في الوقت الذي كان يخوض فيه المجاهدون في لبنان حرب الأمة ومعركة الاسلام ضد اليهود المتوحشين الذين يقتلون اللبنانيين والفلسطينيين من المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، ويسجلون اقوى الانتصارات البطولية في خط المواجهة لأول مرة في تاريخ الصراع مع اليهود، نجد في الساحة العراقية بعض الفئات من التكفيريين المتعصبين يرتكبون المجازر الوحشية ضد العراقيين المدنيين من العمال والفلاحين والكسبة الأبرياء، ومن الأطفال والنساء والشيوخ، في المساجد والاسواق والشوارع، من دون رحمة، على أساس مذهبي أعمى، في الوقت الذي يطبق الاحتلال الاميركي وحليفه البريطاني ورديفه الإسرائيلي على العراق، مصادراً كل أوضاعه، وناهباً ثرواته، ومحاصراً شعبه، ومطوقاً سياسته، ومحركاً حساسيته الطائفية والمذهبية، الأمر الذي يوجه فيه كل الفوضى الأمنية، ويبشر بالحرب الاهلية من خلال مسئوليه في بغداد وواشنطن، فيشغلون بذلك الأمة عن ساحة الجهاد دفاعاً عن الإسلام والمسلمين في لبنان وفلسطين والعراق، ويخلقون فتنة مذهبية على صعيد العالم الإسلامي ليسقط تحت تأثير الاستكبار.
إننا في هذه المرحلة الصعبة الدقيقة من تاريخنا العربي والاسلامي، وأمام المجزرة الرهيبة التي قام بها شخص انتحاري بتفجير نفسه في السوق الكبير في النجف الاشرف القريب من حضرة الامام علي أمير المؤمنين (ع)، في المناسبة الشريفة التي تلتقي بذكرى مولده، فحصدت الكثير من المواطنين العراقيين والزائرين للمرقد المقدس، نسأل: كيف يكون هذا الشخص منتسباً الى الاسلام الذي يحرم على المسلمين دماء أي مسلم أو ماله أو عرضه، وكيف يكون فريقه المسمى بـ «جيش الصحابة» إذا صحت النسبة من أتباع صحابة الرسول (ص) الذين وصفهم الله في كتابه المجيد بقوله تعالى: «أشداء على الكفار رحماء بينهم» (الفتح: 29) ممن عرفوا كيف يتعاونون على البر والتقوى، ويتشاورون في مصلحة الاسلام والمسلمين ولاسيما الكلمة الخالدة للامام علي (ع): «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة»؟!
إننا نتهم هؤلاء بأنهم يتحركون في ذهنياتهم ومجازرهم من خلال خلفيات خبيثة للموساد الاسرائيلي، الذي دخل العراق مع الاحتلال ليعبث بكل اوضاعه، ويمزق كل مفاصله، ومن خلال خلفيات المخابرات المركزية الاميركية لأنهم ينفذون بأعمالهم خطط الصهيونية والاستكبار التي تنطلق لتمنع وحدة العراق وتضامن شعبه وتعاون ابنائه، وهذا هو ما يريده الاحتلال الاميركي في شعاره في «الفوضى البناءة» أو «الخلاقة» كما يسميها الرئيس بوش وفي مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي لا يتناسب مع عراق موحد سيد، مضاد للاحتلال، مجاهد من أجل انسحابه من أرضه.
نقول للعراقيين الشرفاء من علماء ومثقفين وسياسيين من كل الطوائف والمذاهب، ارحموا بلدكم، ووحدوا مواقفكم، وتصالحوا فيما بينكم، وفكروا في المستقبل الذي ينتظره الشعب كله في بناء العراق العربي الاسلامي الجديد الذي ينطلق من قاعدة عروبته وإسلامه، ويحاول استعادة حضارته. ونتوجه للمرجعيات الاسلامية من الشيعة والسنة أن يتحملوا المسئولية بقوة، وألا يفسحوا المجال لمثل هذه المآسي الإنسانية في المجازر الوحشية أن تخلق أية فتنة طائفية مذهبية ثأرية، لأن ذلك ليس من مصلحة الشيعة والسنة بل من مصلحة الاحتلال، وعليهم ان يكونوا أكثر وعياً للحوادث المؤلمة لئلا تبعدهم عن الوحدة الاسلامية والوطنية... وندعو الجميع الا يكتفوا بالاحتجاجات الكلامية والانكار الخطابي، بل أن يبحثوا جميعاً عن هؤلاء، ما هي انتماءاتهم وخلفياتهم وعلاقاتهم الخفية بالموساد والمخابرات الأميركية، ليكشفوهم للشعب العراقي وللعالم كله، لأنهم من زمرة المنافقين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم...
وإننا بهذه المناسبة نرفع صوتنا الى المسلمين جميعاً بأن يحترموا أخوتهم الاسلامية، وأن يحلوا مشكلاتهم المذهبية الثقافية بالحوار العلمي الموضوعي الذي يرتكز على الثوابت والقواسم المشتركة، وأن يعرفوا أن دم المسلم الشيعي حرام على المسلم السني، وأن دم المسلم السني حرام على المسلم الشيعي، فلا يجوز لأعمال الفعل ورد الفعل ان تسيطر على المشاعر الملتهبة والآلام المتوترة... ونتوجه للمسئولين العراقيين جميعاً بأن يرتفعوا الى مستوى المرحلة، لينطلقوا في المحافظة على أمن الشعب العراقي في جميع مدن العراق، ولاسيما في العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية وكل مواقع العبادة، وليعملوا على المطالبة بزوال الاحتلال ومخلفاته وأعوانه، وليتعاون الشعب كله ليكون كل مواطن حارسا وخفيراً...
نعتقد بشرعية المقاومة ضد الاحتلال، ولكن الذين يقتلون العراقيين ويتحركون بالحقد المذهبي ضد المسلمين لا يملكون شرف المقاومة، وليسوا منها في شيء، لأن المقاومة تحفظ دماء شعبها وتتحمل مسئولية حريته وأمنه واستقلاله. وأقول في الختام لكل اخواني وابنائي في العراق الجريح ما قاله الله عز وجل: «يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون» (آل عمران: 200)
مرجع ديني
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1440 - الثلثاء 15 أغسطس 2006م الموافق 20 رجب 1427هـ