العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ

قوانين ترهب ولا تحاكم

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

النواب الأفاضل سامحهم الله، جعلوننا نعيش حالاً من القلق والتوتر والحزن في الأيام الأخيرة قبل انتهاء المجلس التشريعي، فقد نجحوا في وضع السكين على رقابنا، ففي كل ليلة لا نعرف كيف ننام وعندما نصحو من النوم نستيقظ مذعورين ونفاجأ في الصباح من خلال تصفح الصحف بأنهم مرروا وأقروا ما يكفيهم لوضع أكبر عدد ممكن من الناس تحت المشانق معتقدين أنهم سيكونون معفيين من الأحكام التي يشرعونها وبالتالي يختارون أقسى أنواع العقوبات، فبالأمس مرر قانون الجمعيات السياسية وكان ذلك الحلقة الأولى من مسلسل تقييد الحريات وحزها، وما بعده مرر قانون التجمعات الذي يختصر نفسه بنفسه بأنه لا مسيرات ولا مظاهرات ولا حتى تجمعات عند المقاهي بعد الآن والويل كل الويل لمن تسول إليه نفسه، وأسدل الستار بتمرير قانون مباشرة الحقوق السياسية والذي يحرم ما يحرم من ممارسة حقهم الطبيعي في المشاركة في العمل السياسي عبر الترشح والانتخاب تحت حجج واهية، لضمان عرقلة وصول المجرمين والمحكومين إلى المؤسسات الدستورية، وكأن قانون مباشرة الحقوق السياسية هو الذي يميز هؤلاء الأشخاص وأن الناس فقدت بصيرتها ومعرفتها بالمجرمين ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قانون؟

أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى تشريع قانون يمنع على حد قولكم المجرمين من الولوج إلى المؤسسات التشريعية لسببين: الأول لأنه حتى الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب والمؤسس للحياة التشريعية لم يكن يخلو من وجود مدانين لقضايا ظلت معلقة.

هل تريدون أن تقولوا: إننا أكتفينا ولابد من وضع نهاية؟

والسبب الثاني: وأعتقد أنه وجيه جداً وهو الشارع والناخبون من يقرر وجود هؤلاء من عدمه وواثقون جداً أن الشارع واع بدرجة كافية وعيونه مفتوحة بحيث يضمن عدم وصول هؤلاء إلى الغرف التشريعية، لأنهم تعودوا أصلا مقاطعة وعدم مناصرة هؤلاء مجتمعيا فما بالكم بأن يكون ممثلاً لهم؟ لا ننسى أن المجتمع البحريني واعٍ ومثقف وأيضا محافظ وبالتالي لا تنطلي عليهم أمور كهذه، ولكن أظن أن السبب الحقيقي وراء تشريع قانون كهذا يكمن في أن السلطة تريد من خلال تطبيقه حرمان البعض من المشاركة تحت حجج تنسج من خلال القانون ليس إلا، فالقوانين المشرعة في غالبيتها تصاغ بعبارات فضفاضة ومطاطة لتستوعب كل النوايا.

قانون التجمعات عندما أقر كان الهدف منه شل الحركة الشعبية التي حققت إنجازات ونجاحات كبيرة وسط مراقبة واسعة من المنظمات الحقوقية والشأن العام الإقليمي والدولي، وهذا ما لا تستطيع الحكومة نكرانه بدليل نجاح القوى السياسية المقاطعة في إبراز الأزمة الدستورية، الحركة الشعبية في البحرين طوال السنوات الماضية أيام انتفاضة التسعينات وبعد الإصلاح أبلت بلاء حسنا ورسمت ملامح مستقبل واعد للبحرين ارتعدت فيها فرائص الحكومة وصار لابد لها من أن تضع نهاية، لم تجد أفضل من قانون مكبل للحريات تطلق عليه قانون التجمعات بغرض تقنين وتنظيم عمليات التجمعات، فلجأت إلى الأدوات التي تمكنها من شل حركة الشارع والسيطرة عليه عبر إجراءات وتعقيدات لا معنى لها، كان ذلك مزعجاً ومربكاً للغاية بالنسبة إلى الشارع البحريني الذي تعود أن يقول كلمته الأخيرة في الشارع عبر المسيرات والاعتصامات والمظاهرات المنظمة التي تعبر عن شعب حضاري راق، يطمح إلى ضخ مزيد من الحريات لا مصادرتها، ويأمل في أن يتسع سقف المطالبات وأن تتعدد الوسائل والآليات لا التضييق عليه، فالشاعر يقول: (ليس كل ما يتمناه المرء يدركه... تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن)، نأمل أن تكون المشاركة في البرلمان وطرح القضايا تحت قبتها خير خلف من القانون نفسه السيئ فبدلا ما تكون المطالب في الشارع تكون تحت قبته.

قانون الإرهاب جاء يحاكم الأفراد على نواياهم ولكن نتنبه جيدا أنه قد يحكم على كل النوايا والتي لم تبوح بها أصلا بالسيئة وغير الحسنة «التشكيك ديدن قانون الإرهاب» ومقياسه الوحيد، فإياكم والنية السيئة فإن قانون الإرهاب لكم بالمرصاد لن تجد نفسك إلا في نشرات الأخبار ليست المحلية فقط بل العالمية ستلقب حينها بألقاب تحلم في الحصول عليها في أفلام هوليود حتى لو كنت حينها إنساناً بسيطاً.

اطلعت على مواد القانون والتي تتكون من (35) مادة لم أتمكن من قراءتها كاملة لم أشعر بالارتياح وشعرت حينها بالرهبة في قلبي فقررت تجزءتها حتى استوعبها أولا وأخفف الوطأة على نفسي فغالبية المواد تبدأ عادة بعبارة «يسجن» أو «يحبس» حاولت عدها وأنا خائفة فوجدتها تكررت (20) مرة، شعرت طوال فترة قراءتي للقانون بأن هناك من يلاحقني لشنقي وليس لسجني، فعرفت حينها أن قانون الإرهاب مصدر من مصادر الإرهاب، أيضا ممكن أن أصفه بالإرهابي فقد شعرت طوال القراءة بالرهبة والخوف، فمن الممكن وصفه بالإرهابي أم هذا تجن؟ فهل يمكن محاكمة القوانين التي ترهب؟

النواب الكرام من كرمهم مرروا قانون الإرهاب من دون مناقشة وكذلك مجلس الخبراء والعلماء بصموا عليه، وكأنهم خشوا على أنفسهم من إرهاب قانون الإرهاب، فلربما شعروا بما شعرت به من رهبة وخوف وخجلوا أن يتضح ذلك في عدسات التصوير، ثلاث كتل تحالفت ضد الإرهابيين وسعت إلى تمريره والنتيجة سابقة خطيرة لن تنسى لهم فقد مرر قانون الإرهاب بسلام من دون مناقشة فكما عودنا الإرهاب يأتي بصمت رهيب وينتهي بكارثة مدمرة، وهناك من تحالف مع الإرهابيين فانسحب من القاعة بهدوء

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1438 - الأحد 13 أغسطس 2006م الموافق 18 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً