العدد 1440 - الثلثاء 15 أغسطس 2006م الموافق 20 رجب 1427هـ

قتلُنا هي ديمقراطيتهم المنشودة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الرئيس الأميركي وكبار قادة حكومته يؤكدون ان حربهم في البلاد العربية ومثلها أفغانستان هدفها تحقيق الديمقراطية في هذه البلاد، ولا يتردد هؤلاء في القول إن هذه الديمقراطية قد تحققت فعلاً في كل من العراق وأفغانستان بفضل جهودهم «المباركة» هناك، ولأن تجربتهم - كما يقولون - قد أثبتت نجاحها فإن تكرار تلك التجربة في لبنان خطوة تستحق المبادرة لكي تتحقق بفضل أدائهم المتميز في كل مكان يوجدون فيه.

ديمقراطية العراق يراها العالم كله، ففي كل يوم يقتل العشرات، والقتل على الهوية أصبح عملاً مشروعاً، ومثله هدم دور العبادة على رؤوس أصحابها، اما تقسيم العراق فقد أصبح واقعاً ملموساً وكل هذا بفضل الديمقراطية الأميركية!

نماذج ديمقراطية الأميركان في العراق كثيرة لا تحصى ويكفي ان يكون «أبوغريب» واحداً من هذه النماذج، اما قتل النساء والأطفال وحوادث الاغتصاب والقتل فحدث عنها ولا حرج، ذلك ما فعلوه هناك والبقايا في الطريق. ومع استنكار العالم كله لكل تلك الجرائم إلا أن القيادة الأميركية لاتزال مصرة على انها حققت الديمقراطية في العراق وكأنها بتلك الأكاذيب تستغفل العالم كله أو لا تقيم له وزنا.

اما لبنان - المنكوب بتلك الديمقراطية - فهو على قائمة الأميركان الحالية وكأنه لم يكن ديمقراطياً في يوم من الأيام وكأنه كان ينتظر التدخل الأميركي لتحقق له تلك الديمقراطية.

السفير الأميركي في الأمم المتحدة جون بولتون يردد هو الآخر موقف حكومته من لبنان فهو يقول: إن لبنان حر ومستقل يمكنه ان يصبح مثالاً للديمقراطية لبقية دول الشرق الأوسط! ويقول بولتون: إن تلك الديمقراطية لا تتحقق الا ببعض الإجراءات ليكون لبنان مهيأ لتلك الديمقراطية... وأضاف: ان الأمر سيكون تقدماً لافتاً لن يمر مرور الكرام في المنطقة.

اعتقد أن القيادة الأميركية بالتعاون مع اليهود اتخذت فعلا بعض تلك الإجراءات التي وعدت بها. ولأن كل حرية لابد لها من ثمن فإن على اللبنانيين دفع الثمن بحسب الرؤية الأميركية - الصهيونية لكي تتحقق لهم تلك الديمقراطية.

مجزرة قانا التي قتل فيها أكثر من ستين لبنانيا معظمهم من الأطفال كانت بداية تلك التضحيات التي دفعها أهالي قانا هؤلاء كانوا ينامون في ملجأ خوفاً من الإرهاب الصهيوني ولكن هذا الإرهاب لحقهم الى ذلك الملجأ الذي انهدم فوق رؤوسهم بفعل الصواريخ الصهيونية والدعم الأميركي الذي لم يتوقف.

لم تكن هذه المجزرة هي الأولى لأهالي قانا فقد كانت هناك مجزرة سابقة وقعت العام 1996م في الثامن عشر من ابريل/ نيسان وقد كان ضحية هذه المجزرة 109 قتلى، وكان هؤلاء القتلى يحتمون بمقر الأمم المتحدة خوفاً من الإرهاب الصهيوني ولكن - ومرة أخرى - لحقهم هذا الإرهاب، وهذه المرة في مقر الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكناً لا في المجزرة الأولى ولا الثانية والفضل يعود في ذلك لديمقراطية أميركا التي كانت تباركه كل مرة.

مجزرة قرية مروحين هي الأخرى واحدة من شواهد الديمقراطية الأميركية - وما أكثر هذه الشواهد - وبالتالي فإن الأميركان ليسوا بحاجة الى اثبات جديتهم في تحقيق اهدافهم ولاسيما انه مازالوا يشجعون الصهاينة على مواصلة قتل المدنيين في لبنان وفلسطين.

مجزرة قانا كانت اجراماً متعمداً بكل المقاييس وبكل القوانين الدولية، هذه المجزرة هزت مشاعر الصحافيين الاجانب وكانوا يبكون وهم يشاهدون جثث الأطفال الممزقة وتحت الانقاض، كما هزتهم كلمات بعض النساء اللواتي فقدن كل اقاربهن، لكن هذه المآسي - على بشاعتها - لم تحرك المشاعر الأميركية فالسيدة رايس أعربت عن أسفها لما حصل! والسيد بوش دعا الى سلام دائم في الشرق الأوسط يصب في مصلحة الأطفال! ولست أدري ماذا يعني بكلمة «دائم» ولا عن أي أطفال يتحدث!

ومجلس الأمن - الذي تتحكم فيه أميركا - أعرب هو الآخر عن اسفه وحزنه ولاشيء أكثر من هذا... حتى ادانة الصهاينة لم نسمعها من هذا المجلس المحترم! والأمم المتحدة بقضها وقضيضها عجزت عن ايقاف القتال في لبنان، والفضل يعود للولايات المتحدة وديمقراطياتها المتعددة في كل مكان. ولكن هل كان موقف بعض العرب أفضل من موقف الآخرين؟ هذا هو السؤال المحزن.

مصر - أكبر دول العرب - اكتفت باستدعاء السفير الإسرائيلي وابلغته غضب مصر الشديد - ما شاء الله - على ما حدث... لعل الأخوة في مصر يعتقدون ان غضبهم الشديد سيكون له مفعول السحر عند الصهاينة!

اما الآخرون فقد اكتفوا ببعض التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع... الكل يدرك ان قضية لبنان لاتهم معظم العرب ولا جامعتهم التي تمثلهم هي قضية الأميركان واللبنانيون ولاشيء سوى ذلك.

الأميركان وينتهكون كل القيم والاخلاق في كل افعالهم، ويرسلون القنابل الذكية لإحراق اللبنانيين ومثلها الصواريخ الحارقة، يعلنون كل ذلك وبوقاحة لا مثيل لها... بعضها يشحن عن طريق بريطانيا والبعض الآخر من قطر - وهي دولة عربية لمن لا يعرف - ومع هذه الوقاحة فإنهم يرون ان كل من يساعد لبنان يعتبر إرهابياً، بطبيعة الحال هذه اهم ملامح الديمقراطية التي يبشرون بها.

الأمل معقود على كل اللبنانيين للدفاع عن بلادهم، ولعل مجزرة قانا ومعرفتهم للأهداف الصهيونية والأميركية يجعلهم يوحدون مواقفهم دفاعاً عن بلادهم.

اما الأميركان فسيدركون ان الدم العربي لن يضيع هدراً، وأن كل معلم سيكون شوكة في حلوقهم وفي حلوق مشروعاتهم الاستعمارية وانهم لن يحققوا أياً من أهدافهم التي قتلوا عشرات الآلاف من أجل تحقيقها.

وأخيراً أتمنى ألا تقول كل دولة عربية: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض والله الموفق

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1440 - الثلثاء 15 أغسطس 2006م الموافق 20 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً