغيير السياسي والجماهيري أبعد من ذلك بكثير.

فشرعية الأنظمة، لا تأتي من التأييد الشعبي العارم، ولا التفاخر بأرقام الجموع المؤيدة للسلطة، وإنما تأتي من إصلاح مشروع الدولة وصلاحها، وانسجامه مع منطق الأشياء، من تداول سلمي وطبيعي للسلطة، وحماية الثروة الوطنية من سيطرة الأقلية المنتفعة، وصون الحريات العامة، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد. هذه هي العناوين الحقيقية للشرعية.

كل دعوات التغيير الديمقراطي في العالم أو الاستقلال عبر التاريخ القريب، كما في إيرلندا (1782 - 1784) وبلجيكا وهولندا للفترة ذاتها تقريباً، لم تكن دعوات تسالَمَ عليها كل الإيرلنديين أو كل البلجيكيين والهولنديين، لكنها كانت دعوات مشروعة وحقيقية غيَّرت مجرى التاريخ، نظراً لأن مشروعيتها نابعة من كُنهِ مطالبها المحقة، والحاجات الطبيعية للأوروبيين، وحقوقهم السياسية العادلة، التي كانت تقضمها السلطات المطلقة الحاكمة.

وحتى الثورات التي اندلعت في أوروبا، لم تكن ثورات «جماهيرية اجتماعية» عارمة كما كان حال الثورة الفرنسية (نظراً لأن الأخيرة كانت قد وقعت في بلد يُشكل 20 في المئة من سكان أوروبا) لكن تلك التحركات استحقت أن يُطلق عليها «ثورات» هدَّت أنظمة سياسية كلاسيكية كاملة، أو قوَّمتها بما يناسب الموجة الديمقراطية الأوروبية، التي كان الفرنسيون قد أشاعوها، في غرب القارة أو في بلدان المنطقة الأوروبية الواطئة، وحتى في أميركا اللاتينية.

هذا الأمر يجب أن يُدركه الحكم في دمشق اليوم. لا يُمكن بأيّ حال من الأحوال، المطالبة بأن يثور كلّ السوريين الثلاثة والعشرين لكي تحظى مطالبهم بالمشروعية والأحقيّة، فذلك أمرٌ لا يستقيم مع طبيعة المطالبات الشعبية أصلاً على مرّ التاريخ، وكذلك بلحاظ تجارب الشعوب، التي كانت في حقيقتها مقسومة الولاء، حتى للأنظمة المستبدة والظالِمَة.

الكل يُدرك، بأن كل الأنظمة السياسية كانت تخلق حولها مجموعات بشرية مؤيدة لها، حتى في أقسى ظروف الاضطهاد. وَجَدنا ذلك بين الأنظمة الديكتاتورية الإقطاعية في أوروبا قبل قرنين، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا القيصرية، حين التفّت حولها قطاعات عريضة من الفقراء المضلَّلين، المهووسين بالخوف من مجيء أطراف سياسية واجتماعية أخرى إلى الحكم، وبالتالي اعتقادهم بضياع ما كانوا ينتفعون به من عطاءات وأرض مفلوحة بسواعدهم، حتى وإن كانت تلك العطاءات تتم وفق معادلة العبد والسيِّد التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

نحن نتابع مبررات السوريين الخائفين أو المتمنعين من التغيير، سواء أولئك الذين هم في الطوائف والأقليات، أو الطبقة الوسطى والتجارية العريضة من السُّنة، لكن مسار التغيير الحقيقي غير مرتبط بتلك المخاوف، إذا ما كان ذلك التغيير يسير وفق الحاجات الديمقراطية الطبيعية، وبالآليات غير المهيِّجة والمقلقة للأمن الشخصي والجماعي لذلك المجموع، لأنها حق مشروع جدًا، ولا تنتظر موافقة شعبية عريضة، ولا إلى إجماع تام ومسكوك، في ظلّ سلطة مستبدة، تمارس الطغيان، والقتل بقسوة على قطاعات كبيرة من شعبها.

بالتأكيد، لا نقبل بأن يتم عسكرة الطوائف، ولا إلى تسليح الجماعات، ولا الدعوات إلى تقسيم البلد وتفتيته كما يصرِّح المسئولون الصهاينة اليوم علناً في تل أبيب، ولا بالتآمر الغربي الإمبريالي ضد سورية، لكننا أيضًا لا نقبل بأن يظلّ النظام السوري بشكله الديكتاتوري والأمني السيئ، لأن مقاسه لم يعد يتناسب مع العصر، لا طولاً ولا عرضاً.

اليوم، يتحدث النظام السوري عن إصلاح سياسي يقوم به على قدم وساق، من دستور جديد للدولة يلغي المادة الثامنة، ويحقق التعددية السياسية، لكنني في حقيقة الأمر غير مقتنع بذلك الإصلاح الذي يُروَّج له. لسنا عدميين، ولا متشائمين بالمطلق، لكن التجارب التاريخية علمتنا، أن الإصلاح السياسي في أنظمة ديكتاتورية، دون تغيير البنى السياسية والاجتماعية للنظام القديم لا أمل فيه أبداً.

وربما يُذكرنا هذا، بتجربة العالِم الاقتصادي الفرنسي الكبير تورغو، الذي كان داعية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ضد ظلم حكم لويس السادس عشر المطلق. لكن تورغو نفسه وعندما أتى به لويس السادس عشر كرئيس للحكومة في العام 1774 وحتى العام 1776، لم يُحقق شيئاً في مشروعه السياسي والاقتصادي الإصلاحي، ولم ينتصر للفقراء، بل فشِل هو وبرنامجه، والسبب كان هو بقاء ذات الأطر السياسية والاجتماعية داخل السلطة الفرنسية المطلقة، والتي لم تكن تنسجم مع الإصلاح أصلاً، في الوقت الذي كان فيه تورغو يطبق مشروعه على استحياء لكي لا يغضِب السلطة حينها كما يذكر التاريخ لنا. وهو ما نخشى أن يتكرر في سورية اليوم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3453 - الأحد 19 فبراير 2012م الموافق 27 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 5:53 ص

      عنوان المقال موضوع

      كلمة شعب هي تعبير عن انتماء والانتماء له متطلبات استحقاقية تكون الاساس في حساب الفرد كاجزء من الشعب وهي مايتفق عليها مكونات الشعب ويتحقق ذلك عبر تحقق الرغبة الصادقة لدى الطرفين التي تفضي الى الذوابن في المجتمع لتجعله جزاء منه، حيث لايحده مكان او زمان في العمل على خدمة انتماءه فيعرف للوهلة الاولى انه من المكان الذي ينتمي اليه وينادى به، عندها تثبت احقيته في دائرة البناء والتغيير لانه اصبح مكون اساسي ولايمكن استبعاده

    • زائر 14 | 2:13 ص

      صح

      لا نقبل بأن يظلّ النظام السوري بشكله الديكتاتوري والأمني السيئ، لأن مقاسه لم يعد يتناسب مع العصر، لا طولاً ولا عرضاً

    • زائر 13 | 2:00 ص

      شكرا

      كاتبنا المبدع, مقال رائع و مفيد,نشكرك على المجهود الطيب,قراءة مقال غني و مفيد كهذا يشعر القارىء بان ان الكاتب حسب للقارىء الف حساب و احترم عقله بل ان القارى يشعر بانه لابد انه اصبح ذكيا و راقيا لاستمتاعه بقراءة مقال كهذا

      نشكرك لاحترامنا,هذا ما نفتقده في الصحافة

    • زائر 6 | 11:34 م

      لكن تورغو نفسه وعندما أتى به لويس السادس عشر كرئيس للحكومة في العام 1774 وحتى العام 1776، لم يُحقق شيئاً في مشروعه السياسي

      والاقتصادي الإصلاحي، ولم ينتصر للفقراء، بل فشِل هو وبرنامجه، والسبب كان هو بقاء ذات الأطر السياسية والاجتماعية داخل السلطة الفرنسية المطلقة، والتي لم تكن تنسجم مع الإصلاح أصلاً، في الوقت الذي كان فيه تورغو يطبق مشروعه على استحياء لكي لا يغضِب السلطة حينها كما يذكر التاريخ لنا. وهو ما نخشى أن يتكرر في سورية اليوم ... و مصر واليمن و....ويمكن العمل به في دول اخرى قريبه لنا جدا و....

    • زائر 3 | 11:04 م

      يبو عبدالله سؤال وجيه

      ساظل اردد طوال اليوم تسائلك المبهم والى ان يخلص النهار ساكون خرجت بمجموعة اجوبه ربما احدها هو الجواب الصح وعلى طريقه من سيربح المليون ساحذف بعض الاجابات واذا توهقت سا اتصل بصديق...اتفضل اتكلم من هو الشعب؟ في بالي ثلاث اجابات ساسردها الان والى اخر النهار ربما تصل الى 30 او 300 من هو الشعب هل هو من استورد جده اواباه للقيام بعمل ما في الديره واستحسن طيب اهل البلد ونوخ مكانه وفرخ ؟؟هل الشعب من استورد لتكميل حسبه معينه وحقن بكل منشطات الدنيا ليسد القاصر ام هو من تمخض من رحم البلد يعني الاصيل؟؟ديهي حر

    • زائر 1 | 11:01 م

      سيرحل

      سيرحل بشار الزرافة بإذن الله قريباً وستكون نهايته أقبح من نهاية القذافي
      والأيام ستثبت لك هذا

اقرأ ايضاً