كاستثمار سهل في مجازر لبنان وعلى حساب الضحايا وسط غفلة الجميع، فقد أقدمت الحكومة المصرية على رفع أسعار وقود السيارات بنسبة عالية، وبما أن القلوب عند بعضها، فقد شاركتها حكومة البحرين ذلك التوجه لتمرير كل ما من شأنه التنغيص على المواطن وسلبه بعضاً من حقوقه البسيطة، ابتداء من الإصرار على تمرير مشروع التصويت الالكتروني في الانتخابات المقبلة، ثم الاعلان عن تغيير الإجازة الأسبوعية في القطاع الحكومي إلى الجمعة والسبت، وأخيراً قرار حكومي بحجب مشاهدة المواقع الجغرافية عن قرب عبر برنامج «google earth» للحيلولة دون تسرب معلومات سرية لمواقع صواريخ البحرين عابرة القارات أو مفاعلاتها النووية!
نتوقع تمرير المزيد من القرارات المضحكة ولكن بالتقسيط الممل، فما تقوم به الحكومة شبيه بعلاج الشعب باستخدام أبر صينية، فلا يمكن غرس الأبر دفعة واحدة، ولكن وحدة وحدة، لامتصاص الألم واحتواء ردود الفعل، ومواصلة الإعداد لأبر جديدة غير مؤلمة، فمن تقطع يده لا يشعر بانتزاع شعرة منها، ومن يتألم لأجل لبنان حالياً، لا يعبأ بقرارات حكومية يراد تمريرها في هذا الظرف الزمني. فان كانت الحكومة تسعى إلى صد الناس عن متابعة ودعم القضايا العربية بهذا الشكل فلن تنجح، وان كان القرار الحكومي يتم إعداده في مطبخ اللوائح السريعة، فإن آثاره الذميمة ستمتد إلى يد الطباخ قبل إصدار القرار وتجربته على المواطنين.
بالنسبة إلى التصويت الالكتروني فمازال الجهاز المركزي للإحصاء يتحدث عن الايجابيات ويتحاشى الحديث علناً عن سلبيات النظام، ونحن كتقنيين وأصحاب مواقع الكترونية، ندرك جيداً ما يدور في الكواليس، ونستطيع وصف الطريقة التي يمكن من خلالها التلاعب بنتائج الانتخابات أثناء المرحلة الخامسة وبعدها، وهناك بعض من الطامعين بمزايا المقعد النيابي على حساب استنزاف موارد الدولة والتضحية بمصالح الشعب لأجل مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية، لا يريدون الإشارة إلى ثغرات النظام التقني وإمكان اختراقه أو انهياره أو حتى امتداد أصابع سلطوية لتغيير النتائج بإقصاء مرشح قوي واستبداله بصنم لا يضر ولا ينفع. وأفضل طريقة يقوم بها أي مرشح ضعيف وغير مدعوم هي حث تجار الانتخابات على إصدار البطاقة الذكية، وتجميع المئات منها ليوم الانتخابات، طبعاً بعد دفع مبلغ من المال مقابل كل بطاقة، ومن ثم يقوم المرشح أو أي من أعوانه بعيداً عن الأضواء ووعود أي ناخب متقلب، ومن خلال الانترنت يقوم بانتخاب نفسه مئات المرات مادام يحتفظ بالبيانات السرية لبطاقة الناخب الذهبية، ولا داعي للناخب حديث العهد بالجنسية في دول مجلس التعاون إلا الدخول على موقع الانتخابات وتزكية أي ناخب وإن لم يره في حياته، وبذلك تستطيع السلطة أن تتباهى بالإقبال الشديد على المشاركة في الانتخابات، بينما الواقع يقول غير ذلك، فالصناديق الانتخابية هي المعبر الحقيقي عن توجهات الناخبين، بينما الصندوق الالكتروني يمكن توجيهه في ثوان قليلة بكل أمان تقني وبعيداً عن أية شبهة جنائية!
قرار آخر تسعى الحكومة إلى إصداره وهو تغيير الإجازة الأسبوعية للقطاع الحكومي الى يومي الجمعة والسبت، فنسبة رافضي هذا القرار لم تعد خافية على الحكومة، ومع ذلك فهي تصر على إصداره تماشياً مع بعض توجهات دول مجلس التعاون الشقيقة، دعماً للاقتصاد الوطني كما يروج له، فإن كانت سيدتنا الحكومة تريد مجاراة هذه الدول، فعليها إلقاء نظاراتها السوداء جانباً والنظر بعيون واسعة إلى المستوى المعيشي الذي يتمتع به المواطن الخليجي، وإلى العلاقة الطبيعية المتبادلة بين الحاكم والمحكوم هناك، من دون أن ينغص تلك العلاقة مسيرة أو اعتصام أو شتيمة على المواقع الالكترونية، فان كانت سيدتنا تدرك ذلك جيداً، فعليها مراجعة مستوى الأجور للعاملين في القطاع العام، وفرض ضرائب على الشركات الكبرى في القطاع الخاص مساهمة منها في دفع عجلة التنمية والتطوير، ورفع مستوى الأجور لعمال القطاع الخاص الذين لم تشملهم مكرمة أو زيادة منذ سنوات عدة، وكأنهم يمثلون «أبناء وطن آخر» فيحرموا من الحقوق وتفرض عليهم الواجبات، وهناك المتقاعدون ممن يدخرون فتات مستحقاتهم التقاعدية لأجل العلاج أو سداد ما تبقى من فواتير الحياة. بعد كل ذلك نستطيع أن نتفاهم على إجازة هنا وعلاوة هناك.
ومع ذلك فالغالبية العظمى ستحرم بعد إصدار القرار من إجازة يوم الخميس وما تمثله من فرصة لتعامل المواطنين مع بعض المؤسسات وتخليص معاملاتهم في هذا اليوم. من جانب آخر فالكل يتساءل ما هي علاقة دفع عجلة الاقتصاد بتغيير إجازات الموظفين في وزارات التربية والصحة والأشغال والكهرباء والعمل والعدل وغيرها؟ فان كان الأمر يقتصر على وزارة المالية ومؤسسة نقد البحرين وسوق البحرين للأوراق المالية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، فعندئذ نستطيع تفهم الأمر والسير في الاتجاه الصحيح. أما قضية الانصياع لتوجهات الحكومة المنفردة بعد التصديق على قانون الخدمة المدنية، وعدم تدخل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لتقديم المصالح المحلية للعمال على نشاطه الدولي المبرمج، فذلك ما نطلق عليه بسياسة كسر العظم وإحراج العاملين بقرار حكومي ذميم... نتمسك بحق العاملين في إبداء رأيهم بشأن القرار، وإلزام الحكومة بما ألزمت به نفسها من خلال استفتاء العاملين.
أما إن كانت الحكومة مازالت تصر على هذا التغيير المربك لخطط وبرامج بعض وزارات الدولة، فعلى الأقل أن توجد حلاً منطقياً لمواعيد المرضى في المستشفيات والمصادفة ليوم السبت خلال الفترة القادمة، والتي قد ينجم عن تأخيرها أو إلغائها انتظار المرضى لشهور كثيرة، فمنهم من يتألم ومنهم من سيلقى حتفه قبل الحصول على موعد جديد. أما بالنسبة إلى وزارة العدل فهناك آلاف من الدعاوى تنتظر التأجيل حتى سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، وتغيير الإجازة الأسبوعية بهذا الشكل يعني تأجيل مواعيد الجلسات لآجال غير معروفة مع إعادة تبليغ أطراف الدعوى. مازال هناك وقت كاف لتجميد القرار وإعادة النظر في طبيعة التعامل الإداري بين الحكومة والعاملين في جهازها، تلافياً لحدوث مشكلات متوقعة وأخرى لا نعلمها، ذلك ان كانت الحكومة فعلاً جادة في إصلاح أي خلل ومتابعة مشكلات الناس قبل أن تستفحل.
القرار الثالث وليس الأخير، هو حجب مشاهدة المواقع الجغرافية لجميع دول العالم باستخدام برنامج «google earth»، ويهدف هذا القرار أو التوصية كما أطلق عليها إلى منع المواطن البحريني من التمتع بمشاهدة البحرين من الفضاء، فمواقع الجزر والأراضي الشاسعة والقصور والشاليهات والحدائق وبرك السباحة أصبحت جزءا من أسرار الدولة ومواقعها السيادية، فإن لم يتمكن المواطن من زيارة تلك الجزر والمواقع المحرمة، فهو محروم أيضاً من مشاهدة وطنه بواسطة جهاز الكمبيوتر، وبذلك يدعو القرار من لا يعنيه الأمر ولو من باب الفضول إلى مشاهدة الجنان في جزر البحرين والتمتع بمناظرها الخلابة.
قرار متخلف لا يليق بدولة نامية، وتوجه يحدد المصلحة العامة بمجرد اجراء مكالمة حكومية لتقوم شركات الاتصالات بعد ذلك بحجب الموقع من دون تسلم قرار من الجهة المعنية، بل تعليمات مجهولة المصدر، وما أكثر المواقع الالكترونية التي تم حجبها بقرار غير مكتوب، خصوصاً السياسية منها. أما مواقع التطرف الديني والإرهاب فهي متاحة للجميع، لتدريب الأطفال والمراهقين على العنف والتكفير، ومواقع أخرى تتعلق بالأسلحة والمخدرات والجنس والقمار والإرهاب الدولي فلا تطلها قرارات الحجب لأسباب نعلمها ولا نود الحديث عنها حالياً. أما برنامج «google earth» فهو قابل للتطوير والتحديث، فان كان البرنامج حالياً يتمكن من تصوير سواحل العالم عن قرب، فسيتمكن غداً من تصوير الأفخاذ الذهبية المستلقية على تلك الرمال، حينها ماذا ستفعل سيدتنا الحكومة؟
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1439 - الإثنين 14 أغسطس 2006م الموافق 19 رجب 1427هـ