العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ

سيحكم علينا التاريخ جميعاً لأعمالنا

ميشيل عون comments [at] alwasatnews.com

قائد الجيش اللبناني السابق ورئيس كتلة التيار الوطني الحر في البرلمان اللبناني

بينما تقصف الطائرات والسفن والمدفعية وطننا الحبيب لبنان، نترك نحن اللبنانيين كالعادة لنتفرج بيأس وندفع ثمناً باهظاً لحرب فرضت علينا نتيجة لظروف أبعد من إرادتنا.

إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الأزمة كان يمكن تجنبها، وإذا اعتبرنا أن هناك، وكان دائماً هناك، حل يستجدي منا تقريباً أن نتبعه، لا يستطيع المرء إلا أن يتوصل إلى نتيجة أن كل هذا الموت والدمار والمعاناة البشرية، سيحكم عليها عندما ننظر إليها في المستقبل، على أنها كانت من دون فائدة.

بغض النظر عن إلى متى ستستمر هذه الهجمة فإن حقيقة الأمر هي أن التفاوض السياسي سيكون اللعبة النهائية. الحل الذي سيقدم نفسه بعد أسبوع أو شهر أو سنة من الآن سيكون من حيث الجوهر الحل المتوافر اليوم نفسه والذي كان متوفراً قبل أن تطلق طلقة واحدة وقبل أن يقتل طفل واحد، وهذا هو المأسوي في الموضوع. نتيجة لهذا الواقع هناك حاجة إلى جهود حثيثة أكثر سابقاً وليس لاحقاً لوقف الموت والدمار على جانبي الحدود.

منذ البداية كان ينظر إلى هذا النزاع من خلال مناظير مختلفة تعطي مناظر مختلفة. كشخص قاد شعبه في وقت دافعوا فيه عن أنفسهم ضد العدوان، أدرك شخصياً أن دولاً أخرى لها الحق في أن تدافع عن نفسها بالضبط كما يفعل لبنان. هذا حق لا يستغنى عنه تملكه جميع الدول وجميع الشعوب.

بالنسبة إلى البعض، يعتبر تحليل مصادر النزاع وحلوله على أنه يبدأ وينتهي بحق الدفاع عن النفس. بالنسبة إلى آخرين فإن أعمال الدفاع عن النفس التي تدعيها «إسرائيل» يرى أنها بربرية وهجومية تهدف إلى تدمير لبنان وتصفية شعبه. بالمثل ينظر البعض إلى قيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين على أنه لعبة عسكرية عادلة للضغط على «إسرائيل» لإعادة الأسرى اللبنانيين، إلا أن الغير يرونها أعمالاً إرهابية تهدف إلى الإضرار بسيادة «إسرائيل» وأمنها.

اختلاف وجهات النظر هذا وفشل العالم في تبني نماذج يمكن من خلالها تحليل مشكلات الشرق الأوسط بعدالة وحلها نتج عنه، وستنتج عنه دائرة مفرغة من النزاع المستمر. إذا بقي التوجه نفسه في النزاع الحالي فأنا أتوقع أن تكون النتيجة مماثلة. لذلك فإن هذا تكليف لتغيير الأساس الذي يحكم من خلاله على المشكلات ويتم قياسها من دائرة النهاية المغلقة الحالية إلى واحدة تعتمد على مبادئ عالمية لا نقاش فيها لديها على الأقل فرصة للقتال والإتيان بنتائج إيجابية باقية.

اعتقادي الشخصي هو أن الحياة البشرية متساوية وثمينة عند الجميع. أنظر إلى حياة الإسرائيلي مثلما أنظر إلى حياة اللبناني. هذا الاعتقاد غير نابع من ديانتي الكاثوليكية وإنما من القيم الإنسانية الأساسية التي تجد جذورها في لبنان. ليس من قبيل المصادفة أن إحدى الشخصيات البارزة التي شاركت في صوغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان شارل مالك، المواطن اللبناني. أطرح السؤال: هل ستمتلك الدول العربية الأخرى وقادتها الشجاعة للاعتراف بأن الحياة اللبنانية تساوي الحياة الإسرائيلية وبأن الحياة لا ثمن لها؟ أعتقد أن معظم المواطنين العرب والإسرائيليين سيجيبون بالإيجاب. هل نستطيع أن نجعل حكوماتهم وقادتهم يفعلون الشيء نفسه؟

الاعتراف بالمساواة بين قيمة الشعبين اللبناني والإسرائيلي يمكنها أن تكون نقطة البداية والمحفز. الفكرة العالمية التي لا جدال فيها عن المساواة بين الشعوب وحياة البشر يجب أن تكون الأساس الذي نقيس بموجبه الحوادث ونحكم عليها، ويجب أن يوفر المنظار الذي نرى من خلاله النزاع الحالي والنزاعات القديمة العجيبة التي يبدو أنها لا تنتهي ونحاول حلها. هذا هو السبيل الوحيد نحو السلام والازدهار والأمن، وهو في نهاية المطاف ما ترغبه جميع الشعوب بغض النظر عن أصلها.

الخلافات الايديولوجية والسياسية والدينية بين الحزب الذي أترأسه، الحركة الوطنية الحرة وحزب الله كان يمكن التعامل معها إما عن طريق المواجهة أو الحوار الداخلي. اعترافاً منا بقيمة الحياة البشرية كان الخيار الثاني هو الخيار الواضح. جلسنا مع حزب الله لبحث خلافاتنا.

بعد شهور كثيرة من المفاوضات الواسعة وصلنا إلى تفاهم احتوى على عشر نقاط رئيسية وضعت خريطة طريق لحل عشر من أكثر نقاط الخلاف مشاكسة. مثلاً، وافق حزب الله للمرة الأولى على أن اللبنانيين الذين تعاونوا مع «إسرائيل» خلال احتلال «إسرائيل» لجنوب لبنان يجب أن يعودوا بسلام إلى لبنان من دون خوف من الانتقام. اتفقنا كذلك على العمل معاً لتحقيق مجتمع مدني يستبدل النظام الطائفي السائد الذي يوزع السلطة على أساس الانتماء الطائفي. إضافة إلى ذلك فإن حزب الله، الذي يتهم بأنه يناصر سورية بشكل قوي وافق للمرة الأولى على أن الحدود بين لبنان وسورية يجب ترسيمها بشكل نهائي ويجب تأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين.

اتفقنا كذلك على أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يجب سحب أسلحتهم وأن الأمن وصنع القرار السياسي يجب أن يكونا مركزيين عند الحكومة اللبنانية، وأن جميع الفصائل السياسية اللبنانية يجب أن تخلع نفسها عن النزاعات الإقليمية وتأثيراتها.

أخيراً وليس آخراً فإن مفاوضاتنا الواسعة مع حزب الله نتج عنها صوغ للمعوقات الرئيسية الثلاث فيما يتعلق بحل قضية سلاح حزب الله.

أولاً، عودة الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.

ثانياً، عودة مزارع شبعا وهي قطعة صغيرة من الأراضي اللبنانية مازالت «إسرائيل» تحتلها.

ثالثاً، وضع استراتيجية شاملة لتوفير الدفاع للبنان، قوامها جيش لبناني قوي وسلطة وصنع قرار مركزي لبناني تضمن فيه جميع القوى السياسية فرصة عادلة للمشاركة.

هذا الهيكل، إذا انضمت له ضمانات دولية بعدم توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وحماية لبنان من التوغلات الإسرائيلية وإذا ربط على المستوى الداخلي بقانون انتخاب جديد عادل منتظم، فهو يشكل أفضل أمل لحل قضية أسلحة حزب الله بسلام.

هذا هو جوهر الحل الشامل الذي نسعى إليه، لأنه يجسد تحولاً من سياسة تعتمد على القوة العسكرية مقابل سياسة مؤسسة على القيم الإنسانية وتسوية حقوق الأطراف تستطيع الوقوف أمام تجارب الزمن. إذا تم احترام الحقوق ومعاملة الأطراف بالاحترام الذي تستحقه ضمنياً كبشر فإن النتيجة بعيدة المدى ستكون ليس فقط نزع السلاح الفعلي وإنما نزع السلاح من العقول على الجانبين.

حزبنا قام بعرض هذا الحل داخلياً على كل المجموعات السياسة اللبنانية والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي بما فيه الإدارة الأميركية، بشكل متكرر لمدة سنة كاملة قبل بدء هذه الأزمة.

بدلاً من مساعدتنا على حل قضية سلاح حزب الله بسلام وتجنب الألم الحالي الذي يعاني منه بلدنا اليوم تجاهل المجتمع الدولي كما تجاهلت الحكومة اللبنانية ببساطة الحل المقترح.

الكثير من اللاعبين السياسيين الرئيسيين في لبنان ألقوا بنا جانباً على أننا «حلفاء» حزب الله «المناصرين لسورية». بغض النظر. هؤلاء هم الأفراد أنفسهم الذين وصموني بالعميل الصهيوني قبل سنة واحدة واتهموني بالخيانة عندما تجرأت على الشهادة أمام لجنة الكونغرس الفرعية بأنه يتوجب على سورية إنهاء احتلالها لبلدي.

فبعد تحرير لبنان من الاحتلال السوري طالب المجتمع الدولي (وقد فتن على ما يبدو بالصور الدنكيشوتية لثورة الأرز) بأن تجرى الانتخابات اللبنانية فوراً وفي وقتها. وقد أدار ظهره لقلقنا الشديد بشأن قانون الانتخاب القائم الذي أعد بدقة وذكاء من قبل سورية وفرض على لبنان العام 2000 لضمان إعادة انتخاب التشريعيين المفضلين لدى سورية.

قانون الانتخاب الناقص هذا الذي فرض علينا أصلاً من قبل سورية ومن ثم فرض علينا من قبل المجتمع الدولي كانت له نتائج كارثية. فقد جاء بحكومة لبنانية إلى السلطة لها سلطة الثلثين المطلقة، ولكنها لم تنتخب إلا من جانب ثلث السكان. بغالبية تشريعية وتنفيذية من ناحية وغالبية شعبية من الناحية الثانية كانت النتيجة الشلل الكامل. لا يوجد في لبنان حالياً تجمع للإرادة الشعبية مع إرادة للحكومة وبالتالي لا يمكن للحكومة أن تتعامل بشكل فاعل مع هذه المشكلة أو أية مشكلة غيرها.

التاريخ سيحكم علينا جميعاً من خلال أعمالنا، وخصوصاً الموت غير الضروري والدمار الذي نخلفه. الدمار الذي يجري على لبنان اليوم لا يمكن قياسه بأية طريقة أو مقادير: سيارات الإسعاف، مصانع الحليب، محطات توليد الطاقة، أطقم ومحطات التلفزة، مراقب الأمم المتحدة والبنية التحتية المدنية، جميعها دمرت.

دعونا ننطلق من منطلق أن الحياة البشرية متساوية، وأنه إذا كانت هناك فرصة لإنقاذ الحياة وتحقيق النتيجة النهائية نفسها التي يمكن تحقيقها من دون القتل الأعمى، دعونا إذاً وبجميع الأساليب نستغل تلك الفرصة

العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً