العدد 1437 - السبت 12 أغسطس 2006م الموافق 17 رجب 1427هـ

أبعد من القرار 1701

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد مخاض دام 33 يوماً صدر فجر أمس عن مجلس الأمن القرار الدولي 1701. ومقدمة القرار تحمّل حزب الله مسئولية البدء في الحرب وبالتالي تعطي «إسرائيل» ذريعة قانونية تتركز على حقها في الدفاع عن النفس. وهذه الذريعة تغطي عدوانها التدميري على لبنان. والقرار أيضاً فصل بين «وقف الأعمال الحربية» و«وقف إطلاق النار الفوري والشامل»... أي أنه أعطى فرصة للدولة اللبنانية بالتفكير قبل اتخاذ موقف نهائي من فقرات القرار. كذلك أعطى مهلة زمنية لـ «إسرائيل» لتحصين مواقعها الميدانية تسمح لها بإعطاء رأي نهائي بالقرار حين تجد أنها استكملت تموضعها العسكري في مناطق القشرة (الحدود).

أمام لبنان و«إسرائيل» اليوم وغداً فترة سماح للبحث والتفكير وقول الكلمة الأخيرة قبل التوصل إلى إعلان «وقف إطلاق النار». وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة على الدولة اللبنانية أن تعلن موافقتها على القرار 1701 أو رفضها له. إذا وافقت تبدأ إجراءات التنفيذ وتباشر دول مجلس الأمن دراسة آليات التطبيق. وإذا رفض لبنان القرار فمعنى ذلك أن الدولة أصبحت في موقع المشاكس لأنها ستتهم بمخالفة الشرعية الدولية وتعطي دول مجلس الأمن صلاحيات البحث عن وسائل أخرى لاجبار الحكومة اللبنانية على الانصياع لقرارات الإجماع الدولي.

«إسرائيل» أيضاً تواجه الموقف نفسه. فهي إما أن توافق على حيثيات القرار 1701 وبالتالي تصبح مضطرة إلى تنفيذ تلك الفقرات التي تطالبها بالانسحاب من الأراضي اللبنانية إلى ما وراء «الخط الأزرق». وإما أن ترفض القرار وبالتالي تصبح في موقع المشاغب على القانون الدولي، وهذا ما سيؤدي إلى فتح باب الحرب على احتمالات جديدة.

لبنان الآن في موقع الاضعف دولياً بحسب تلك النتائج التي نصت عليها فقرات القرار 1701. و«إسرائيل» في موقع الأقوى لأنها نجحت في تأمين غطاء دولي لعدوانها وباتت لديها ذريعة لاستكمال حربها في حال رفضت الدولة اللبنانية القرار.

هذا لا يعني أن «إسرائيل» ليست في ورطة. ولكن الورطة اللبنانية أعقد وأصعب. فالدولة العبرية المعتدية موحدة ومعترف بها في الأمم المتحدة وحكومتها تملك قرار الحرب والسلم وهي تسيطر على سلطة القرار انطلاقاً من تلك الصلاحيات القانونية. بينما الدولة اللبنانية (المقوضة والمشلولة) تمر بحال انفصام في الشخصية السياسية فهي تتمتع رسمياً بالصلاحيات القانونية، ولكنها فعلياً لا تملك سلطة القرار. فمن يملك قرار الحرب والسلم ميدانياً هو المقاومة بينما الدولة اللبنانية اكتفت خلال فترة العدوان المستمر حتى الآن بلعب دور الوسيط بين مرجعية المقاومة والمرجعية الدولية.

أدى هذا الخلل اللبناني إلى إضعاف الدولة وارباكها في تعاملها مع الحوادث الجارية على أرضها وبالتالي وضعها في موقع المتلقي والطرف العاجز وغير القادر على إدارة الصراع أو التفاوض مع الهيئات الدولية. واستمر هذا الوضع القلق يتموج سياسياً وأمنياً إلى أن استقرت الحكومة اللبنانية على موقف موحد أنتج سلسلة تصورات محلية أطلق عليها «النقاط السبع». والتفاهم على المشروع الوطني (النقاط) أعطى بعض الحيوية للدولة وساعدها على إعادة التفاوض لتعديل المشروع الأميركي - الفرنسي الذي يعتبر كارثة سياسية بكل المقاييس والمعايير.

إلا أن إعادة تنشيط موقع الدولة ودورها جاء متأخراً بعض الشيء. فالدمار حصل والمأساة وقعت وبقي على لبنان استرداد بعض المشروعية الدولية لمنع استكمال منهج التحطيم المبرمج لكل بناه التحتية والسكانية. فالدولة بعد التوافق على «النقاط السبع» أقدمت على توظيف صلاحياتها القانونية وعلاقاتها الدولية تحت صيغة مشروع وطني أعطى الحكومة فرصة لإدارة سلطة القرار ولو بحدود نسبية. وهذا ما ساعدها على تخفيف بعض فقرات المشروع الأميركي - الفرنسي والحد من سلبياته، ولكنها لم تنجح في تعديله بشكل يتناسب كلياً مع الطموحات اللبنانية.

القرارات الدولية في النهاية نتاج توازنات القوى وهي ترسم حدود العلاقات في إطار لا يتوافق بالضرورة مع الطموحات الوطنية والأهداف السياسية لكل فريق. فالتسوية تعني تقديم تنازلات متبادلة. والقرارات الدولية تأخذ من كل فريق بعض مطالبه وحاجاته وتهمل ما تبقى من أهداف ومخاوف حتى لا ينحاز مجلس الأمن إلى هذا الطرف أو ذاك.

القرار 1701

ما حصل في أروقة الأمم المتحدة فجر أمس اظهر نجاح الدول وبالإجماع على التوافق على قرار منحاز نسبياً للدولة المعتدية («إسرائيل») مقابل تقديم تنازلات جزئية للمعتدى عليه (لبنان) ضمن صيغة دولية ملتسبة محكومة بمجموعة اشتراطات تتطلب الموافقة عليها قبل البدء في البحث في تشكيل آليات ووضع خطة إجرائية للتنفيذ. ولهذه الأسباب المحكومة بالاشتراطات رفض مجلس الأمن «وقف إطلاق النار» وأجل المسألة عدة أيام حتى تتضح الصورة السياسية والميدانية. فالقرار لم يوقف الحرب وانما علقها. والتعليق يفتح نافذة على التأويل، منه مثلاً احتمال استئناف العدوان بذريعة عدم تجاوب الطرف اللبناني مع القرار الدولي.

لبنان الآن في موقف حرج وصعب للغاية. فهو اما أن يوافق من دون أن يأخذ رأي المقاومة وهذا سيولد مشكلة داخلية قد تؤدي إلى زيادة توتر علاقاته الأهلية. واما أن يوافق بعد أخذ رأي المقاومة وقبولها بالتجاوب الميداني مع الإجراءات والاشتراطات التي نص عليها القرار 1701، وهذا ما سيؤدي إلى انفراج داخلي وربما يفتح الطريق أمام التدويل غير المباشر للمسألة اللبنانية.

لبنان (الدولة) لا يستطيع إلا أن يوافق. لأنه إذا رفض يكون خالف الشرعية الدولية وأعطى ذريعة للولايات المتحدة و«إسرائيل» باستكمال مشروع حرق وتحطيم وتدمير ما تبقى من مقومات ومرتكزات للنهوض من تحت الركام. أما لبنان (المقاومة) فهو في وضع مختلف، لأن المقاومة غير معترف بها دولياً وهي لا تتمتع بتلك الصلاحيات القانونية التي تعطيها حق التفاوض، ولكنها تملك سلطة القرار وتستطيع أن ترفض 1701.

لبنان الآن أمام إشكالية كبيرة وعليه أن يقرر مستقبله في فترة زمنية قصيرة (غداً أو بعد غد). فإما أن تتحمل الدولة مسئوليتها وتغامر بوضعها الداخلي. واما أن تتعاون مع المقاومة وتأخذ منها سلطة القرار للتفاوض مع مجلس الأمن لتحسين شروط «وقف إطلاق النار» الذي وعد به الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في حال وافقت الأطراف المعنية على القرار 1701. واما أن ترفض المقاومة القرار وبالتالي تتحمل مسئولية النتائج المتوقعة سياسياً وميدانياً. واما أن تقبل الدولة وترفض المقاومة وهذا يعني ترسيم حدود الانفكاك السياسي بين دولة تتمتع بالصلاحيات ولا تملك سلطة القرار ومقاومة تملك سلطة القرار ولا تتمتع بالصلاحيات.

المسألة فعلاً معقدة في الجانب اللبناني بينما هي ليست كذلك في الجانب الإسرائيلي. فالدولة العبرية في ورطة وأزمة وعليها الإجابة عن أسئلة تمس جوهر كيانها السياسي الذي اهتز استراتيجياً في مناسبة عدوانها على لبنان.

مشكلة «إسرائيل» استراتيجية وهي لن تظهر الآن على السطح السياسي لأن خسائرها غير منظورة وتحتاج إلى فترة زمنية للاهتزاز. بينما مشكلة لبنان مرحلية وخسائره منظورة وظاهرة للعيان (تحطيم، تدمير، تفكيك... إلى آخره)، ولكنه لايزال في موقع يسمح له بإعادة تشكيل هيئته بما يتناسب مع نتائج سياسة الأرض المحروقة والمهشمة إلى أجزاء متناثرة.

لبنان لن يعود كما كان، ولكن هناك إمكانات لإعادة تجديد الثقة بين أهله في حال تم تجسير العلاقة بين الدولة والمقاومة (وهذا ما حصل ليل أمس، حين وافق السيدحسن نصرالله بتحفظ على وقف النار والقرار 1701). و«إسرائيل» لن تعود كما كانت، فهي ضربت في الصميم وعليها الآن أن تعيد النظر في موقعها ودورها في المنطقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1437 - السبت 12 أغسطس 2006م الموافق 17 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً