شفافية وحرية رأي وحق معرفة يقابلها إغلاق وحجب وممنوع، هكذا العالم الواقعي ينعكس على العالم الافتراضي التقني بتقاليده وأحكامه وقوانينه، فيحاول امتلاكه والسيطرة عليه من دون جدوى.

قنوات الشبكة العنكبوتية واسعة جداً وما إن تُغلق قناة حتى تنفتح عشرات القنوات الأخرى بل المئات إن لم تكن الألوف، فبعد المواقع الشخصية وبعد ساحات الحوار المتمثلة في المنتديات التفاعلية، انفتح أفق جديد في عالم الإنترنت يدعى المدونات التي عبارة عن صفحة إلكترونية متعددة الأهداف تسمح للمستخدم بنشر آرائه وتجاربه الشخصية وكذلك أفكاره بسهولة و تسمح بتبادل الأفكار بين القراء لتمثل المتنفس الواسع للتعبير عن الآراء من غير خوف ولا رقابة.

وتكمن أهمية المدونات في تخطيها الحدود والحواجز وتجدد محتواها باستمرار فهي الفضاء الديمقراطي الحقيقي للحوار وتبادل الآراء، وهي البديل الناجح لوسائل الإعلام التقليدية الخاضعة إلى الرقابة ومتنفس لممارسة النقد أمام أولئك الذين يرغبون في التعبير عن مشكلاتهم الشخصية ومشاعرهم المكبوتة. كما انها تعتبر طريقة سهلة ومضمونة للتحايل على الرقيب، سواء أكان الرقيب السياسي أم الأمني أم الاجتماعي ووسيلة أفضل للتعارف وتكوين الصداقات وتجاوز الحدود أياً كانت، ناهيك عن كونها ديوان الأدباء الهواة ومحطة للمواهب الشباب.

ولعل في الأيام المقبلة تتمحور هذه المدونات لتكون صفحة المعلم الشخصية التي يناقش فيها طلابه ويتواصل معهم على مدار الساعة، أو ربما تكون الصفحة الصحية التي يتلقى فيها المريض نصائح طبيبه، أو تكون المدونة الصفحة الرئيسية للعائلة فتسجل بها كل إنجازات العائلة ويتم التواصل بها بين العم والأخ والأخت في زمن يخلق من التقنية أداة اجتماعية فعالة.

والأهم في الموضوع ألا تكون المدونات غير هادفة ومليئة بالتوافه، وبعبارات الدردشة الركيكة والبذيئة في كثير من الأحيان أو تكون وسيلة لتبادل واجترار جمل التهاني والأماني المألوفة وعبارات الغزل والغرام الدارجة هذه الأيام في أوساط المراهقين والمراهقات. ناقلين بذلك سخافات بعض الأندية وتفاهات بعض الفضائيات إلى صفحات مدوناتهم.

ولأننا نعلم أن المدونة هي الصحيفة الشخصية لمنشئها فمن الطبيعي أننا سنكون حذرين في صدقية محتواها، بل عند قراءتنا المدونة نضع أمامنا المثل الشعبي «كل إناء بالذي فيه ينضح»