وفقا لما أشارت إليه بعض الدراسات الحديثة، فإن دول المنطقة أعطت للآثار الاجتماعية لبرامج الاصلاح الاقتصادي التي تسعى الى تنفيذها اهتماما خاصا أسهم في تخفيف الجوانب الضارة لهذه الآثار على المواطنين، كما سعت الى تنفيذ الكثير من السياسات الاجتماعية والاقتصادية للتكيف مع تلك الاصلاحات.
ولابد من التنويه في البدء هنا إلى ان نجاح دول المجلس في هذا المجال يعود الى سببين رئيسيين، الاول هو عدم قيام دول المجلس بتطبيق برامج شاملة وسريعة للاصلاح الاقتصادي، وانما برامج منتقاة لبعض القطاعات خدمة لاهداف محددة، اما العامل الثاني فهو الحرص على ابقاء الانفاق الجاري في الميزانيات الحكومية عند معدلاته الاعتيادية حتى وان كان هناك عجز في هذه الموازنة تتم تغطيته في الغالب من خلال الاقتراض وتقليل حجم الانفاق الاستثماري في بعض الاحيان.
ان دول مجلس التعاون الخليجي سعت الى تنفيذ سياسات واسعة لتوطين الوظائف والمهن بجميع اشكالها وذلك من خلال تبني برامج واسعة للتأهيل والتدريب من خلال الاهتمام بالبرامج التعليمية والتدريبية المهنية من جهة، وفرض بعض الحوافز التشجيعية لتوظيف الأيدي العاملة الوطنية وبعض القيود على توظيف الايدي العاملة الاجنبية، وأسهمت هذه الجهود في تحقيق الهدف المنشود جيداً ما خفف من المضار الاجتماعية لتزايد أعداد العاطلين عن العمل.
إلا ان الملاحظة التي يمكن إيرادها هنا انه اذا كانت هناك جهود ضخمة قد بذلت خلال العقود الماضية في مجال التعليم بكل مراحله بدول المنطقة، إذ امتلأت مؤسساتنا وشركاتنا واجهزتنا الحكومية بالشباب المتعلم الا اننا مع ذلك نظل نتساءل عما اذا كانت هذه الجهود قد نتج عنها دمج المعارف والانجازات الاقتصادية المتحققة بالبيئة المحلية )مناهج التعليم ومعاهد التدريب والكليات التقنية واجهزة اقتصادية توجيهية واستشارية( التي بدورها تؤمن تحويل هذه المعارف والإنجازات الى معارف وانجازات وطنية )بمفهوم تملك المعارف والتقنيات الملازمة لها والناجمة عنها من قبل اجيال متعاقبة( وبالتالي ايضا ضمان تطويرها والبناء عليها في جهود ابداعية وتطويرية.
ان هناك مسئولية مشتركة للحكومات والقطاعات الاهلية في تصحيح الكثير من المفاهيم الاقتصادية الخاطئة، ان احد الأسس المؤمل اتباعها هنا هو ضمان ألا تؤدي التوجهات الاقتصادية الجديدة الى تحميل المواطنين الاعباء من دون ان تشعرهم بإيجابيات ومزايا هذه التوجهات في المديين المتوسط والطويل الأجل، كما أن ايجاد السبل التي تجنب ذوي الدخول المحدودة تلك الاعباء في المدى القصير ايضا هو امر مطلوب.
ان حث المجتمع الى التحول نحو وتيرة افضل واسرع من البناء والانتاجية والمساهمة الجماعية في الحفاظ على اشكال الرفاهية وأسسها ينبغي ان يأخذ عدة اشكال، ونرى ان اعادة تأهيل وتوجيه الكثير من مفاهيم الثقافة الاقتصادية السائدة هي اهم هذه الاشكال
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1439 - الإثنين 14 أغسطس 2006م الموافق 19 رجب 1427هـ