العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ

نهاية شوط... أم نهاية مباراة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

صباح اليوم يطلق الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان صفارة وقف إطلاق النار بين لبنان (المقاومة) ودولة «إسرائيل». الإعلان عن وقف النار يأتي بعد مرور 34 يوماً على العدوان الأميركي - الصهيوني وتدمير البنى التحتية والسكانية في البلد الصغير. كذلك يأتي الإعلان في سياق موافقة الحكومتين اللبنانية و«الإسرائيلية» بتحفظ على القرار الدولي 1701.

وقف إطلاق النار لا يعني بالضرورة أن الحرب انتهت. فالحرب قد تستمر في مناطق تموضع القوات الصيهونية في الجنوب اللبناني. فحكومة إيهود أولمرت اشترطت لانسحابها مجموعة نقاط، كذلك حددت سلسلة أهداف قبل انسحابها. وهي حتى الآن فشلت في تحقيق الأهداف ميدانياً، كذلك لم تنجح في تأمين منطقة فراغ (عازلة) تضمن أمنها الحدودي. وهذا يعني من وجهة الجانب الإسرائيلي أن تل أبيب غير قادرة على وقف العمليات العسكرية قبل أسبوع أو أكثر.

هذا من جانب العدو الصهيوني. أما من جانب المقاومة (حزب الله) فالمسألة أيضاً غير قابلة للتفاوض على أسس أعلنت عنها عند اندلاع الحرب. فالمقاومة وافقت من حيث المبدأ على احترام قرار وقف إطلاق النار، ولكنها اشترطت أن تنسحب القوات المتموضعة في القشرة (الحدود) حتى توقف عملياتها. وبما أن تل أبيب تقول إنها لن تنسحب قبل أسبوع أو أكثر فمعنى ذلك أن عمليات الإغارة على تلك المواقع ستستمر حتى تنسحب إلى آخر متر مربع تحتله القوات الغازية.

وقف إطلاق النار إذاً سيتحول إلى مبدأ عام لا قيمة ميدانية له مادامت «إسرائيل» متموضعة في مناطق القرى الحدودية. كذلك لا قيمة سياسية له مادامت «إسرائيل» عندها تحفظات على القرار 1701 ولبنان أيضاً عنده تحفظات مضادة على القرار الدولي. فالقرار لا يلزم لبنان أو «إسرائيل» بتنفيذه لأنه يقع تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.

وعليه، فإن «إسرائيل» تعتبر نفسها في موقع الدفاع عن النفس ويحق لها الرد على مصادر النيران أو أي عملية ميدانية تتعرض لها قواتها في الشريط الحدودي أو داخل «الخط الأزرق». ولبنان يعتبر نفسه في موقع المغدور لأنه تعرض إلى حرب فرضت عليه ودفع كلفة عالية من أجل مطالب محقة وبسيطة وجزئية رفض مجلس الأمن الاعتراف له بها أساساً للحل. فهناك مثلاً مسألة تبادل الأسرى والقرار أشار إليها مداورة بينما أصر على «الإفراج غير المشروط عن الجنديين الإسرائيليين المخطوفين». وهناك أيضاً مسألة مزارع شبعا وهي نقطة أشار إليها القرار بأسلوب غامض وربطها بموضوع ترسيم الحدود مع إعطاء اهتمام بها على أن يأتي الاهتمام في إطار مقترحات تقدم خلال «ثلاثين يوماً».

الدولة اللبنانية غير مرتاحة لبعض تفصيلات القرار 1701، ولكنها كانت مضطرة للموافقة عليه مبدئياً حتى لا تعطي ذريعة لـ «إسرائيل» باستخدام القرار وسيلة دولية للضغط على لبنان واستئناف عدوانها تحت غطاء الشرعية الدولية. و«إسرائيل» كانت مضطرة بدورها للموافقة على تمرير بعض تلك النقاط اللبنانية السبع في القرار الدولي مادام 1701 يعطيها صفة المعتدى عليه ويبرر لها حق الرد في حال تعرضت لأي عمل عسكري أو اختراق.

قصة طويلة

القصة طويلة كما يمكن ملاحظته من خلال تلك الثغرات المتموضعة في فقرات القرار 1701. فالقرار مجموعة أوراق خلطت كل الأمور في كوب واحد. وفقراته تشبه الحاوي الذي يضم كل ما يحتاجه فرقاء الصراع. فمقدمة القرار تذكر بكل القرارات السابقة من 425 و426 و520 و1559 و1655 و1680 وغيرها وغيرها من إعلانات رئاسية متصلة بها. وهذا يعني أن 1701 يسير باتجاهات متعاكسة لأن كل قرار دولي يؤشر باتجاه مضاد للآخر. مثلاً القرار 425 يؤكد انسحاب «إسرائيل» من لبنان وعودتها إلى ما وراء الخط الأزرق (من دون توضيح مسألة شبعا). والقرار 1559 يشير إلى وجوب سحب سلاح حزب الله وتجريد الميليشيات الفلسطينية من سلاحها (من دون تحديد الطرف المسئول عن القيام بمثل هذه المهمة الخطيرة). والقرار 1680 يتحدث عن ترسيم حدود وإقامة علاقات دبلوماسية مع سورية. فكل قرار يحتاج إلى حرب إقليمية لتنفيذه مضافة إلى مجموعة حروب أهلية صغيرة ستحرق ما تبقى من لبنان الأخضر.

لا يكتفي القرار 1701 بأعجوبة المقدمة وإنما ينتهي بمعجزة قانونية في نهاية فقراته، إذ يختتم بنوده بالفقرة (18) التي تؤكد ضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في «الشرق الأوسط». وتعدد الفقرة تلك القرارات الصادرة منذ أربعين أو ثلاثين سنة بهذا الشأن مثل القرارين 242 و338.

الحفلة إذاً طويلة وصاخبة وصفارة وقف إطلاق النار التي يعلنها الأمين العام للأمم المتحدة صباح اليوم قد تكون نهاية جولة وبداية جولة. فالصفارة هي بمناسبة انتهاء الشوط الأول من المباراة تعقبها استراحة قصيرة لتطلق صفارة بدء الشوط الثاني.

القرار 1701 ملغوم في فقراته وهو ربما أعلن عن صدوره ليس لوقف الحرب وإنما لترسيم حدود الحروب المقبلة وتوضيح ملابساتها وتعيين اتجاهاتها وتضمين وجهات نظر دول مجلس الأمن بشأن تلك القضايا المزمنة والعالقة من دون حل منذ عدوان يونيو/ حزيران 1967.

الحرب إذاً لم تنته فصولها وربما لم تبدأ بعد أو على الأقل تنتظر الشروط السياسية للإعلان عن بدء تنفيذ أشواطها الأخرى. فوقف إطلاق النار صباح اليوم هو محاولة لإعادة تنظيم جبهات القتال وترتيب مواقعها بشكل يتناسب مع خطط أخرى موضوعة بهذا الشأن.

القرار 1701 في صيغته الحالية غير قابل للتطبيق. والدول الكبرى حين توافقت على صوغ فقراته بهذا الشكل ربما أرادت التذكير بقرارات أخرى لها صلة بحروب سابقة جرت في المنطقة وربما الإشارة إلى حروب أخرى تبرر دولياً قيامها أو تخطط مسبقاً للإعلان عنها.

تعليق الحرب

وقف إطلاق النار صباح اليوم هو محاولة لتعليق الحرب على أرض محترقة. «إسرائيل» مثلاً أمامها مجموعة خيارات، إما أن تستمر في عدوانها للوصول إلى الليطاني ثم تنسحب بعد أسبوع أو أكثر تاركة المجال لتموضع الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة (يونيفيل) وإما أن تكتفي بهذا القدر من التوسع وتبدأ لاحقاً بالانسحاب تاركة الجنوب للمقاومة (حزب الله) وإما أن تبقى في مكانها تناوش عسكرياً محاولات الإغارة على مواقعها. حزب الله أيضاً أمامه مجموعة خيارات، إما أن يستمر يقاوم بثبات في مكانه ويكر ويفر ويتقدم ويتراجع ويغير ويلتف موقعاً خسائر كبيرة في القوات الغازية، وإما أن ينسحب بعد وقف إطلاق النار تاركاً ساحة الجنوب للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة (يونيفيل)، وإما أن يسمح للقوات الدولية - اللبنانية المشتركة بالدخول ويبقى معها جنباً إلى جنب.

الأمم المتحدة حائرة الآن في مواقفها فهي اتخذت الخطوة الأولى ولا تعرف متى أو كيف تأخذ الخطوة الثانية. وعلى هذا يمكن توقع أن يحسم مجلس الأمن خياراته في الأيام أو الأسابيع المقبلة. فدول المجلس وعدت لبنان و«إسرائيل» في حال موافقتهما على القرار 1701 بأنها ستتخذ إجراءات ميدانية (آليات) لتطبيق الفقرات الواردة فيه وتشمل تشكيل قوات دولية (15 ألف جندي) تتعاون مع 15 ألف جندي لبناني للانتشار بين الخط الأزرق (الحدود الدولية) ونهر الليطاني على أن تنسحب قوات الاحتلال جنوباً وقوات حزب الله شمالاً.

هذه الآلية تحتاج إلى وقت لبلورتها، كذلك تحتاج الآلية إلى تصورات موضوعية لتنفيذها وهي في النهاية تخضع لموازين القوى على الأرض ومدى استعداد الأطراف المعنية وصاحبة سلطة القرار للتجاوب مع هذه التصورات. «إسرائيل» مثلاً تقول إنها تنسحب إلى الجنوب إذا انسحب حزب الله إلى الشمال. حزب الله يؤكد أنه لن ينسحب سلماً من مواقعه التي دافع عنها ومنع العدو من احتلالها عنوة.

إذاً نحن أمام واقع جديد رسمته الحرب وأدى إلى نشوء نوع من «التوازن السلبي». فالعدو لا يستطيع التقدم شمالاً إلى الليطاني وقوات حزب الله هزمت «إسرائيل» ميدانياً أو على الأقل أوقعت بها خسائر لا تستطيع تحملها إلى فترة طويلة. وهذا «التوازن السلبي» سيعطل إمكانات تحرك مجلس الأمن نحو إصدار قرار آلي لتنفيذ فقرات القرار 1701. حتى لو توافقت دول المجلس على إصدار قرار جديد فإن إمكانات تطبيقه مستحيلة في فضاء عام تختلط فيه المفاهيم وتتوازن القوى ميدانياً.

صباح اليوم يطلق كوفي عنان صفارة وقف إطلاق النار. والسؤال: هل هذا إعلان نهاية المباراة أم استراحة قصيرة لبدء الشوط الثاني، التي انتهى شوطها الأول بالتعادل الميداني؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً