العدد 1439 - الإثنين 14 أغسطس 2006م الموافق 19 رجب 1427هـ

فك الاشتباك السياسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان «وإسرائيل» نحو 24 ساعة. ويتوقع لهذا الاتفاق أن يستمر وسط قلق من احتمال عودة المواجهة الميدانية بين القوات الغازية وقوات حزب الله.

احتمال عودة المواجهة ليست مستبعدة إذا لم تسارع الأطراف المعنية دولياً وعربياً وإقليمياً إلى فك الاشتباك السياسي. فالحرب الآن علقت وهي تنتظر تلك الحلول التي كانت سبباً للانفجار.

«إسرائيل» أعلنت في بيانها الوزاري الذي أصدرته للموافقة على القرار 1701 أنها حققت أهدافها السياسية من وراء الحرب. لم تحدد حكومة إيهود أولمرت بوضوح تلك الأهداف السياسية، ولكنها أشارت إلى موضوعات تتصل بمزارع شبعا وتبادل الأسرى ووقف سقوط الصواريخ وتراجع قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني وانتشار قوات دولية - لبنانية مشتركة في الجنوب وعلى الحدود (الخط الأزرق).

هذه هي العناوين التي أشارت إليها حكومة أولمرت في بيانها ووردت أيضاً في تصريحات مختلفة أطلقها وزراء في مؤتمرات صحافية. ولكن قراءة تلك العناوين تكشف أن «إسرائيل» لم تحقق حتى الآن أي هدف منها. فالكلام عام وقيل للاستهلاك المحلي وشراء سكوت الناس وتغطية تلك الفضيحة الميدانية التي ضربت الجيش الإسرائيلي وكشفت ثغراته وضعفه في المواجهات المباشرة.

كل الأهداف السياسية التي أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية عن تحقيقها لاتزال حتى اللحظة قيد البحث والمراجعة. مزارع شبعا طرحت مشكلتها دولياً حتى لو أصرت تل أبيب على عدم الانسحاب منها. وتبادل الأسرى وضع على سكة الحل وهذا ما وعدت به وزيرة الخارجية في مؤتمرها الصحافي. اما سقوط الصواريخ وتراجع حزب الله وانتشار قوات مشتركة فهي نقاط عالقة لاتزال موضوع بحث وأخذ ورد داخلياً وإقليمياً وبين الجانب اللبناني وهيئة الأمم المتحدة.

المسألة إذاً لم تنته فصولها السياسية. فالمطلوب بعد وقف إطلاق النار فك الاشتباك الميداني على الأرض وبالتالي تفكيك المشكلات التي سببتها هذه الحرب المدمرة. «إسرائيل» تقول إنها تريد الانسحاب من الجنوب اللبناني خلال أسبوع أو أكثر وهي بدأت بإعادة التموضع والانتشار وإخلاء بعض المواقع بهدف ترتيب خطوطها الدفاعية، هذا في الجنوب. اما على مستوى الساحة اللبنانية فإن تل أبيب هددت باستمرار فرض حصارها البحري والجوي بذريعة منع تسلل المقاتلين أو تسريب الأسلحة. إلا أن هذا الحصار الذي أعلنت حكومة أولمرت عن استمراره يستهدف مجموعة نقاط تتجاوز تلك الذريعة الأمنية. فالحصار يريد توجيه رسالة سياسية للحكومة اللبنانية وهي أن تل أبيب أصبحت في موقع الأقوى وتستطيع أن تفرض شروطها من خلال الضغط على الحياة المدنية للناس وتعطيل حركتهم اليومية ذات الصلة بالحاجات التي لا غنى عنها.

وقف إطلاق النار نقل الآن انتباه الناس من مشكلة الأمن والخوف على الحياة إلى مشكلات أخرى تبدأ بتفقد النازحين لمنازلهم وقراهم ومناطقهم لاستكشاف مدى الخسائر والإضرار. بعدها ينتقل الناس إلى مطالبة الدولة بالتعويض أو المساعدة في إعادة الإعمار وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية. وبعدها يأخذ الناس بالبحث عن مصادر بديلة للعمل والأرزاق.


الحصار عمل عدواني

هذه المشكلات تتجاوز حدود السياسة وشروط المواجهة أو إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي، لأنها في جوهرها تتركز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والاستهلاكية. وهذا الموضوع مهم جداً لأنه يتصل في النهاية بأمن البلد الاجتماعي والحدود القصوى التي يمكن للناس تقبلها أو تحملها.

إذا استمر فرض الحصار الجوي والبحري على لبنان فمعنى ذلك أن «إسرائيل» بدأت بشن عدوان سياسي/ إنساني جديد على البلد الصغير. وهذا العدوان لا يقل خطورة عن تلك الأطنان من القذائف والصواريخ التي القتها الطائرات والبوارج والمدافع على أرض لبنان من الجنوب إلى الشمال. فرض الحصار عمل عدواني لأنه يستهدف في النهاية تعطيل الحياة المدنية للناس ومنع الدولة من تأمين الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية للعائلات النازحة أو التي فقدت منازلها وخسرت ما تملكه من وسائل عيش تحفظ كرامتها. كذلك سيؤدي الحصار إلى تأخير عودة النازحين إلى ديارهم ومنع الدولة من إعادة الإعمار وترميم الجسور (117 جسراً) ووصل ما قطعته الحرب من طرقات ومواصلات.

وقف إطلاق النار لا يعني إنهاء المشكلات السياسية والاجتماعية. فهناك الآن الكثير من الاشتباكات المنظورة وغير المنظورة، وهذه تتطلب الإسراع في حلها على مختلف المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية. والحصار الإسرائيلي الجوي والبحري يعني ضمناً وضع البلاد كلها تحت سقف التهديد الذي لا وظيفة له سوى توتير العلاقات الأهلية وزعزعة الاستقرار الاجتماعي (الأمن الاجتماعي) للناس.

هذا النوع من السياسة العدوانية (الحصار البحري والجوي) سيترك سلبيات كثيرة على الحياة العامة لأن الاقتصاد يحتاج دائماً إلى أمن. والأمن يتطلب عودة الأنشطة الإنتاجية والاستثمارية إلى العمل. والعمل بحاجة إلى ثقة سياسية بالدولة وموقعها ودورها وضمانات بأن ما حصل لن يتكرر. هذه الصدقية مطلوبة الآن حتى لا يؤدي الزلزال السياسي/ الحربي الذي ضرب لبنان إلى ارتدادات اجتماعية/ اقتصادية تصيب ما تبقى من حياة أهلية بالمزيد من الخراب والتفكك.

«إسرائيل» أعلنت أنها حققت أهدافها السياسية من وراء العدوان على لبنان. وهذه كذبة ملفقة لارضاء الرأي العام الذي أصيب بصدمة كبرى ستظهر آثارها لاحقاً. فالإضرار المباشرة التي لحقت بـ «إسرائيل» أقل بكثير من تلك الإضرار المباشرة التي ضربت لبنان من جنوبه إلى شماله. ولكن في الحسابات النسبية والمركبة والبعيدة فإن الإضرار غير المباشرة التي لحقت بالدولة الصيهونية تعتبر أقوى وأعنف من تلك التي ضربت البلد الصغير.

لبنان الآن في ورطة وهناك الكثير من العثرات والعقبات التي تواجهه دولة ومقاومة. اما «إسرائيل» فإنها تلقت ضربة استراتيجية من العيار الثقيل ستأخذ مداها الزمني لتظهر آثارها السلبية.

الزلزال زعزع لبنان وهناك هزات ارتدادية متوقعة. اما الزلزال الذي ضرب «إسرائيل» فإنه أعنف لا من حيث آثاره المباشرة بل من زاوية عمق ارتداداته التي ستأخذ وقتها للظهور، وحين تظهر ستنكشف هذه الدولة أمام مستقبلها في المنطقة.

الحرب وقعت. وحصل وقف لإطلاق النار. وبقي الاشتباك السياسي في مكانه. ومن الآن وحتى ينكشف المستور وينفك الاشتباك السياسي، على لبنان أن ينهض من تحت الحطام، بينما مستقبل «إسرائيل» في المنطقة تحطم... وهي تحتاج إلى وقت لقياس درجة الزلزال الذي تعرضت له

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1439 - الإثنين 14 أغسطس 2006م الموافق 19 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً